البعد السياسي لرحلة حج بابا الفاتيكان

صحيفة الخليج الإماراتية
لم تكن رحلة بابا الفاتيكان للأراضي المقدسة حجاً دينياً خالصاً، وإنما كان لها بعدها السياسي، ذلك أن ما قاله وفعله، ولم يقله ويفعله، أثناء تجواله في فلسطين المحتلة مس في الصميم قضايا الصراع العربي الصهيوني الراهنة. وتضمن تراجعاً عن موقف الفاتيكان التاريخي تجاه استهداف الصهاينة حاضنة أقدس المقدسات المسيحية وموطن عشرات ألوف الكاثوليك العرب. فالثابت أن هرتزل سعى لكسب تأييد الفاتيكان لمشروعه الاستعماري. غير أن البابا بيوس العاشر، لدى استقباله في 26/1/1904، رد عليه قائلاً: “لا نستطيع منع اليهود من الذهاب إلى فلسطين، ولكننا لن نستطيع دعم هذه الحركة”.
ولأن الكاثوليك العرب جزء لا يتجزأ من النسيج القومي العربي كان لهم منذ عشرينات القرن الماضي إسهامهم الفاعل في التصدي للمشروع الاستعماري الصهيوني، على صعيد المقاومة المسلحة وثقافة المقاومة، ورموز المساهمة في ذلك كثيرة من أبرزها المطران كبوتشي والمفكر القومي ناجي علوش. فضلاً عن أن قيادات الحراك الوطني الفلسطيني المتوالية كانت دائمة التواصل مع الفاتيكان طلباً لتأييده ودعمه حقوقها الوطنية لدى دول أمريكا اللاتينية.
ومن المؤسف القول إن حج البابا لفلسطين المحتلة تم في الميقات الخطأ، إذ جاء في أعقاب المحرقة الصهيونية في غزة، بحيث استقطب اهتماماً إعلامياً كاد يغطي على ما ألحقته بصورة “إسرائيل” لدى قطاع غير يسير من أحرار العالم. وإن قيل بأن الرحلة خطط لها قبل العدوان فإن ذلك لا ينفي العزم المسبق على توظيفها السياسي إذ وقتت بحيث تنتهي في 15 مايو/أيار، يوم الاحتفال الصهيوني بما يسمى عيد “الاستقلال”.
ثم إن زيارة فلسطين المحتلة تنطوي على إقرار ضمني بمشروعية الوجود الصهيوني. وهذا ما تحاشته الكنيسة القبطية، إذ لم يجز البابا شنودة الحج للقدس الشرقية منذ احتلالها العام 1967، مؤكداً أن الحج للقدس لا يكون إلا بعد التحرير، إقتداء بفعل البطريرك القبطي الذي عاد للقدس برفقة صلاح الدين حين حررها سنة 1187م. والذي يذكر في هذا السياق أن المطران الأرثوذكسي عطالله حنا عندما سئل، في مؤتمر مركز الخليج للدراسات، حول زيارة الأراضي العربية المحتلة أجاب بحزم: أنا ملتزم بموقف البابا شنودة.
فضلاً عن أن زيارة قداسته لحائط البراق، ووضعه ورقة أمنيات بين شقوقه عملاً بالتقليد اليهودي. أضفت مشروعية الفاتيكان على العدوان الصهيوني الصارخ على المقدسات الإسلامية. ويقيناً أن بين مستشاريه من يعلمون علم اليقين أن الحائط الذي زاره بترتيب صهيوني وقف إسلامي، وأن مجلس الملك البريطاني الخاص أصدر قانوناً عن قصر بكنجهام في أيار/مايو 1931 متضمناً القول: “للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه جزءاً لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف. التي هي من أملاك الوقف. وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف أمامه والكائن أمام الحارة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط لكونها موقوفة حسب أحكام الشرع الإسلامي”. فضلاً عن أنه لم تصدر عن قداسته كلمة نقد للإجراءات الصهيونية التي تستهدف المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس، وبالذات الحفريات عند المسجد الأقصى. ولا هو أبدى تأييده لصمود المقدسيين العرب، وبينهم آلاف الكاثوليك، المستهدفين بوجودهم، والذين يعانون الكثير من التضييق عليهم في كل مناحي حياتهم.
ثم إن البابا لدى زيارته مخيم عايدة للاجئين في بيت لحم، لم يأت مطلقاً على ذكر حقهم بالعودة. وبدلاً من الدعوة لإعادتهم لديارهم والتعويض عليهم بتنفيذ القرار الدولي 194، دعا الفلسطينيين من خلالهم إلى “مقاومة إغواء اللجوء إلى الإرهاب والعنف”. متجاهلاً أنه إنما يخاطب ضحايا أبشع أشكال الإرهاب، ألا وهو التطهير العرقي من أرض الوطن. فضلاً عن تناسيه أنه يقف على أرض محتلة من حق مواطنيها، بموجب القانون الدولي، مقاومة محتليها بكل الوسائل المتاحة بما في ذلك الكفاح المسلح. فهل قداسته ملتزم بما اعتادت ترويجه قوى التحالف الاستراتيجي الأمريكي الصهيوني؟
ولا ينكر أنه صدرت عن البابا أثناء تجواله في فلسطين المحتلة تصريحات لقيت ترحيب الحالمين بأوهام السلام. لكنه وإن رفض لقاء نتنياهو بالقدس المحتلة واستقبله في الناصرة، خلت عظته لمئات الألوف في ساحة كنيسة البشارة فيها من مطالبته بإعادة المهجرين منهم لقراهم واستعادتهم عقاراتهم المصادرة. كما أنه لم يحذر من عواقب تهجيرهم القسري الذي تنطوي عليه فكرة اعتماد “إسرائيل” دولة يهودية الملتزمة بها إدارة أوباما والاتحاد الأوروبي. فضلاً عن عدم تجاوز بقية تصريحاته الكلام المرسل غير المؤثر في واقع الصراع. فالقول بأن جدران الفصل لا تدوم لا يعبر عن رفض للجدار العنصري وإدانة لضرره البالغ بالمواطنين العرب، فضلاً عن تجاهل قرار محكمة العدل الدولية بعدم مشروعيته. أما إعلانه التعاطف مع معاناة مواطني قطاع غزة ومطالبته بفك حصاره، فلا يرقيان لمستوى زيارة القطاع، كما فعل العديد من أحرار العالم، الذين تحدوا حصاراً يشكل بنتائجه المأساوية جريمة إبادة جماعية. وقوله بحل الدولتين يقزم حقوق شعب فلسطين بالتحرير والعودة، ويحصرها بإقامة مسخ دولة غايتها كبح مقاومة الصامدين في الأرض المحتلة.
وفي ضوء ما سبق يتضح أن الجانب السياسي من حج البابا لفلسطين المحتلة إنما كان لمصلحة الصهاينة، وكأنه خضع لابتزازهم الكنيسة الكاثوليكية على صمتها المدعى به تجاه الهولوكوست النازية. التي كان الصهاينة ولا يزالون، هم المستفيدون الوحيدون منها. غير أن الإنصاف يقتضي القول إنه ما كان الفاتيكان ليرتد عن الموقف التاريخي للبابا بيوس العاشر لولا التهافت الرسمي العربي على الصلح والتطبيع وتقديم التنازلات التي شرعت الأبواب على مصاريعها للاعتراف الدولي بالكيان الصهيوني.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...

قيادي في حماس: مفاوضات متقدمة مباشرة بين الحركة والإدارة الأميركية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام كشف قيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن مفاوضات متقدمة مباشرة تجري بين الحركة والإدارة الأميركية حول وقف إطلاق...

مركز حقوقي: فظائع سديه تيمان تستوجب محاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب
بيروت- المركز الفلسطيني للإعلام أكد مركز فلسطين لدراسات الأسرى (مستقل) أن "ما كشفته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن الانتهاكات الصادمة التي تُرتكب في...

الصحة بغزة: 19 شهيدا و 81 إصابة وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة وصول مستشفيات قطاع غزة 19 شهيدا، و 81 إصابة خلال 24 ساعة الماضية....

المقاومة توقع قوة إسرائيلية بكمين في حي الشجاعية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، تنفيذ عملية مركبة في حي الشجاعية بمدينة غزة، أمس السبت، أسفرت...