الجمعة 02/مايو/2025

الشيخ عبد العزيز الثعالبي ودوره في الدّفاع عن القدس

الشيخ عبد العزيز الثعالبي ودوره في الدّفاع عن القدس

إنه مجاهدٌ كبيرٌ، وعلمٌ من أعلام الوطنية والإصلاح، وداعيةٌ من أبرز الدعاة إلى العروبة والإسلام في عصره الذي تميز بظهور عدد من العمالقة الذين وقفوا في وجه الطوفان القادم مع الاستعمار الغربي، احتلالاً للبلاد، وتشويهاً لقيم العروبة والإسلام، وتدميراً للنفوس بتدمير أخلاقها، وغزواً ثقافياً عمل على تخريب المجتمعات العربية والإسلامية، بإحلال قيم مكان قيم، ونهب الثروات، وإفقار الناس..

إنه من جيل الرواد الذين ظهروا في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين وهو جيل فريد في تكامل شخصيته.. فهو جيل السياسة، والجهاد، والاقتصاد، والإصلاح الديني والاجتماعي، جيل التضحية بكل شيء في سبيل المُثُل التي يدافع عنها، والأرض التي احتلها الأجنبي، والشعب العربي المسلم الذي يستذله ويضطهده.

كان الشيخ عبد العزيز الثعالبي مجاهداً فذاً يقاتل على أكثر من جبهة، وفي أكثر من ميدان.. يقاتل طغياناً غربياً شرساً متوحشاً لا يرحم، وتحمّل في جهاده هذا الكثير من الأذى، اعتقالاً، وتعذيباً، ومحاكمات، ونفياً، ومصادرة، وتشويهاً للسمعة، ولم يعبأ بما أصابه من ألوان الإيذاء، لأنه يجاهد في سبيل الله، ومن أجل هذه الأمة، من أجل دينها، وقيمها، وأرضها، وثرواتها، وكرامتها.

المولد والنشأة:

ولد الشيخ عبد العزيز الثعالبي في مدينة تونس عام 1874م في أسرة علم وفضل ودين وجهاد، ومن أصل جزائري، وترعرع في رعاية جدّه المجاهد عبد الرحمن الثعالبي الذي كان من مجاهدي الجزائر ووجهائها المعروفين، فتخلّق بأخلاقه، وتشبّع بمبادئه وقيمه.

كان جدّه عبد الرحمن هذا، مجاهداً قاتل الفرنسيين الذين غزوا بلاده (الجزائر) عام 1830 وأصيب برصاصات في صدره، وكان له دور متميز، رفض إغراءات كبيرة حاول الاستعمار إغراءه بها، كمنصب قاضي القضاة، ثم غادر مدينته (بجاية) إلى تونس، مخلّفاً وراءه بيته وعقاره وأمتعته، وأهله، ووطنه.

حفظ عبد العزيز القرآن الكريم منذ نعومة أظفاره، ودرس النحو والعقائد والآداب قبل أن يلتحق بجامع الزيتونة الذي أمضى فيه سبع سنين، وتخرج فيه عام 1896 حاملاً شهادة التطويع، ثم تابع دراسته العليا في المدرسة الخلدونية، ثم انخرط في الحياة العامة، مجاهداً في سبيل الله، كما كان جدّه، ومن أجل النهوض بشعبه التونسي، وأمته العربية والإسلامية.

دور الثعالبي في الحركة الوطنية في تونس

غزت فرنسا البلاد التونسية بجيش قوامه ثلاثون ألف مقاتل، واضطر (الباي) إلى توقيع معاهدة (باردو) وإعلان الحماية على البلاد في 12/5/1881 ولم يعترف الشعب التونسي بهذه المعاهدة، وهبّ يدافع عن أرضه وكرامته، ولكن الوحشية الفرنسية نكلت به، حتى اضطرته إلى الهدوء لأنه لم يعد من الممكن له الاستمرار في المقاومة المسلحة، ولكن إلقاء السلاح لا يعني السكوت على الاحتلال والاستعمار، فقد اضطلع عدد من العلماء والمفكرين والسياسيين بالعمل السياسي لتحرير الوطن، وكان في طليعة هؤلاء الشيخ عبد العزيز الثعالبي رحمه الله.

وقد اعتبره الفرنسيون عدوهم الأول، وحق لهم ذلك، فمنذ أن غزا الفرنسيون بلاده التونسية وهو في السابعة من عمره، لم تفارق ذاكرته ما وعته من ذلك الاجتياح الهمجي لجيش همجي جاء ليحتل ويقتل وينهب ويغتصب ويسكر ويعتدي على الحرمات، كما لم ينس الدموع التي غسلت لحية جده المجاهد، وهو يرى الفرنسيين يحتلون تونس، بعد أن احتلوا بلده الجزائر.

وذات مساء، وبينما كان الثعالبي يؤكد لبعض أصدقائه: “إننا في تونس لسنا شعبا منعزلا، بل نحن جزء من أمة كبيرة، أمة عظيمة”، داهم جنود الاحتلال البشعون الرجل وأصدقاءه، في مكتب الجريدة، وصادروا كل ما فيها، وأغلقوها، واعتقلوا الثعالبي وأبلغوه قرار الحاكم العام بنفيه إلى خارج وطنه، إلى مصر.

ضحك الثعالبي وهو يقول: “لو أن هذا الحاكم الأجنبي الأبله قرأ التاريخ، وعرف من نحن، لما قرر إبعادي إلى مصر، فهو يظن أنه يقهرني إذ يبعدني عن وطني، لكن مصر مثل تونس، وطني”.

كان ذلك في عام  1901 ، أي عندما بلغ الثعالبي سن السابعة والعشرين، كان شابًا شجاعًا عنيدًا، لا يمكن أن يصبر على “الإبعاد”، فها هو يعود متخفيا، بعد أقل من سنة، إلى تونس، ويقول لأصدقائه في المخبأ: أتدرون ما اكتشفت في مصر؟ اكتشفت أنّنا لسنا وحدنا الذين نعاني مما نحن فيه، فعندنا في تونس ظلم مماثل، متجسد بالاستعمار الفرنسي، وعندنا في مصر ظلم مماثل متجسد بالاستعمار البريطاني، وفي القاهرة وفي أروقة الجامع الأزهر، لقيت إخوانًا عربًا، من سائر أقطار وطننا الكبير، ومن أحاديثهم صرت واثقا كل الثقة، من صحة نظريتي التي كنت أحدثكم عنها قبل سفري. يا إخواني: “نحن العرب أمة واحدة، العرب كل العرب أعني، لا أبناء المغرب العربي فحسب”.

وبعد انتهاء الحرب، استأنف الثعالبي نضاله، وسافر إلى باريس لشرح قضية بلاده، فقبضوا عليه سنة 1920 وكانوا ينقلونه بين السجون التونسية والفرنسية، ثم نفوه من البلاد في آب 1923.

آمن الثعالبي بالعمل الجماعي، فانخرط في حركة تونس الفتاة التي تدعو إلى الاستقلال التام قبل كل شيء، ثم رأس حزب الدستور الذي اتخذ خطة أقل وضوحاً من خطة حركة تونس الفتاة، ولعل قادة حزب الدستور كانوا يرون في هذا الغموض سياسة تسمح لهم بقطع مرحلة يتمكنون فيها من إعادة تـنظيم أنفسهم.

كانت حياته السياسية حافلة بالأحداث الجسام، فقد أمضى زهرة عمره بين السجون والمنافي والمحاكم والرحلات. فهذا الصحفي الشاب الفقير، ذو النظارة الطبية، كان يشكّل حالة قلقٍ مستمرٍ للاستعمار الفرنسي، إذ كان يعرف كيف ينبه الشعب إلى ألاعيب المستعمر، ويفضح مؤامراته، ويدعــو إلى مقاومة هذا المحتل الأجنبي، وطرده من البلاد، ويوقظ الناس إلى حقهم في الحياة الحرة، فنحن شعب حي، وأحفاد أجداد عظام.

قضايا الأمة:

لم يكن الشيخ عبد العزيز الثعالبي ليحصر همه فيما يعانيه وطنه المستعمر فحسب بل كان يحمل هموم الأمة على عاتقه، ويسعى إلى تقديم ما يستطيع من عون ومساعدة لها، وهذا ما نلمسه في حياته ورحلاته ومذكراته وكتاباته ومحاضراته.

فقد وقف إلى جانب ليبيا في حربها مع الاستعمار الإيطالي عام 1911، ودعا إلى تقديم العون العسكري والمادي والمعنوي لها. وكان له حضوره في قضية الأقصى بشكل كبير إذ حضر مؤتمر القدس، وصار المستشار الأول للمفتي الحاج أمين الحسيني، وألقى محاضرات سياسية، ودروساً دينية فيها، ودعا الفلسطينيين عامة، والشباب منهم خاصة، إلى الإعداد والاستعداد والجهاد من أجل التحرر من ربقة الاستعمار الإنكليزي، والتصدي للخطر اليهودي القادم من أجل استعادة مجد الأمة وعزتها، وكان في خطابه ومسيرته صاحب عقل وثقافة واسعة، استطاع من خلالها مخاطبة العامي والمتعلم، حتى وصفته الصحف الفلسطينية بأنه ابن خلدون الجديد. وليس هذا الوصف بكبير على رجل مفكر عملاق يقف في صف واحد مع الأفغاني، ومحمد عبده، والكواكبي وسواهم من العمالقة الكبار.

قالوا في الثعالبي:

كان الثعالبي حاضرًا في قلوب العظماء كما الجماهير، فهذا الرصافي يتحدث عنه فيقول: “إنه أعظم خطيب عرفته أمتنا العربية”، وهذا الشيخ عز الدين القسام يخبر عنه قائلاً: “إنه بطل عربي عظيم، شارك معنا في الثورة المسلحة”.

ويطري عليه أهل دمشق فيقولون: “الثعالبي ربط حركة التحرر الوطني في أقطار المغرب العربي بحركة التحرر الوطني في أقطار المشرق العربي”. ويتحدث عنه أهل بيروت فيقولون: “إنه طاقة فكرية رائعة، وأن ذهنه الوقاد منارة وطنية، سواء في مقالاته أو خطاباته أو أحاديثه الشيقة المفيدة”.

ويروي عنه أهل القدس، فيقولون: “الثعالبي دلنا على طريق قويم، كفيل بالتصدي للمخططات الصهيونية وإفشالها، وكم نصحنا بأن ننشئ في القدس جامعة إسلامية على غرار الجامع الأزهر بمصر”. وأهل القاهرة  يقولون: “الثعالبي أول من نادى بتوحيد الأمة العربية من المحيط إلى الخليج”. أما أهل تونس  فيقولون: “غاب عنا الثعالبي في رحلته الأخيرة ثلاث عشرة سنة، حتى عاد إلينا على الرغم من أنف المستعمرين، في عام 1936، عاد إلينا ليدعو إلى توحيد أقطار المغرب كخطوة لتوحيد المغرب كله مع بقية الأقطار العربية، فكان جواب المستعمرين أن أرسلوا إليه من أطلق عليه النار غدرا”.

ولعل من أهم الشهدات بحقه شهادة رئيس المؤتمر الاسلامي بالقدس مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني:

“…ولا نغالي إذ قلنا أنّ حضرته أصبح بفضل علمه الغزير، وجهاده المنقطع النظير، رجل المسلمين والعرب لا رجل تونس الخضراء وحدها، وإنّ لسيادته الفضل الأكبر في القيام بمهمّة هذا المؤتمر الإسلامي العامّ، الّذي نرجو منه الخير لهذه البقاع المشرّفة في هذه البلاد المقدّسة للمسلمين عامّة”. رسالة إلى أعضاء الحزب الحرّ الدستوري 18أكتوبر 1931

ويضيف في رسالة أخرى:”وأنتم أدرى الناس بأنّ من غايات المؤتمر الّذي لكم الفضل الأكبر في إنجاحه، أن يشكّل مركز إسلامي يعضد العالم الإسلامي” . رسالة إلى الثعالبي 20 يناير 1932.

المؤتمر الإسلامي بالقدس ودور الثعالبي في انعقاده للدفاع عن القدس الشريف.

انعقد المؤتمر الاسلامي ببيت المقدس ليلة الإسراء والمعراج المباركة في 27 رجب 1350هـ الموافق ل 7 ديسمبر 1931 ودُعي إليه أعيان وكبار العالم الاسلامي في جميع الأقطار، ليُنظر في شؤون المسلمين عامّة، وللدفاع عن إسلاميّة بيت المقدس وعروبته  مع تزايد التهديدات الصهيونية لفلسطين والقدس، وقد لقي المؤتمر معارضة بريطانية شرسة، وحملة صهيونية كبيرة لمنع انعقاده .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

مظاهرات مليونية في اليمن تضامنًا مع غزة

مظاهرات مليونية في اليمن تضامنًا مع غزة

صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام تظاهر مئات الآلاف من اليمنيين، الجمعة، في 14 محافظة بينها العاصمة صنعاء، دعما لقطاع غزة في ظل استمرار الإبادة...