المهانة: كم نتنازل.. لتتنازل إسرائيل وتفاوضنا؟!

صحيفة الوطن القطرية
لن يكون الاثنين 18/5/2009 يوماً فاصلاً في تاريخ بنيامين نتانياهو. ربما سيكون كذلك في تاريخ باراك أوباما. فرئيس حكومة “إسرائيل” لن يرتكب خطأ رفض ما يسمى «حل الدولتين» خلال اجتماعه بالرئيس الأميركي. أما أوباما الذي يعوّل على هذا الحل ليكون أساس رسالته إلى العالم العربي من مصر في 4/6/2009، فلن يغفر لنتانياهو إذا ما اقترف هذا الخطأ.
غير أن نتانياهو يعرف كيف يجعل من إعلانه القبول بحل الدولتين مجرد إعلان أو عنوان بلا مضمون وبالتالي بلا التزام حقيقي بوضعه موضع التنفيذ.
أوباما يعرف نية نتانياهو وما يرمي إليه من وراء قبوله اللفظي بحل الدولتين. حلفاؤه من العرب «المعتدلين» يعرفون أيضاً مقاصد الرجلين، وهم لا يطلبون أكثر مما يعتزم كل منهما إعلانه من عناوين، من واشنطن أولاً ومن القاهرة لاحقاً.
ما يجري اليوم ولغاية مطالع الشهر المقبل هو الإعداد المتقن لمشهدية العصر: إعلان رسالة أوباما من مصر إلى العام العربي، بما هو قلب العالم الإسلامي، وفيها «بشرى» مبادرة متكاملة للسلام الشامل بين “إسرائيل” والعرب، بل بينها وبين المسلمين كافة، أساسها دولتين لشعبين، وسبيلها تطبيع العلاقات والاعتراف والاحترام المتبادلين بين الطرفين.
أوباما سيكتفي بإعلان العناوين لأنها وحدها موضع توافق الأطراف المعنيين. التفاصيل التي فيها تكمن، غالباً، الشياطين ليست موضع اتفاق، ولعلها لن تكون. ما يبتغيه أوباما وغيره من المشاركين في المشهدية المهيبة هو الإيحاء للعـرب والمسلمين، ولاسيما للفلسطينيين وللمقاومين من كل جنسية ودين، بأن قطار السلام قد تحرك بعد طول انتظار، وأن محطته الأولى ستكون مفاوضات غير مشروطة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، على أن ترافقها أو تعقبها مفاوضات بين الإسرائيليين والسوريين، شريطة أن يقطع أهل دمشق، مسبقاً، اتصالات وصلات وتفاهمات تجمعهم مع أهل طهران.
للوصول إلى مسرح المشهدية في القاهرة بذل أوباما وحلفاؤه ومعاونوه من عرب ومسلمين ويهود وصهاينة وأميركيين وأوروبيين جهوداً مضنية لإقناع نتانياهو وحلفائه من أهل اليمين العنصري في “إسرائيل” بجدوى التنازل لمفاوضة العرب، «المعتدلين» منهم بخاصة، المتلهفين لإحلال سلام شامل، يعتقدون أنه في مصلحة جميع الأطراف المعنيين باستثناء من له عقائد وأهداف ومصالح وطموحات تتعارض مع مصالح المجتمع الدولي والعالم «المتحضر».
في معمعة المساومات والتجاذبات والمحادثات لتخريج المشهدية المهيبة ومبادرة السلام الكبرى، كان لأوباما ومعاونيه من يهود أميركيين وعرب متأمركين فلسفة لافتة في محاولة إقناع المعارضين والمترددين لدى الأطراف المتنازعين. القاسم المشترك الأعظم في هذه الفلسفة هو أن إيران، بما هي قوة إقليمية مركزية ذات قدرات نووية، تهدد أمن الجميع ومصالحهم الحيوية.
أميركـا و”إسرائيل” تعرفان أن إيران لا تمتلك في الوقت الحاضر أسلحةً نووية، وأنه في حال وجود برنامج لديها لتصنيع بعضٍ منها فإن بلوغ الهدف لن يتمّ قبل بضع سنوات. غير أن كلاً منهما يتقصّد المبالغة من أجل الإيحاء لجميع الخائفين والمتخوفين بأن إيران باتت تشكّل فعلاً الخطر الأول على أمنهم ومصالحهم.
التخويف بإيران قوية عموماً ونووية خصوصاً هو تكتيك أميركا المرحلي لإقناع حكومة “إسرائيل”، أولاً، وحكومات العرب «المعتدلين»، ثانياً، وقادة العالم أخيراً بأن الانخراط في مفاوضات غير مشروطة بين الأطراف المعنيين على أساس عناوين عامة، تطمئن الجميع سياسياً ولا تُلزم أحداً قانونياً، هو سبيل الخروج من الأوضاع الأمنية والسياسية المضطربة في الشرق الأوسط الكبير بغية التركيز على مواجهة الخطر الداهم الأكبر وهو «الإرهاب»، الذي «ترعاه» إيران.
بعبارة أخرى، إن الولايات المتحدة في عهود مختلف رؤسائها، من بوش الأب إلى كلينتون إلى بوش الابن وصولاً إلـى أوباما، جسّدت «الإرهاب» في حركات التحرير والمقاومة والعنف الأعمى في المنطقة. ثم هي اتهمت إيران بأنها راعية هذه الحركات، واعتبرتها تالياً دافعاً وذريعةً لتخويف دول المنطقة بها. وعليه، يكون الهدف من وراء إطلاق مبادرة أوباما الكبرى تطويق إيران وتحجيمها وتعطيل فعاليتها، مروراً بتطمين “إسرائيل” إلى حماية «أمنها القومي» وتغطية بعض جوانب مشروعها الاستيطاني التوسعي.
في ضوء ذلك، يقول أوبامـا لقادة “إسرائيل”: إذا كنتم تعتبرون إيران هي الخطر الأول، فإن مواجهته تستلزم إقناع القادة العرب والمسلمين بأنها كذلك. وإقناع هؤلاء لا يمكن أن يتمّ من دون حفظ ماء وجوههم بإعطاء الفلسطينيين الذين طال عذابهم وانتظارهم بعض الحقوق التي يكون من شأنها تسكين أوجاعهم من دون المساس بأمن “إسرائيل” ومصالحها الحيوية. ذلك يتحقق بقبول حكومة “إسرائيل” مفاوضة الفلسطينيين، ومن ثم سوريا، إذا اقتضى الأمر، من دون شروط مسبقة تحت عنوان «حل الدولتين»، على أن يسبق المفاوضات ويرافقها إغراءات مجدية كوقف نهائي لإطلاق النار على قطاع غزة، وفتح المعابر المؤدية إليه، والإسراع في توصيل الأغذية والأدوية إلى سكانه الجائعين والمرضى، والتغاضي عن إشراك «حماس» في حكومة وفاق وطني، وإطلاق نحو 450 أسيراً فلسطينياً مقابل فك أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت، والإعلان عن وقف الاستيطان دونما إجراءات رقابية للتأكد من التزامه فعلاً.
ثمة مغريات أخرى يمكن أن يلوّح بها أوباما لنتانياهو، وربما لبعض العرب «المعتدلين»، كأن يقول إن العَلَم الإسرائيلي سيُرفع في عواصم عربية عدة من خلال افتتاح مكاتب تجارية رسمية فيها، وأنه سيُسمح لشركة العال الإسرائيلية بالهبوط في بعض الموانئ الجوية العربية… كل ذلك مقابل السماح برفع العَلَم الفلسطيني على الأحياء العربية في القدس الشرقية والقول إن ذلك مقدمة لاعتراف “إسرائيل” لاحقاً في المفاوضات بالقدس عاصمةً للدولة الفلسطينية المرتقبة.
غير أن أهم الإغراءات وأكثرها بريقاً وعدٌ قيل إن عاهل الأردن عبد الله الثاني أوحى به لأوباما وتبناه هذا الأخير ودعا ملوك العرب ورؤساءهم «المعتدلين» إلى تبنيه والسعي إلى تحقيقه، وهو أن يرافق اعتراف الدول العربية ب”إسرائيل”، عقب موافقتها على حل «الدولتين» ووقف الاستيطان، إعلان مدوٍّ من منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم 57 دولة إسلامية بمشاطرة الدول العربية اعترافها بالكيان الصهيوني!
أكثر من ذلك، كشف مصدر رسمي عربي طلب عدم ذكر اسمه، معلومات على جانب كبير من الخطورة مفادها أن المذكرة التي صدرت عن المحكمة الجنائية الدولية بجلب الرئيس السوداني عمر حسن البشير تتعلق خلفياتها بممارسة ضغط دولي على البشير لقبول توطين فلسطينيي الشتات في السودان الذي بإمكانه استقبال نحو ثلاثة ملايين لاجئ فلسطيني موزعين حالياً في العراق والأردن وسوريا ولبنان ما عدا الموجودين في سائر دول العالم. وتقول المعلومات إن مطلب توطين الفلسطينيين في السودان يدخل من ضمن صفقة حل القضية الفلسطينية وأزمة المنطقة باعتبار أن مسألة فلسطينيي الشتات التي نص قرار الأمم المتحدة الرقم 194 تاريخ 11/12/1948 على إعادتهم إلى وطنهم في إطار حل الدولتين، ما زالت تشكّل حجر عثرة أمام تسوية قضية الصراع العربي – الإسرائيلي. ف”إسرائيل” ما زالت تصرّ على رفض إعادة فلسطينيي الشتات إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة كنتيجة لقبولها بحل الدولتين والانسحاب من الجولان ومزارع شبعا وإبرام تسوية شاملة مع الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين وغيرهم مع العرب وفق صيغة الأرض مقابل السلام.
إلى ذلك كشفت المعلومات أن فكرة توطين فلسطينيي الشتات في السودان جاءت من قبل إدارة الرئيس السابق جورج بوش وقد تبنتها إدارة أوباما وسعت لدى الدول العربية الفاعلة لإقناع الرئيس البشير بها.
كما جاء في المعلومات أن الضغط الدولي على البشير ازداد بعد إصدار مذكرة الجلب بحقه من المحكمة الجنائية الدولية. لكن المذكرة بقيت في إطار الضغط ولم تنتقل إلى حيّز التنفيذ، علّ ذلك يفسح المجال أمام البشير ليعيد النظر بحساباته ويقبل بقرار توطين فلسطينيي الشتات في السودان.
الجدير بالذكر أن إدارة أوباما لم تعلن صراحةً تأييدها لمذكرة جلب البشير واكتفت بإصدار بيان من البيت الأبيض أشار إلى أن الرئيس أوباما أخذ علماً بهذه المذكرة.
كل هذه المغريات والتنازلات يمكن أن يقدمها أوباما لنتانياهو (ولبعض العرب «المعتدلين») من أجل إقناعه بالتنازل والقبول بمفاوضة الفلسطينيين دون شروط مسبقة. أجل، دون شروط مسبقة. بمعنى أنه لن يكون في وسع الفلسطينيين طرح قضايا «الوضع النهائي» في المفاوضات وأهمها عودة اللاجئين، ووضع القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية، وحدود هذه الدولة، وحقوقها في مصادر المياه. كل ما يمكن بحثه في المفاوضات هو الآليات الإدارية التي تؤدي إلى بناء الدولة الفلسطينية في قابل الأيام، والمساعدات المالية والفنية التي يمكن أن تقدمها “إسرائيل” ودول أوروبا وأميركا للإدارة وقوى الأمن الفلسطينية من أجل حسن القيام بواجباتها.
هل تكفي كل هذه المغريات والتنازلات لإقناع نتانياهو بضرورة التنازل والقبول بمفاوضة الفلسطينيين من دون التزامات مسبقة، أم أن مأزق أميركا التاريخي في العراق وأفغانستان وباكستان وانعكاساته السلبية على مستقبل علاقتها المتوترة مع إيران يفرض عليها ممارسة المزيد من الضغوط على العرب «المعتدلين»، ناهيك بالفلسطينيين، لتقديم مزيد من التنازلات بغية استرضاء “إسرائيل”؟ هل من نهاية لمهانة التنازلات اللامتناهية؟
لعل من المفيد أن نتعرف إلى موقف «عقلاء» اليهود والصهاينة قبل الإجابة عن هذا السؤال.
بعض هؤلاء كتّاب واقعيون يفصحون عن آرائهم في جريدة «هآرتس» المستقلة. يقولون إن موازين القوى بين “إسرائيل” والعرب مائلة بقوة لمصلحة الكيان الصهيوني، ونتانياهو يدرك ذلك جيداً وكذلك قادة الجيش الإسرائيلي، فلماذا يصالحون العرب ويمنحون الفلسطينيين دولةً يتنازع قادتهم على شكلها ومضمونها ومواردها قبل أن ترى النور؟
عميرة هاس، إحدى ابرز كتّاب «هآرتس» الناقديـن للمؤسـسة الحاكمة، تقول صراحةً إن قادة “إسرائيل” لا يجدون مصلحة لهم في السلام. بالعكس، إنهم يشعرون بخطر السلام على الكيان الصهيوني ويكافحون لمواجهته. ربما لهذا السبب اعتقلتها الشرطة الإسرائيلية عند مغادرتها قطاع غزة حيث كانت تقيم وتعدّ تقاريرها الصحفية منذ بضعة أشهر!
تسفي برئيل، معلق الشؤون العربية في «هآرتس»، يؤكد بواقعية أن السلام الشامل بين “إسرائيل” والعرب «بات تطلعاً بعيد المنال». يتساءل «هل يتخيل أحد أن يعقد العراق، الذي يخضع لاملاءات إيران، سلاماً مع “إسرائيل” لمجرد توقيعها اتفاق سلام مع الفلسطينيين؟ أو أن يوافق لبنان، الذي يملي حزب الله سياسته العامة عليه، على سلام مع “إسرائيل” في حالة توصلها إلى
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

رامي عبده: خطة المساعدات الأميركية الإسرائيلية أداة قهر تمهد لاقتلاع السكان من أرضهم
المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، إن الخطة الأميركية‑الإسرائيلية التي تقضي بإسناد توزيع مساعدات محدودة...

قتلى وجرحى في تفجير مبنى بقوة من لواء غولاني برفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قتل عدد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وأصيب آخرين في رفح، اليوم الخميس، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، فيما قالت كتائب...

شهيد وجرحى في سلسلة غارات إسرائيلية على جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن لبناني وجرح آخرون، في سلسلة غارات شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على جنوبي لبنان، اليوم الخميس، على ما...

حصيلة الإبادة ترتفع إلى أكثر من 172 شهيدا وجريحا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم الخميس، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 106 شهداء، و367 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

الادعاء الروماني يحيل شكوى ضد جندي إسرائيلي إلى النيابة العسكرية
بوخارست - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مؤسسة “هند رجب” أن المدعي العام في رومانيا أحال الشكوى التي تقدمت بها المؤسسة ضد جندي إسرائيلي إلى مكتب...

الاحتلال يحول الصحافي الفلسطيني علي السمودي إلى الاعتقال الإداري
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام حوّلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الخميس، الصحافي الفلسطيني علي السمودي من جنين، شمالي الضفة الغربية،...

“موت ودمار لا يمكن تصوره”.. منظمة دولية تطلق نداءً لوقف النار في غزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت "منظمة أوكسفام الدولية"، نداءً مفتوحًا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، محذّرة من استمرار الكارثة...