الخميس 08/مايو/2025

إسرائيل بيئة استراتيجية جديدة ليست في صالح مشروعها الاستعماري

إسرائيل بيئة استراتيجية جديدة ليست في صالح مشروعها الاستعماري

صحيفة الوطن القطرية

في 15 مايو تمر الذكرى الحادية والستون لاغتصاب أرض فلسطين وإقامة دولة “إسرائيل” عليها، وتشريد شعبها وإحلال المستوطنين الصهاينة مكانهم، بدعم مباشر من قبل الغرب الاستعماري الذي أراد زرع هذا الكيان الغريب في قلب المنطقة العربية لإبقائها مقسمة، ومتخلفة ليسهل عليه استمرار التحكم بالعرب والسيطرة عليهم لنهب ثرواتهم النفطية والغاز بالدرجة الأولى.

وعلى الرغم من هذه الفترة الزمنية التي تجاوز الستة عقود، فإن الصراع لم يتوقف، بل إنه ازداد حدة وتأججاً وبلغ ذروته في السنوات الأربع الأخيرة إثر الغزو الأميركي الغربي للعراق.

ويعود ذلك إلى ثلاثة أسباب:

السبب الأول: تمسك الشعب الفلسطيني والجماهير العربية وقواها المقاومة، والممانعة بالحق الوطني والقومي في فلسطين ورفض اتفاقات الذل، والإذعان التي وقعت، وأدت إلى التفريط بهذا الحق، ومواصلة المقاومة ضد الاحتلال والانتفاضات الشعبية تعبيراً عن هذا الرفض خاصة بعد انفضاح، وانكشاف عقم المراهنة على مثل هذه الاتفاقيات في دفع القادة الصهاينة إلى الإقرار ولو بجزء من الحق للشعب الفلسطيني في أرضه، والموافقة على إقامة دولة فلسطينية على هذه الأرض.

السبب الثاني: ازدياد وحشية وشراسة الاحتلال الصهيوني في تهويد الأرض الفلسطينية وطرد سكانها وإقامة المزيد من المستوطنات عليها من جهة، وممارسة شتى صنوف القتل والإرهاب والتنكيل بحق المواطنين الفلسطينيين بهدف إسكات مقاومتهم وانتفاضتهم وجعلهم يلوذون بالخنوع ويقبلون ويسلمون بالأمر الواقع الذي نتج عن اتفاقات أوسلو وما تبعها من تفاهمات تصب كلها في مصلحة الكيان الصهيوني من جهة ثانية.

السبب الثالث: شعور قادة العدو بالمزيد من القلق والخوف على الوجود ومستقبل دولتهم إثر انتصارات المقاومة في لبنان عام ألفين وفي قطاع غزة عام 2005 ما أقلق المسؤولين الصهاينة، وكبار مفكريهم الذين اجتمعوا في مؤتمر هرتسيليا وعبروا عن هذا الخوف على مستقبل وجود “إسرائيل”، وكان أكثرهم صراحة ووضوحاً في ذلك إبراهام بورغ رئيس الكنيست الصهيوني بين عامي 1999 ـ 2003 الذي أشار إلى أن “إسرائيل” «ذاتها على مهب الريح نظراً لتضافر ثلاثة مآزق إستراتيجية أمامها: فشل قوة الردع العسكرية عن تحقيق أهداف خاضتها مؤخراً في قطاع غزة ولبنان، وضعف المظلة العسكرية الأميركية التي تحمي وجود وبقاء الكيان ذاته، وغياب استراتيجية سياسية يمكنها أن تدير دفة الكيان إلى المستقبل بعد انهيار استراتجيات أحزاب العمل والليكود وكاديما».

ـ من هنا فإن بورغ يدعو إلى التضحية « بالصهيونية كي يستمر اليهود في العيش لأننا في واقع الحال أقمنا شبه دولة لا تستطيع الاستمرار، وأنها إذا انهارت فلن يبقى لليهود وجود في العالم».

وكان أحد الأسباب التي دفعت “إسرائيل” إلى تشجيع إدارة المحافظين الجدد برئاسة جورج بوش على غزو العراق هو هذا القلق المتزايد على الوجود خصوصاً من قوة المقاومة، وعدم القدرة على احتوائها، وتنامي الدعم الشعبي الفلسطيني، والعربي لحركات المقاومة، واشتداد عزلة وضعف السلطة الفلسطينية.

فإسرائيل كما أميركا، أرادت من غزو العراق توجيه ضربة قاصمة لحركات المقاومة ودول الممانعة الداعمة لها، عبر محاصرتها بمناخات اليأس والإحباط والهزيمة على المستوى الشعبي، وعبر الوجود العسكري الأميركي في العراق، وإطلاق يد “إسرائيل” في استخدام القوة بلا حدود للقضاء على المقاومة في فلسطين ولبنان تحت عنوان محاربة الإرهاب.

غير أن الاندلاع السريع للمقاومة العراقية ضد الاحتلال والضربات القاسية والموجعة، التي وجهتها للقوات الأميركية، والتي ألحقت بها خسائر جسيمة مادياً، وبشرياً ( حوالي الـ 5000 قتيل وأكثر من 20 ألف جريح ومئات المليارات من الدولارات) أدى إلى إصابة المشروع الأميركي الإسرائيلي بالفشل الأمر الذي دفعه إلى محاولة الخروج منه بشن الحرب على المقاومة في لبنان في عام 2006 بهدف القضاء عليها، وإعادة تعويم المشروع الأميركي عبر إسقاط لبنان في فلك الهيمنة الأميركية، وتحويله إلى منصة لجعل سوريا بين فكي كماشة، واستطراداً فرض المشروع الشرق أوسطي الجديد وتسّيد “إسرائيل” عليه.

إلا أن المفاجأة التي صعقت “إسرائيل” وواشنطن، ودول الغرب والأنظمة العربية الموالية لها كانت تمكن المقاومة من إلحاق الهزيمة بالجيش الإسرائيلي العربي الصهيوني، على نحو غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، رغم الخلل الكبير في موازين القوى، وقد أدت الهزيمة إلى تحطيم أسطورة القوة الصهيونية، وإعطاب قوة الردع للجيش الإسرائيلي، وسقوط دور “إسرائيل” الوظيفي، وتفجير أكبر زلزال داخل الكيان الصهيوني.

ورغم تقرير فينوغراد، وتوصياته لاستخلاص الدروس من الإخفاق في لبنان، وقيام الجيش الإسرائيلي بإجراء تدريبات مكثفة لأجل استعادة قوته الردعية، فقد جاء فشل العدوان الأخير على قطاع غزة أواخر عام 2008 وبداية عام 2009 وخروج المقاومة أيضاً منتصرة على الجيش الإسرائيلي لتسقط المحاولة الأخيرة من قبل “إسرائيل” وإدارة المحافظين الجدد لتوجيه ضربة قاضية للمقاومة تخلق تداعيات سلبية على قوى المقاومة، والممانعة في المنطقة وتعيد إنعاش المشروع الأميركي، والأنظمة الموالية له وترد الاعتبار لقوة الردع الصهيونية، وكان من نتيجة ذلك أن مني المحافظون الجدد في واشنطن بهزيمة قاسية في الانتخابات الأميركية بفوز باراك أوباما والحزب الديمقراطي، فيما تكرس مناخ جديد في المنطقة العربية سمته انتصار خط المقاومة وتكريس هزيمة القوة الإسرائيلية.

وقد تولد عن ذلك فشل جميع المحاولات الإسرائيلية للقضاء على المقاومة والتخلص من الخوف والقلق على الوجود، الذي ينتاب الصهاينة، والذي تضاعف وأزداد الآن بصورة لم يسبق لها مثيل مع الذكرى 61 لقيام “إسرائيل” نتيجة تشكل بيئة إستراتيجية جديدة في المنطقة ليست في صالح “إسرائيل” ومشروعها الاستعماري الاستيطاني.

والسؤالان اللذان يطرحان في هذا الإطار هما:

ـ ما هي العناصر التي تشكل هذه البيئة الاستراتيجية الجديدة؟

ـ وبالتالي ما هي تداعياتها وانعكاساتها المحتملة على المشروع الصهيوني؟

أولاً: عناصر البيئة الاستراتيجية الجديدة

إن الحرب الأميركية الاستعمارية على المنطقة انطلاقاً من العراق لم تؤد إلى إعادة تشكيل خارطة المنطقة وفق متطلبات المصالح الأميركية الإسرائيلية، بل أدت إلى تشكيل بيئة استراتيجية جديدة ليست في مصلحة الولايات المتحدة وربيبتها “إسرائيل”، وهي بيئة لم يسبق أن تشكلت منذ قيام دولة “إسرائيل” على أرض فلسطين بموجب اتفاقية سايكس بيكو الاستعمارية للسيطرة على المنطقة.

فما هي العناصر التي تكون البيئة الجديدة؟

العنصر الأول: المقاومة: لأول مرة في تاريخ الصراع باتت “إسرائيل” تواجه مقاومة من طراز جديد تملك المقومات والمواصفات التي توافرت لحركات التحرر الوطني التي انتصرت على الاحتلال في فيتنام، والهند، الصين، والجزائر، ويوغسلافيا، وغيرها.

فالمقاومة اللبنانية، أو المقاومة الفلسطينية باتت تملك القيادة المجرية في مواجهة الاحتلال وكذلك البنية المقاتلة والجهوزية والاستعداد، والبعد الشعبي وهذه المقاومة تمكنت من هزيمة الجيش الإسرائيلي، وإجباره على الانسحاب من جنوب لبنان ومن قطاع غزة دون قيد ولا شرط، ومنعه من تحقيق أهدافه في حربي تموز 2006، وغزة 2008 ـ 2009 ما يعني أن “إسرائيل” أصبحت أمام واقع جديد يجعلها في قلق دائم من هذه المقاومة الموجودة على أرض فلسطين، وعلى حدودها الشمالية، والتي تواصل الاستعداد، وتزداد قوة وتتمتع بالمزيد من التأييد الشعبي خصوصاً وأن القوة العسكرية الإسرائيلية عجزت وفشلت في القضاء عليها أو إضعافها .

العنصر الثاني: الحلف السوري الإيراني الداعم للمقاومة

إلى جانب المقاومة هناك قوتان هامتان مستقلتان:

ـ قوة عربية تتمثل بسوريا تمكنت من الصمود وخلق نوع من توازن الردع مع “إسرائيل”، وتشكيل المرتكز الحاضن، والداعم للمقاومة ضد الاحتلال.

ـ وقوة إسلامية تتجسد في الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تأسست بعد ثورة إسلامية على نظام الشاه حليف أميركا و”إسرائيل” فتحولت إيران إلى قوة مساندة للعرب في مواجهة “إسرائيل” والولايات المتحدة وكذلك قوة داعمة للمقاومة، وأهمية هذه القوة الإيرانية تكمن في كونها امتلكت التكنولوجيا، والقدرة على تصنيع أحدث الأسلحة، وتطوير قدراتها العلمية بشكل مستقل بعيد عن التبعية للخارج ما جعلها سنداً استراتيجياً هاماً للمقاومة.

وشكل الحلف السوري الإيراني على مدى السنوات الماضية الدعامة الأساسية للمقاومة مما حال دون تمكن “إسرائيل” من الاستفراد بالمقاومة، ومحاصرتها والقضاء عليها، كما أن هذا الحلف ردم الفجوة الكبيرة المتولدة عن اختلال موازين القوى لمصلحة “إسرائيل” إثر توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة، والذي ازداد بعد احتلال العراق.

واليوم خرج هذا الحلف من المعركة مع المشروع الأميركي بعد احتلال العراق منتصراً، وأكثر قوة يؤشر على ذلك سعي الإدارة الأميركية الجديدة إلى خطب ود طهران، ودمشق، وطلب مساعدتهما للخروج من ورطة العراق، وهو ما عكسته القمة السورية الإيرانية الأخيرة، والمواقف التي أطلقها الرئيسان أحمدي نجاد، وبشار الأسد.

العنصر الثالث: التحول في الموقف التركي:

التحول الهام في موقف تركيا من دولة كانت في موقع الحليف ل”إسرائيل”، والولايات المتحدة ضد سوريا، وإيران، والمقاومة، إلى قوة مؤيدة للنضال العربي ضد الاحتلال وصديقة لسورية وعلاقاتها تسير نحو المزيد من التحسن والوئام مع إيران، وقد جاءت المناورات العسكرية السورية، التركية المشتركة مؤخراً لتؤشر على هذا التحول الذي عكسته أيضاً مواقف تركيا الرسمية والشعبية، المساندة للمقاومة في مواجهة العدوان على قطاع غزة، والتي جسدها رئيس وزراء تركيا طيب رجب أردوغان في وقفة الكرامة التي وقفها في مؤتمر دافوس في مواجهة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز.

ويشكل هذا التحول في موقف تركيا تطوراً كبيراً في البيئة الإقليمية المحيطة بالمنطقة العربية في غير مصلحة “إسرائيل” لأول مرة منذ احتلال فلسطين عام 1948.

حيث باتت أهم دولتين إقليميتين: تركيا، وإيران في الموقع المؤيد، والمساند لسوريا والمقاومة العرب

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

إصابة 4 مستوطنين بعملية إطلاق نار قرب جنين

إصابة 4 مستوطنين بعملية إطلاق نار قرب جنين

جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أصيب 4 مستوطنين عصر اليوم الأربعاء، في عملية إطلاق نار استهدفت سيارة قرب مدينة جنين، قبل أن ينسحب منفذ العملية من...