الثلاثاء 06/مايو/2025

ذاكرة النكبة.. ذاكرة المقاومة

ذاكرة النكبة.. ذاكرة المقاومة

صحيفة الخليج الإماراتية

لكل فلسطيني قصته الخاصة به في النكبة ومعها. ومن مجموع هذه القصص، تتحرك ذاكرة النكبة التي هي ذاتها ذاكرة المقاومة، من جيل إلى جيل. وهي غير خاضعة للنسيان أبداً، لأنها تورث مثل اللغة تماماً. ولعلها على الأصح، هي اللغة ذاتها للشعب الفلسطيني كله، تملأ وجدانه بأدق التفاصيل، وتنمو على ألسنته بالتاريخ والجغرافيا، بما يتجاوز الوصف العابر، إلى تجديد العيش الفعلي في المكان المعني والزمان المعني، فلا موت ولا فقدان.

وللسياسة بالمقابل، شأنها بما تراه من حال النكبة منذ الخامس عشر من أيار/مايو في عام 1948 إلى حينه. وللسياسة قاموسها في التعامل مع هذه الحال، سنة بعد سنة، على وقع التغيرات في المنطقة، وفي العالم كله. وللسياسة أن تذكر شيئاً، وتنسى أشياء، وفق معايير الممكن وغير الممكن بالنسبة لها، في المسمى الذي لا يخرج في عادتها الدارجة، عن مسمى اللعبة. إلا أن النكبة ذاتها، مهما ألقت السياسة حولها، من أشكال ومن ألوان على الحلبة، ليست لعبة. والمواطن الفلسطيني المنكوب لا يترك ذاكرته، ولو لدقيقة واحدة، لأية قصة مغايرة يدفع بها إليه، بذريعة أو بأخرى، لاعبون مغايرون. كل الذرائع تنكسر وتتلاشى تحت القرص الصلب لذاكرته الخاصة به، طالما عمدت تلك الذرائع، إلى التحايل، أو الالتفاف على موروثه الثابت.

استطاعت “إسرائيل” أن تخطف المكان والزمان من فلسطين، بقوتها العسكرية المتفوقة، ضمن معادلات عربية وإقليمية ودولية معينة كان من نتيجتها أن يواجه شعب فلسطين مصيره في النكبة وهو شبه أعزل، وشبه معزول أيضاً عن هذه المعادلات. ولكن “إسرائيل” لم تستطع في كل هذه المعادلات المريحة لها، أن تخطف الذاكرة الفلسطينية، ذاكرة النكبة.

ومن سنة إلى سنة في عمر هذه الذاكرة، يزداد إحساس “إسرائيل” أن ورطتها الأساس، كامنة في نكبة الشعب الفلسطيني. وثمة في هذا المعنى العميق، مفارقة أشد عمقاً. فقد كان من المفروض، حسب الرؤية “الإسرائيلية” المنتصرة في كل حروبها، أن تشكل النكبة تحطيماً كاملاً للشعب الفلسطيني، فيذوب ويختفي بأشتات الحطام، داخل منافيه ومهاجره المبعثرة على امتداد العالم. إلا أن المحصلة المتواصلة والمتطورة، أثبتت هزيمة هذه الرؤية، بما يتفوق بالفشل والخسران، على كل انتصاراتها. وهو ما أثبت بالملموس المادي على الأرض، أن المنتصر حقاً، هو الشعب الفلسطيني المنكوب. أي أن النكبة، أو ذاكرة النكبة تحديداً، أنتجت لهذا الشعب، معنى الانتصار، والذي هو في آن، هزيمة “إسرائيل”.

ولأن الذاكرة في جوهرها، تعني حق العودة إلى أرض فلسطين، داخل حدود العام 1948، والذي يعني بدوره، خلخلة الكيان “الإسرائيلي” كله داخل هذه الحدود ذاتها، وخارجها الذي توسع به بعد الخامس من حزيران/يونيو 1967، فإن “إسرائيل” ترفض هذا الحق جملة وتفصيلاً. ثم لا تكتفي بهذا الرفض المتوافق عليه من قبل جميع أحزابها الصهيونية، من اليمين إلى الوسط إلى اليسار، دون أدنى استثناء، بل تطالب إلى جانبه، بالاعتراف بها دولة لليهود وحدهم، ما يعني على الفور، مطالبتها الضمنية بطرد من بقي من الفلسطينيين على ما بقي من أراضيهم تحت حكمها، إلى خارجها. أي أنها تطالب بنكبة جديدة تضرب بها الذاكرة الفلسطينية، أو “تكويها” حسب مصطلحها العنصري، لتمسي هذه الذاكرة المتوهجة، مجرد كوم من الرماد البارد والمنسي في ثقوب التاريخ والجغرافيا.

وعند هذا الحد، ترفع “إسرائيل” سقف الصراع إلى مستوى أعلى، دون أن تدرك أنها ترفع في آن، مستوى ورطتها عبر هذه الذاكرة المحنكة والمحصنة. أو أنها تدرك، ثم لا تفهم من هذا الإدراك سوى المزيد من العدوان المدمر، والذي بدوره يعزز ثبات ذاكرة النكبة المتجددة داخل نسيجها الإنساني بالمقاومة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يُمدد اعتقال 58 أسيرا إداريا

الاحتلال يُمدد اعتقال 58 أسيرا إداريا

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أفادت هيئة شؤون الأسرى والمحررين وجمعية "نادي الأسير الفلسطيني"، بأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي أصدرت 58 أمر...

48 شهيدا و142 جريحا في غزة خلال 24 ساعة

48 شهيدا و142 جريحا في غزة خلال 24 ساعة

غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم الثلاثاء، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 48 شهيدا، و142 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...