الثلاثاء 06/مايو/2025

الوكالة اليهودية والتحدي الجديد

الوكالة اليهودية والتحدي الجديد

صحيفة الخليج البحرينية

طالعت ما نشرته مجلة المجتمع الكويتية قبل مدة، من أن المنظمات اليهودية الفرنسية أرسلت إلى الوكالة اليهودية الدولية تستنجدها وتطلب إليها التدخل من أجل وضع حد لما سمته الإقبال اليهودي الكبير على اعتناق الإسلام، بعد أن أكدت الإحصاءات أن ثمانين بالمائة (80%) ممن دخلوا حديثاً في الإسلام من المواطنين الفرنسيين كانوا من (اليهود).

بالطبع، ليست هذه هي المرة الأولى التي اقرأ فيها خبراً من هذا النوع، غير أن الجديد هذه المرة هو أن هذه النسبة العالية من اليهود الذين اشهروا إسلامهم حديثاً في فرنسا وحدها.

وهذا يدلنا على أن الحق قد يخفى على كثير من الناس ولكن لا يمكن أن يخفى على كل الناس، وقد يقع فريسة للتشويه والاتهام في بعض الأحيان بفعل الدعايات والافتراءات المضللة، ولكن لا يمكن أن يدوم هذا التضليل وأن تنساق له العقول إلى الأبد.

لهذا لم تخل فترة من الفترات من حوادث من هذا القبيل، حتى وجدنا أبرز الذين اهتدوا إلى الإسلام من اليهود كانوا من أحبارهم، ومن ذوي الرأي والمكانة فيهم، أذكر منهم حديثاً: الحاخام موسى أبوالعافية، والحاخام شيمون وادون الذي اعتنق الإسلام عام 1994، وقديماً شرف الله بالإسلام عدداً منهم، ووضعوا كتباً دافعوا فيها عن هذا الدين، ونوهوا بشأنه، وكشفوا الزيف في عقائد يهود، وأماطوا اللثام عن أسرارهم وفضائحهم المخبوءة، وأكدوا صحة نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما فعل سعيد بن الحسن الاسكندراني في كتابه (مسالك النظر في نبوة سيد البشر)، وعبدالحق المغربي في كتابه (الحسام المحدود في الرد على اليهود)، والسموأل بن يحيى المغربي في كتابه (إفحام اليهود).

وفي عصر التابعين وجد عدد من هؤلاء، ويتصدرهم كعب الأحبار الذي كان من يهود اليمن ثم أسلم في خلافة عمر رضي الله عنه.

ومن قبل هؤلاء جميعاً اشتهر من بين الصحابة الكرام: عبدالله بن سلام (بتشديد اللام) رضي الله عنه، الذي كان سيداً من سادات يهود بالمدينة، وحبراً من أحبارهم، وقد روى له أصحاب السنن جملة من الأحاديث، من أشهرها ما رواه الترمذي في سننه (2490) أنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، انجفل الناس إليه وقيل: قدم رسول الله.. قدم رسول الله.. قدم رسول الله، فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما استثبت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء تكلم به أن قال: “أيها الناس، افشوا السلام، واطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام”.

وعبدالله بن سلام هو صاحب القصة المشهورة التي أزاحت الستار عن نفسية يهود وإنكارهم للحق مع علمهم به، روى البخاري في صحيحه (3911) أن عبدالله بن سلام جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله وانك جئت بحق، وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيّ، فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم فأقبلوا فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا معشر اليهود، ويلكم اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو أنكم لتعلمون أني رسول الله حقاً وأني جئتكم بحق، فأسلموا”. قالوا: ما نعلمه، قال: “فأي رجل فيكم عبدالله بن سلام؟” قالوا ذاك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا، قال: “أفرأيتم إن أسلم؟” قالوا: حاش لله ما كان ليسلم – ثلاث مرات – قال: “يا ابن سلام اخرج عليهم” فخرج فقال: يا معشر اليهود، اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله وأنه جاء بحق، فقالوا: كذبت.

ثم خرجوا من عند النبي صلى الله عليه وسلم والغيظ يحرق أكبادهم.

هكذا وجدنا منهم طوال العهود السابقة: من آثر الله ورسوله والدار الآخرة، ومن آثر الدنيا وأطاع داعي الحسد والكبر وجحد الحق بعد أن استبان لهم في كتبهم وأسفارهم كما قال الله تعالى: “الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وإن فريقاً منهم ليكتموا الحق وهم يعلمون” (البقرة/146).

لقد كشفت لنا الكتب التي ألفها الحاخامات والأحبار المهتدون عن عشرات المواضع والنصوص التي وردت في التوراة وفي أسفار أنبياء بني إسرائيل، وجميعها يبشر ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتدعو إلى طاعته واتباعه، وتصف لهم خلْقه وخلُقه وتنعت لهم أمته.

جاء في السفر الخامس من التوراة: “تجلى الله من طور سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران”، وفاران هي مكة المكرمة التي انبثقت منها رسالة الإسلام وشع نور محمد صلى الله عليه وسلم في الآفاق وإذا قارنت بين هذا النص وبين ما جاء في سورة (التين) فستجد توافقاً بينهما من حيث الإشارة إلى هذه المحال الثلاثة التي بعث الله في كل واحد منها رسولاً من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار.

وجاء في السفر الأول من التوراة: “أن الله قال لإبراهيم إني جاعل ابنك إسماعيل لأمة عظيمة، وإني أباركه وأعظمه جداً جداً، وإني أصيّره إلى أمة كثيرة وأعطيه شعباً جليلاً”، ولا شك أن المقصود هنا هو محمد صلى الله عليه وسلم فهو النبي الأوحد الذي اصطفاه الله تعالى من نسل إسماعيل عليه السلام، وأمته هم الذين ملأوا الآفاق، واربوا في الكثرة على سائر الأمم.

ووجدت في التوراة كلمات بالعبرانية مثل (المنحمنا) و(مود مود)، وهي تعني بلغتهم اسم (محمد) عليه الصلاة والسلام.

وروى كعب الأحبار أنه مكتوب في التوراة: “أحمد عبدي المختار، لا فظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، يعفو ويغفر، مولده ببكة وهجرته طابا، وأمته الحمادون، يحمدون الله على كل نجد، ويسبحونه في كل نزلة، ويوضئون أطرافهم… صفهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء، رهبان بالليل أسُد بالنهار، ولهم دوي كدوي النحل، يصلون الصلاة حيث ما أدركتهم”.

وليس هناك من الأنبياء والأمم من تنطبق عليهم هذه الأوصاف والنعوت غير محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.

وهناك شواهد كثيرة تضمنتها التوراة والأسفار – أو ما يعرف عند اليهود بالعهد القديم – يضيق المجال عن سردها.

ليس الغريب إذًا أن يتجاوب يهود فرنسا مع رسالة الإسلام، وأن يقبلوا عليه أفراداً وجماعات، وما لهم لا يؤمنون به؟ وهم لا يجدون في الأسفار التي بين أيديهم إلا نصوصاً وعبارات تنضح بالعنصرية والعصبية البغيضتين، وتزعم أنهم شعب الله المختار، وأن سائر البشر إنما خلقوا ليكونوا حميراً لبني إسرائيل، وتسوغ لهم ممارسة كل ألوان الظلم والبطش والإجرام ضد الآخرين من أجل تحقيق أحلامهم في السيطرة والتغلب.. بينما القرآن يقول للمسلمين: “ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو اقرب للتقوى…” (المائدة/8)، وينفي عن الله تعالى وعن رسالاته التحيز لجنس معين أو عرق مخصوص، فالخلق كلهم عباد لله، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير” (الحجرات 13).

ما الذي يطمعهم في البقاء على دينهم؟ وقد هالهم ما وجدوه في التوراة التي بين أيديهم من نسبة القبائح والنقائص إلى الرب عز وجل، على حين يفتن القرآن بما لا مثيل له عند الحديث عن الله تبارك وتعالى، وتنزيهه وإعظامه، والتفضيل لأمجاده ومحامده، والتعريف بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، ونفي الشبيه والنظير والشريك والولد.

وحديث التوراة عن الأنبياء هو الآخر حديث لا علاقة له بوحي ولا برسالة، فهم ما بين سارق وزان، وغادر وكاذب، وآكل للربا وشارب للخمر… إلى آخر تلك الافتراءات التي تمجها العقول، وتستبشعها النفوس على حين جاء القرآن فنوه برسل الله أجمعين، وأثنى عليهم ذلك الثناء العاطر، ونعتهم بنعوت الصدق والأمانة والطهر التي تليق بمقامهم. من حق المنظمات اليهودية أن تعبر عن استيائها من موقف يهود فرنسا من الإسلام، كما أن بإمكان الوكالة اليهودية أن تتخذ من الإجراءات وترسم من الخطط ما يقاوم هذه الموجة الجديدة، غير أن شيئاً واحداً ليس بمقدورها القيام به مهما حاولت، وهو الحيلولة دون وصول هدي الإسلام إلى العالمين، إلا إذا تمكن الذباب من أن يحجب أشعة الشمس أو ضوء القمر: “يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون” (الصف/8-9).

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

20 شهيدا وعشرات الجرحى بمجزرة مروعة وسط غزة

20 شهيدا وعشرات الجرحى بمجزرة مروعة وسط غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الثلاثاء، مجزرة مروعة بحق النازحين، عقب قصف الطيران الحربي لمدرسة تُؤوي...