الأربعاء 07/مايو/2025

بعد 61 عاماً على النكبة… ما الذي تغيّر في إسرائيل؟

بعد 61 عاماً على النكبة… ما الذي تغيّر في إسرائيل؟

صحيفة الوطن العمانية

يصادف اليوم 15/5/2009 الذكرى الواحدة والستين لنكبة فلسطين، وبنظرة موضوعية إلى الداخل الإسرائيلي، ليس من الصعب على المراقب وبلا أدنى شك ملاحظة، أن جملة التطورات التي حدثت على الصعيدين الرسمي والاجتماعي في مدى ما يزيد عن ستة عقود زمنية، تتلخص في مزيد من الجنوح نحو اليمين (حكومة نتنياهو -ليبرمان) ذلك أن الايديولوجيا الصهيونية ذات الجذور التوارتية، مازالت هي الأساس والمنبع للسياسات الإسرائيلية في المناحي المختلفة. أي أننا أمام صورة أبقت على المضامين المختلفة، التي جرى تشريعها ما قبل، وعند إنشاء الدولة، كأهداف استراتيجية، ومنها تلك التي مازالت تطرح في الإطار الشعاراتي السابق لها على قاعدة تعزيز هذه الشعارات: مثل: يهودية الدولة وعقيدة الأمن الإسرائيلي.

أما بعض الأهداف الاستراتيجية الأخرى، فقد بقيت تحمل نفس المضمون، ولكن مع اختلاف بسيط في نمطية الشعارات المطروحة لتحقيقها مقارنةً مع مثيلاتها لدى ترسيم ولادة هذه الدولة. هذه الشعارات أخذت تبدو وكأنها أكثر مرونة، لكنها المرونة التكتيكية التي لا تتعارض مع الجوهر، بل هي تتواءم وتصل حدود التماهي معه، ولكن مع الحرص على إعطائها شكلاً انتقالياً جديداً على طريق التحقيق، وذلك لاعتبارات سياسية وإقليمية ودولية تحتم هذا الشكل الانتقالي، ولكن على قاعدة الاتكاء على ذات الايديولوجيا، فمثلاً، فإن الهدف في إنشاء دولة “إسرائيل الكبرى”، والذي كان مطلباً ملحاً ما قبل وعند إنشاء الدولة، أصبح بفعل المستجدات السياسية الموضوعية مسألة صعبة التحقيق إن لم تكن مستحيلة… وبالتالي فإن السيطرة تحوّلت من الشكل المباشر عبر الاحتلال إلى شكل آخر غير مباشر، وهو السعي لتحقيق ذات السيطرة من خلال الهيمنتين: الاقتصادية والعسكرية وبالتالي السياسية، لذا، فإن هذه الخلفية أصبحت تتحكم في النظرة الإسرائيلية، إن على صعيد رؤيتها لذاتها كالدولة الأهم في المنطقة، أو على صعيد العلاقة مع الدول العربية والإقليمية، والقائمة أيضاً على نظرية السيادة والتسيد المطلق.

في نفس السياق، يأتي التعامل الإسرائيلي مع الفلسطينيين وقضيتهم إن في الأراضي المحتلة أو في منطقة 48 أو في الشتات، إن بإنكار حق العودة للاجئين منهم، أو من خلال حتى رفض فكرة الدويلة الناقصة السيادة والمجزأة (كما ترفض حكومة نتنياهو – ليبرمان ذلك) وهي في حقيقتها ليست أكثر من حكم ذاتي يشرف على الشؤون الحياتية للسكان، وهذا في النظرة الاستراتيجية الإسرائيلية، ليس أكثر من شكل توافقي يحقق الهدف الاستراتيجي في الدولة اليهودية، دون الاصطدام مستقبلاً بالقنبلة الديموغرافية التي يشكلها الفلسطينيون، كما تعطي التصور بأن الصراع قد تم حله وبشكل نهائي. أما بالنسبة لفلسطينيي الخط الأخضر، والتي تعتبرهم “إسرائيل” (مواطنيها)، فإن(61) سنة من وجود الدولة لم تكن كافية لأن يحصل العرب على حقوقهم وأن يتساووا مع اليهود، بل ارتفعت حدة العنصرية الممارسة تجاههم، وتفتق الذهن الإسرائيلي بمبادلة بعض مناطقهم ذات الكثافة السكانية العالية مع مناطق في السلطة الفلسطينية، إضافة إلى إمكانية إجراء الترانسفير بحق الكثيرين منهم مباشرةً أو بطريق غير مباشر، ومثلما يقول المؤرخ التقدمي الإسرائيلي إيلان بابيه بخلق وقائع اقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية عسكرية تدفع الكثيرين منهم إلى الهجرة الطوعية، هذا ما لا نقوله نحن، بل مقررات مؤتمرات هرتسيليا التسعة واقرأوها جيداً.

في نفس السياق يأتي التعامل الإسرائيلي مع الدول العربية، فبعد اتفاقيات كمب ديفيد، وأوسلو، ووداي عربة، والممثليات الإسرائيلية في دول عربية تحت مسميات مختلفة، فإن “إسرائيل” ترى أنها في الوضع المريح الذي يسمح لها بممارسة الابتزاز السياسي والتنازلات التدريجية من الدول العربية، ولذلك تعاملت وتتعامل براحة كبيرة مع المبادرة العربية، فهي ترفض ما تشاء منها وتُخضع للبحث ما تشاء منها أيضاً. وكما الرؤية الإسرائيلية للتسوية مع الفلسطينيين تنطلق من خطوط حمراء بالنسبة لحقوقهم الأساسية، فإنها تنطلق أيضاً من خطوط حمراء بالنسبة للدول العربية.

بعد 61 عاماً على إنشاء دولة الكيان الصهيوني، يُلاحظ مدى التطور الحاصل في مفهوم العدوان على قاعدة من النظرة الاستعلائية، الشوفينية، العنصرية، التي تفترش الشارع الإسرائيلي طولاً وعرضاً، والمتمظهرة في التربية والتعليم، بدءاً برياض الأطفال وانتهاء بالجامعات، في تناسقٍ وتناغم تاميّن في إنتاج وإعادة إنتاج الأشكال المطوّرة الجديدة من ممارسة العدوان، في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو في عدوان عام 2006 على لبنان، أو العدوان الأخير على قطاع غزة (2008-2009).

الإسرائيليون بعد(61) عاماً على إنشاء دولتهم لم يغادررا مفهوم القلعة المحصنّة التي يجب أن يتواجد فيها الإسرائيلي، ولم يغادروا أسوار الجيتو أيضاً هذه التربية التزمتية ليست قادرة على إنتاج سوى المزيد من المفاهيم اليمينية والدينية المتطرفة، ولذلك تزداد الأحزاب الدينية، والدينية اليمينة المتطرفة والأحزاب الفاشية تطوراً في قواعدها وفي تدخلها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الإسرائيلية، جنباً إلى جنب مع المؤسسة العسكرية، التي تفرض حقائقها على الواقع السياسي الإسرائيلي.

كثيرون يغادرون “إسرائيل” في هجرة معاكسة لأسبابٍ شتى، ومنهم من يعيشون صحوة ضمير، ولذلك لا يطيقون العيش وسط العنصرية الصهيونية، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: المحامية المشهورة بدفاعها عن الفلسطينيين، والتي غادرت مع عائلتها للعيش في ألمانيا فيليتسيا لانجر، والمؤرخ إيلان بابيه والذي غادر إلى بريطانيا.

في الذكرى الواحدة والستين للنكبة، حرّي بنا أن تُخضع كل ما في الداخل الإسرائيلي للتمحيص، وذلك من أجل تحقيق المزيد من معرفة هذا العدو الاستثنائي الذي نجابهه.

* كاتب فلسطيني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

إصابة 4 مستوطنين بعملية إطلاق نار قرب جنين

إصابة 4 مستوطنين بعملية إطلاق نار قرب جنين

جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أصيب 4 مستوطنين عصر اليوم الأربعاء، في عملية إطلاق نار استهدفت سيارة قرب مدينة جنين، قبل أن ينسحب منفذ العملية من...