الثلاثاء 06/مايو/2025

التصاعد الموسمي في أوهام التسوية

التصاعد الموسمي في أوهام التسوية

صحيفة العرب القطرية

باتت حظوظ تسوية الصراع العربي-الإسرائيلي، لا سيما في مساره الفلسطيني، أقرب إلى الطقس الإنجليزي منه إلى مشروع سياسي جاد، بقواعد وأسس واضحة، ومسار محدد. خلال الفترة التالية لتوقيع اتفاق أوسلو، لم يسيطر طقس التفاؤل على القيادة الفلسطينية الوطنية وحسب، ولكن أغلب العرب أيضاً سارع إلى الحصول على تذاكر سفر بلا رجعة على قطار التسوية العتيدة. لم تلبث التسوية أن تعثرت، بالطبع، ولكن مواسم التفاؤل، والرغبة العربية المستبطنة بالتخلص من فلسطين، عادت مرة وراء الأخرى، من اتفاق واي ريفر، مباحثات كامب ديفيد حول ما سمي بالاتفاق النهائي، وعود بوش القاطعة بعد غزو العراق واحتلاله، وصولاً إلى إطلاق مسار أنابوليس.

مرة، وبعد شهور من المفاوضات وعشرات، والبعض يقول مئات، من الجلسات بين المفاوضين الفلسطينيين ووزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، خرج السيد أحمد قريع، رئيس الوفد الفلسطيني، ليؤكد على أن ليس ثمة تقدم قد تحقق، وأن اتفاقاً على شيء ملموس لم يقع. ما الذي كان يفعله أبوالعلاء وطاقمه من المفاوضين المحنكين، الفصحاء، طوال تلك الجلسات مع ليفني؟ لا أحد يعرف. ولكن خبوّ الآمال التي جاء بها مسار أنابوليس لم يكن بالضرورة نهاية للتفاؤل العربي والفلسطيني. فقد وعد الرئيس الأميركي الجديد بتغيير أميركا وسياساتها وصورتها في العالم، ووعد بالمساهمة في جعل العالم أكثر سلماً وعدلاً واستقراراً. كانت سياسة شمس مشرقة جديدة هي التي حملها انتخاب السيناتور الأسود رئيساً، ولم يكن غريباً أن ينشر تسلمه مقاليد الإدارة الأميركية تفاؤلاً واسعاً، بين العرب وفي العالم ككل.

إن أحداً لا يمكنه التقليل من دلالات انتخاب أوباما. بالنظر إلى مساحة الثابت الكبيرة في السياسة الخارجية الأميركية، وبالنظر إلى حقيقة أن المصالح الأميركية في العالم لا تتغير من رئيس إلى آخر، وإلى جسم المؤسسة الأميركية الهائل، الذي يجعل الهامش المتاح للإدارات المختلفة ضيقاً نسبياً، فإن أوباما أظهر بالتأكيد عزماً على أن لا يكون جورج بوش، وعلى أن يترك بصمة مختلفة على أسلوب ومادة الحكم في أميركا. ليس من الممكن بالطبع التيقن مما يقوله أوباما للأنظمة العربية، ولكن من الممكن استكناه البعض من توجهاته. أوباما، كما أكد أركان إدارته المرة بعد الأخرى، ملتزم بتسوية تقوم على حل الدولتين، وهو بالتأكيد يرى في المبادرة العربية عنصراً إيجابياً في التوصل إلى تسوية نهائية، وهو إضافة إلى ذلك لا يرحب بالموقف الذي أعلنته حكومة نتنياهو من رفض حل الدولتين. ولكن من الضروري، في الآن نفسه، وضع عناصر أخرى في الحساب، مثل ترسخ تقاليد سياسية أميركية تقول بضرورة تجنب الضغط على الدولة العبرية وترك العملية التفاوضية لإرادة وقناعة أطرافها، ومثل الرغبة الأميركية القوية في تعديل بنود جوهرية في المبادرة العربية، ومثل الموقع المتدني الذي يمكن أن تحتله مسألة التفاوض في مسارها الفلسطيني-الإسرائيلي على جدول أعمال إدارة مثقلة بالملف الاقتصادي، وبالغرق في المسألة الأفغانية-الباكستانية، وبالعلاقات مع روسيا والصين.

بيد أن تحفظاً أو شكاً لم يعد بإمكانه خدش التفاؤل العربي-الفلسطيني. مجلس الجامعة العربية يجتمع وسط شائعات تفيد بأن الدول العربية ستعمل على تعديل مبادرتها العتيدة، بناء على طلب أميركي. وزراء الخارجية العرب أكدوا، بالطبع، أن تعديل المبادرة لم يبحث، ولن يحدث، ولكن أحداً من المسؤولين العرب لم ينفِ الجزء الأساسي من الشائعات: أن هناك طلباً أميركياً لمثل هذا التعديل. نتنياهو، سيلتقي خلال أيام بالرئيس الأميركي، ومن المتوقع أن يستمع إلى ما يفيد بتصميم واشنطن على مواصلة عملية التفاوض على أساس حل الدولتين. وبالنظر إلى الموقف الأورو-أميركي الاجماعي تقريباً، ورغبة قطاع في دوائر السياسة الإسرائيلية في تجنب التوتر، الصريح أو المكتوم، مع الحلفاء الأوروبيين والأميركيين، فلا يمكن استبعاد خضوع نتنياهو في النهاية. ولكن التوصل إلى تسوية على أساس من حل الدولتين ليس إلا وهمٌ. اللهم، إلا إن كان المقصود بالدولة الفلسطينية دولة في الأردن، كما يقول أنصار نتنياهو من أمثال موشي أرنس. الوقائع على الأرض، لا النوايا وأجواء التفاؤل، هي التي تحكم الموقف. والوقائع واضحة لمن يريد رؤيتها:

1- الانقسامان العربي والفلسطيني لم يزالا على حالهما، وقد يستمران كذلك لفترة طويلة قادمة.

2- رغم خسارة الدولة العبرية للحرب على لبنان والحرب على غزة، فإن الحربين وفرتا للدولة العبرية أمن توازن الرعب، على الأقل على المدى المنظور. لا حزب الله، ولا حماس، يمكن أن يعودا إلى التهديد المسلح للأمن الإسرائيلي خلال المرحلة الحالية.

3- جهود حكومة عباس/فياض وأجهزتهما الأمنية قامت بالدور نفسه في الضفة الغربية، وبكفاءة أكبر بكثير من كفاءة الجيش الإسرائيلي، سواء بتفكيك تنظيمات قوى المقاومة، والاستيلاء على معداتها، أو تقويض الحاضنة الاجتماعية لها.

4- رغم الاحتجاجات الفلسطينية والعربية الصاخبة أحياناً، فإن عجلة الاستيطان في الضفة الغربية قد تصاعدت منذ اتفاق أوسلو، وتصاعدت بوتيرة أعلى بكثير خلال الأعوام القليلة الماضية. وثمة جدار اقتطع مساحات كبيرة من الضفة الغربية، يفصل بين الكثافة السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية والكثافة اليهودية في الدولة العبرية. ولكن هناك عشرات الجدران الأخرى، من أسوار وطرق سريعة وأنفاق، تفصل بين أغلب مدن الضفة الغربية وبعضها البعض، جدران تمثلها المستعمرات اليهودية المتسعة باستمرار في الضفة، وطرقها الخاصة التي تربطها بجسم الدولة العبرية الرئيسي.

لا الحل الذي يتحدث عنه السيد خالد مشعل، أي الدولة الفلسطينية في كل المناطق المحتلة منذ 1967، في هدنة طويلة مع الدولة العبرية، ولا التصور الغامض للدولة الفلسطينية الذي يدافع عنه الرئيس عباس، يمكن تحقيقه. الوقائع على الأرض، وموازين القوى على المدى المنظور، تجعل من التفاؤل العربي-الفلسطيني الحالي ليس أكثر من موسم آخر لسيطرة الوهم على سياسيين متواضعين، لا يظهر سجلهم منذ أوسلو إلا تراكماً متصاعداً من الفشل والعجز. الخيار الحقيقي المتبقي هو الانتقال الاستراتيجي إلى حل الدولة الواحدة، وخوض نضال فلسطيني شامل لإجبار الدولة العبرية والعالم على التفاوض على صيغة ما من الدولة الواحدة. الانتقال إلى الدولة الواحدة لا يتعلق بسهولة أو صعوبة تحقيق الهدف، بل إن تحقق الدولة الواحدة يتطلب نضالاً أصعب وأكثر مرارة من النضال الفلسطيني الحالي. ما يرجح تصور الدولة الواحدة أنه الحل الوحيد ذو المعنى الملموس، في مقابل الأوهام التي تخوض الحركة الوطنية الفلسطينية غمارها منذ مطلع التسعينيات. هدف الدولة الواحدة كفيل بتوحيد الجسم الوطني الفلسطيني كله، في المهجر، في الضفة والقطاع وفي داخل الخط الأخضر، الذي لا يعني هدف الدولتين إلا جزءاً منه، بينما يهدد أجزاء أخرى، وهو هدف كفيل بتغيير إيجابي للمناخ العالمي المحيط بالنضال الفلسطيني، بل ولمناخ الدعم العربي والإسلامي.

خلال شهور، وربما سنوات قليلة، سينتهي موسم التفاؤل العربي-الفلسطيني الجديد بالتسوية. ولكن، بدون مبادرة استراتيجية فعالة، ستدخل الساحة العربية إلى مرحلة أخرى من الصراع الداخلي، تبادل اللوم والاتهامات، وإبداء الاستعداد لتقديم تنازلات جديدة، بانتظار موسم آخر من التفاؤل، والأوهام.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن

صنعاء- المركز الفلسطيني  للإعلام شنت طائرات حربية إسرائيلية، مساء الإثنين، غارات عنيفة استهدفت مناطق واسعة في اليمن. وذكرت القناة 12...