عاجل

الثلاثاء 13/مايو/2025

المدينة العانس

المدينة العانس

صحيفة الخليج الإماراتية

أول ما لفت انتباهي في المقالة الشهيرة التي كتبها إسرائيل شامير عن القدس هو أن هناك مدناً عوانس وأخرى متزوجات وقد أنجبن أبناءً وأحفاداً، قال شامير في مقالته إن الحالمين بتهويد القدس وتأبيد احتلالها صدقوا أن الحرب الدونكيشوتية ممكنة، وأن ما يرويه التابع عن سيده من انتصارات قابل للتصديق ولا يعرف هؤلاء الحالمون أن القدس تزوجت وأنجبت شعباً، ولها أحفاد وأحفاد أحفاد.

إن المدينة العانس هي التي رغم اكتظاظها بالسكان تبقى وحيدة، وتبدو شوارعها وأزقتها كما لو أنها تروح وتغدو بحثاً عن ساحة أو ميدان تأوي إليه كي تنام.

والإيديولوجيا العمياء المحصنة ضد التاريخ بفائض الأسطورة هي التي تحول المدينة إلى عانس والمستوطنة إلى ثكنة، بحيث تنعدم الحياة فيها لصالح الموت المسلح.

مقالة إسرائيل شامير الشهيرة أغضبت الحاخام والجنرال معاً، ولم تستحوذ على إعجاب اليساري الذي يتحرك في الوقت الضائع، أو الذي يصح عليه ما قيل عن الكُم الأيسر لمعطف الديكتاتور.

والديكتاتور ليس دائماً شخصاً سواء كان رجلاً أو امرأة، إنه أحياناً فكرة أو حزب أو إيديولوجيا، وقد يكون صورة يرسمها شعب ما لنفسه ويصدقها.

وحسب ما يقول مثقفون زاروا فلسطين بينهم حائزون على نوبل للآداب، فإن المدن الفلسطينية المحتلة، والمهوّدة بعد طرد أهلها تبدو بالفعل كما لو أنها مدن شمطاء أو عوانس، فهي لا تملك عطف الأمومة، ولا دفء البيت وما من صندوق قديم أو جرّة تنبئ عن جدّةٍ غادرت البيت بعد أن مهرت عتبته بالحنّاء! وما يصح على المدن العوانس أو المستوطنات الثكنات يصح بالقدر ذاته على المفاهيم والرؤى عندما تكون خارج مدار التاريخ وجاذبية الجغرافيا، حيث يتوهم الحالمون بأن الأرض واقفة بانتظار إشارة منهم كي تدور، وأن الشمس لا تشرق إلا من أجلهم.

روى لي صحافي فرنسي تجول في مدن فلسطين المحتلة أن الناس هناك يركضون ولا يمشون، فهم في عجلة دائمة من أمرهم وكأنهم هاربون من شيء يلاحقهم، والسبب كما قال هو الإحساس الغامض والهاجع في اللاوعي لدى هؤلاء بأن المكان ليس مكانهم، وأنه لم يتحول بعد إلى زمان يحمل إيقاعاتهم، وحين يقتصر الانتماء إلى البندقية أو ما يتحول من عدوان إلى استحقاق، فإن الهواء الذي يتنفسه الناس في أمكنة كهذه يشح فيه الأوكسجين ويصبح خانقاً.

وقد حفزني ما سمعته لقراءة عشرات القصص والروايات التي كتبت عن مدن فلسطين وقراها بأقلام يهودية، بدءاً من القصة التي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني تم إيقافه بأمر عسكري وهي “خربة خزعة” ليزهار سملانسكي حتى أعمال غروسمان ويائيل دايان وآخرين، فوجدت أن ما يقال عن المدن العوانس والمستوطنات الخنادق ينطبق بدقة على تلك الأمكنة التي يتشكل منها مسرح الأحداث. إن بمستطاع أي حالم أو طوباوي أن يتجاهل التاريخ وقوانينه وسرّ جدليته وحراكه، لكنه سيكتشف بعد فوات الأوان أنه المغفل الذي لا يحميه جهله بالقانون.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...