الرفض الصهيوني لمسار التسوية والنفخ العربي في الرماد

صحيفة الشرق القطرية
لا يمكن تصور المهانة التي وصلت الأمة إليها مع إصرار النظام العربي على استجداء الكيان الصهيوني للقبول بـ “حل الدولتين”، و”المبادرة العربية للسلام” من خلال بوابة الإدارة الأمريكية بعد مضي عشرين عاماً على بدء مسيرة التسوية.
يحدث ذلك فيما يتجه رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو إلى عرض خطته على الرئيس الأمريكي أوباما والتي تستند صراحة إلى إقامة “حكم ذاتي” مسخ للفلسطينيين في الضفة الغربية، بحسب ما كشفت عنه الصحافة العبرية، وفيما يعلن أيضاً وبكل وضوح أن “مبدأ الدولتين لشعبين غير قابل للتطبيق على المدى المنظور”، ويتحدث عن سلام اقتصادي يسهم في تطوير الاقتصاد الفلسطيني، ويشترط قبول المفاوضين الفلسطينيين بـ “يهودية الدولة” الإسرائيلية كشرط لاستئناف مسار السلام معهم، ويصرّ وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان في جولاته بأوروبا على رفض حل الدولتين، ويعتبر أن “صناعة السلام” ـ مع العرب والفلسطينيين ـ لم تسفر عن أي جديد سوى “إضاعة المال”!
التحركات العربية على المستوى الثنائي أو عبر الاجتماعات في الجامعة العربية أو اجتماعات زعاماتها التي تمت أو المستقبلية مع الرئيس الأمريكي أوباما أو مع الرباعية الدولية أو المسؤولين الأوربيين لا همّ لها الآن سوى التفكير بتأمين الضغوط الدولية لإجبار الحكومة الصهيونية للعدول عن طروحاتها الجديدة الرافضة لمسار التسوية من أصله، أو تلك تنكرت لمفاوضات تصل إلى عقدين من الزمن بدءاً من مدريد وأوسلو وانتهاء بأنابوليس رغم ما صاحبها من تنازلات عربية، وما انتهت إليه من طريق مسدود حتى مع الحكومات التي كانت تدعي أنها تؤمن بـ “خارطة الطريق”، وكانت شريكة في عملية السلام كما كان يقال.
ومقابل الرفض الصهيوني لمسار التسوية من أساسه باعتباره مضيعة للوقت والمال، أو شطبه لكل مراحله السابقة والقفز عليها إما بوضع شروط إضافية وتعجيزية كالإقرار أولاً بـ “يهودية” الدولة العبرية، أو طرح خطط ورؤى تجعل الفلسطينيين والعرب يدورون في حلقة مفرغة لا تفضي إلى شيء من جديد، يصاب المرء بالدهشة وهو يسمع تصريحات رئيس السلطة يقول بكل ثقة: “رتبنا أمورنا بشكل جيد جداً فيما يتعلق بالمواقف التي سنطرحها على الرئيس الأميركي وإدارته الجديدة حتى يكون هناك تناغم كامل في الموقف العربي”، مشيراً بعد لقاء جمعه بالرئيس المصري قبل يوم من الاجتماع الوزاري العربي بالقاهرة إلى ما قال: إنه مشروع عربي متكامل للسلام في المنطقة سيسلم للرئيس الأمريكي أوباما. دون أن نعرف عن ماهية هذا الترتيب للوضع الداخلي العربي وحقيقة الارتياح منه، ومع من تمّ؟ وكيف تمّ؟ ولا عن مشروع السلام العربي المتكامل من صاغه وكيف وهل من جديد فيه؟، وما الذي يمكن أن يفعله في مواجهة الرفض الصهيوني، ومدى الثقة بقبوله أمريكياً أو أوروبياً؟ ومدى الحماس له من هذه الجهات الغربية مع وجود حاجز صدّ إسرائيلي، وما الذي يمكن أن يحققه على ضوء الخبرة السابقة في التفاوض مع الصهاينة طيلة السنوات الماضية؟.
ومما يؤسف له أن هذه الطروحات الفلسطينية والعربية تطلق فيما تتواصل جهود الاستيطان والتهويد الصهيونية على الأرض في القدس والضفة الغربية بوتيرة متزايدة، فقد أكدت التقارير الإسرائيلية أن هناك تسارعاً حصل مؤخراً لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وضمن ذلك البناء بدون تراخيص في المستوطنات الواقعة شرقي الجدار العازل، وإقامة بؤر استيطانية جديدة، والكشف عن مخططات جديدة لتهويد المدينة المقدسة.
لقد سمعنا سابقاً عن إمكانية تجميد مسار السلام من قبل المفاوض الفلسطيني فيما لو رفض الصهاينة البدء من حيث انتهى “أنابوليس”، لكننا لم نجد شيئاً من هذا رغم أن نتنياهو لم يرفض “أنابوليس” وما سبقه فقط، بل أعلن بالمطلق تنكره لحل الدولتين، وذهب إلى ما هو أبعد من ذلك هو ووزير دبلوماسيته. كما سمعنا من قادة عرب أيضاً أن مبادرة السلام العربية لن تبقى على الطاولة إلى الأبد، وها هي بعد ثمانية أعوام على إطلاقها، وفي ظروف حكومة يمنية متطرفة، ثمة من يريد نفخ الحياة فيها من جديد، رغم أنها لم تحظ باعتراف صهيوني، حتى من الحكومات التي سبقت الحكومة الحالية.
لقد بات واضحاً أن الصهاينة بعد أن جرجروا أقدام العرب والفلسطينيين إلى مستنقعات التسوية والتطبيع والتنسيق الأمني مع المحتل على الأرض، وحصروا اهتمام منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة بمسار التسوية دون غيره، بحيث لم يعد بمقدورهم العودة إلى خيارات أخرى لأكثر من سبب، باتوا يتملصون حتى من الاستحقاقات الهزيلة لهذا المسار، وهم بارعون في ذلك من خلال اللعب على أوتار الزمن، وتعليق ذلك على توجهات وسياسات الحكومات المتعاقبة التي يجتهد كل منها على طريقته في انتزاع التنازلات المتوالية على طاولة التفاوض وغيرها، والدخول في لعبة إطلاق رؤى وخطط وتفاهمات السلام من حين لآخر بحيث إن كل خطة جديدة تقضم جزءاً من حقوق الفلسطينيين أو تلغي شيئاً من التزامات الجانب الصهيوني التي كانت متضمنة في اتفاقات سابقة، وتضيف في نفس الوقت اشتراطات إضافية على المفاوض الفلسطيني والعربي، إضافة إلى فرض سياسة الأمر الواقع من حيث الاستيطان والتهويد وعزل الوجود الفلسطيني وحصر دور السلطة بدور المراقب الأمني نيابة عن الاحتلال.
كنا نتمنى بمناسبة وصول حكومة نتنياهو والتيار المتطرف والتصريحات التي صدرت عن رموزها أن تقوم منظمة التحرير والسلطة والنظام العربي ولو لمرة واحدة بتنشيط ذاكرتهم ليتذكروا أن هناك خيارات أخرى غير مسار التسوية الذي له السيادة والأولوية لديهم منذ عشرين عاماً، وأن يلوحوا بها مقابل الرفض الصهيوني، أو أن يهددوا بتجميد مسار المفاوضات على أقل تقدير، ويكونوا المبادرين لذلك، وإن كان الأولى والأهم أن يقيّموا هذا المسار تقييماً علمياً ليجدوا أنه لم يفضّ بعد السنين التي مرت إلا إلى السراب، وأن من ينفخ فيه لا ينفخ إلا في رماد .
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأونروا تحذر من ضرر غير قابل للإصلاح مع إطالة أمد الحصار الإسرائيلي
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، من أن إطالة سلطات الاحتلال الإسرائيلي منع إدخال المساعدات إلى...

السفير الأمريكي في إسرائيل يجدد دعم واشنطن لتهجير الفلسطينيين من غزة
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام جدد السفير الأمريكي لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي مايك هاكابي، دعم واشنطن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، رغم...

جيش الاحتلال يعلن استعادة رفات جندي قٌتل في اجتياح لبنان 1982
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، استعادة رفات جندي إسرائيلي من الأراضي السورية في عملية وصفة بالخاصة....

مسيرة احتجاجية في ستوكهولم تنديدا بالإبادة الإسرائيلية في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام انطلقت في العاصمة السويدية ستوكهولم، السبت، مسيرة احتجاجية تنديدا بقرار إسرائيل توسيع الإبادة على قطاع غزة. ووفق الأناضول؛...

1500 مواطن فقدوا بصرهم جراء الإبادة في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت وزارة الصحة الفلسطينية أن نحو 1500 مواطن فقدوا البصر جراء حرب الإبادة، و 4000 آخرون مهددون بفقدانه؛ مع نقص...

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، حملة دهم واعتقالات في عدة مناطق في الضفة الغربية المحتلة، تخللها...

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...