متى يصحو دعاة العنصرية من سكرتهم؟

صحيفة الشرق القطرية
إن مؤتمر مكافحة العنصرية الذي انتهت أعماله الأسبوع الماضي ببيان ختامي لا جدوى منه ولا فائدة مرجوة يعتبر من حيث مرمى الأمر ومغزاه مؤتمراً لنصرة العنصرية لا لمكافحتها كما زعموا، فهذه جنيف وهذه دوربان التي تظلل هذا اللقاء بما تدعيه من تنوير وانفتاح وبعد عن الفوقية والعنصرية نجد أن غالب دول أوروبا ومعها أمريكا قد انسحبت من هذا المؤتمر بحجة أنها تتخوف على “إسرائيل” أن تتهم بالعنصرية، وهي طبعاً لا تعرف للإنسانية أي معنى ولا للديمقراطية أي روح، بل إن التكبر والتعالي على الشعوب الأخرى هو ما يحكمها ويحدد تصرفاتها وتعاملاتها معهم، لأن هؤلاء الأوروبيين والأمريكان قد رضوا أن يكونوا ذيولاً لليهود وخداماً، بل حراساً لهم، وأصبح اليهود على يقين أو غلبة الظن أن تلك البلاد وحكامها قد باتت ألعوبة في أيديهم بسبب اللوبي الصهيوني الذي يسيرهم ولا يخفى أمره على أحد مطلع.
إنهم عمي وصم وبكم أمام المجازر التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني منذ ستين عاماً، وهم لا يتساءلون أبداً عن أي جدوى من امتلاك “إسرائيل” اليهودية لعشرات القنابل النووية في أرض محتلة لم يبق بعد قضمها من أصحابها إلا النزر اليسير، هكذا تكون العنصرية في هؤلاء وأولئك، ولذلك لم يكن انسحابهم مفاجئاً وهم يحملون هذا الفيروس الفتاك في حق الإنسانية، ولسان حالهم يقول:
لا تفوه لا تنفس
فاليهودي مقدس
ومن ناحية أخرى فقد رفضت في مؤتمر مكافحة العنصرية من كثير من الشخصيات المفكرة حسب وجهة نظرهم فكرة الإدانة لكل إهانة توجه لأي دين من الأديان وأن الإساءة في هذا الميدان لا تقبل، وقالوا: لا لابد من حرية التعبير والتفكير أو قل التكفير بدل التفكير، فما بال عقولهم وأفكارهم التي تضرب بكل قداسة عرض الحائط مادامت تمس أهواءهم ومطامعهم ومطامحهم أن يكونوا دوماً مثل إبليس الذي يعتبر أول عنصري ظهر في التاريخ.
ومن ناحية ثالثة فإن حضرة وزير الخارجية الفرنسي كوشنير انطعج وانزعج وعبر عن سخطه على العرب والمسلمين الذين وقفوا في ختام البيان رافضين الشذوذ الجنسي واعتبر ذلك تدخلاً في الأمور الشخصية والحرية الفردية، حرية الإباحية والحيوانية والاعتداء على الفطرة السليمة، ولكن يجب ألا نعجب إذ أنه إذا عرف السبب بطل العجب ففاقد الشيء لا يعطيه!
وعلى الجانب الآخر في بريطانيا وإلى عهد قريب كم كنا نرى إخواننا الهنود والباكستانيين والبنغال يعانون من العنصرية ضدهم وقد حدث مرة فضيلة الشيخ عبدالمجيد الزنداني حفظه الله – بعنوان دعوة لأهل عصرنا قال: نشرت صحيفة مشهورة في لندن صوراً للعرب شبهتهم بالخنازير، وعندما اعترض العرب والمسلمون في اليوم التالي نشرت تلك الجريدة كاريكاتيراً للخنازير وهي تقوم بمظاهرة احتجاجية ضد العرب أي أن الخنازير أفضل من العرب! إن معظم هؤلاء قد افسدوا الدنيا فكيف يقودون الحياة، ولذلك لا تعجب أن يبتليهم الله بداء انفلونزا الخنازير التي فضلوها على أمة العرب والمسلمين.
إن جزاء التعالي والعنصرية خطير لأن ذلك من كبائر المعاصي التي تؤدي إلى احتقار الجنس البشري من غير هؤلاء ومن يمشي في ركابهم لأنهم يزكون أنفسهم بلا حق بل بالباطل، وهم بذلك مع اليهود صف واحد حيث اعتبروا أنفسهم شعب الله المختار وأن سائر الأمميين من غيرهم حيوانات وحشرات إذ لما أمرهم الله أن يقولوا للناس حسناً رفضوا العفو والصفح والأخوة مع الناس ونقضوا العهود مع الأنبياء بل قتلوهم حدث هذا منهم قديما وفي عهد رسول الله من ثلاث قبائل وفي عهدنا هذا الذي يشهد نقضهم لكل ما يبرمون من اتفاقات مع العالم إلا الاتفاق مع قوى الشر على الإضرار بالعرب والمسلمين ولم يقبلوا أية مبادرة حتى لو كانت لا تناسبنا كالمبادرة العربية إذ صرح شارون من قبل بأنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به وصرح ليبرمان الآن بأن هذه المبادرة تدمر “إسرائيل” ودعا هو ونتنياهو إلى دولة “إسرائيل” اليهودية العنصرية فاليهود والنصارى المتصهينون اليوم هم أنفسهم الذين قالوا وحكى الله عنهم (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق) المائدة 18 إنهم لا يرون الخطر إلا في الإسلام، الم تتذكر الرئيس الأمريكي السابق نيكسون عندما رحل في جولة إلى أفغانستان أيام الحرب مع الروس، ولما عاد سأله الصحفيون: ماذا وجدت هناك؟ قال: علينا أن نصفي خلافاتنا مع روسيا لأن الخطر الحقيقي إنما يتمثل في الإسلام فقط! وقد ذكرني هذا بتصريح الرئيس الفرنسي ميتران ووزير خارجيته آنذاك أننا لن نسمح بقيام دولة أصولية في أوروبا يشير بذلك إلى البوسنة أثناء حربها مع الصرب العنصريين.
إن كل هؤلاء يشربون من مستنقع واحد آسن، وترى العلمانيين ممن حقدوا على الإسلام ينصرونهم ضد نظام رب العالمين، فهل نسينا تصريح الجنرال كنعان إفرين لما كان رئيساً لتركيا سابقاً عبر لقاء تليفزيوني بعد أن أزعجه المد الإسلامي يومها بقيادة نجم الدين أربكان، قال: إننا لن نسمح لأنصار الشريعة أن يهددوا أركان الدولة العصرية ويرجعوا بنا إلى عصر الظلام، اللهم احفظنا من الشريعة؟! ولكن الله بين له ولأمثاله أن الزبد يذهب جفاء وأن ما ينفع الناس هو الذي يمكث في الأرض وانتصر توجه الشريعة وقطف المد الإسلامي بعض ثماره في بلد الخلافة عند العثمانيين الجدد حفظهم الله.
إن الإسلام يرفض العنصرية بين أبنائه وبين الناس جميعاً لأن ضررها خطير وعميم في الحرث والنسل وليس بعيداً عنا في التاريخ كأمثلة كيف فعلت العصبية القبلية عند العرب وأنشبت من حروب لم تنته إلا عندما جاء الإسلام الحركي التطبيقي وحسمها، ولكن مع ذلك ومع بروز الجهل في عصرنا الإسلامي في بعض فتراته رأينا أن العنصرية قد ألحقت الأذى المرير في كثير من المواقع والمواضع ولا أدل على ذلك مما حدث في الصومال من تقاتل القبائل مع كونها مسلمة وذلك بسبب العصبيات البعيدة عن الإسلام، وكذلك ما حدث من زعماء وقواد جاهلين في أفغانستان حيث أزهقوا أرواحاً لا تقل في عددها عن الكمية التي أزهقت بسبب الجيش الروسي الأحمر.
إن هذه بعض الأمثلة التي نمقت العنصرية من خلالها ونرى أنه لابد من الأوبة إلى المنهل والمنبع الصافي في نظام الإسلام الفريد ذي المنهج الرباني الرحيم القائم على توجيه الناس نحو الإخاء والمحبة، والذي يعبر عنه الإمام مالك رحمه الله عندما يدعو إلى تلك المحبة وهذا الإخاء انه مجتمع أولياء الله يقول: المحبة واجب من واجبات الإسلام وهي دأب أولياء الله تعالى، إن عالمية الإسلام إنما تتوضح في ذلك بقوله تعالى عن رسول الإسلام (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) “الأنبياء: 107” وإن عالمية الإسلام تبدأ بالمؤمنين (إنما المؤمنون إخوة) “الحجرات” ثم تقول (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم..) “الحجرات” فوحدة الإنسانية هي النفس ووحدة المجتمع هي الأسرة للقيام بتكاليف التراحم والتعايش كما يقول سيد قطب رحمه الله، وإن الله تعالى قد أكد وحدة الجنس البشري من خلال هذه الآية وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري متحدثاً عن العصبية والعنصرية: (دعوها فإنها منتنة) وقال فيما رواه أبو دواد (ليس منا من دعا إلى عصبية.. ومن مات على عصبية فميتته جاهلية)، فيا أيها المؤتمرون في دوربان انظروا من الذي يقوم بالعنصرية ومن الذي يكافحها وعودوا لقراءة ما قاله جوستافوبون في كتاب حضارة العرب ص128 وما كتبه ولول دورانت عن تسامح الإسلام مع غير المسلمين لعلكم تصحون من سكرتكم.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: العدوان على اليمن جريمة حرب وإرهاب دولة ممنهج
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام دانت تدين حركة "حماس" بأشدّ العبارات العدوان الاسرائيلي على اليمن، والذي نفّذته طائرات جيش الاحتلال، واستهدف مواقع...

تحذيرات من انهيار كامل لمستشفيات غزة خلال 48 ساعة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، اليوم الإثنين، من أن مستشفيات القطاع على شفا الانهيار خلال 48 ساعة بفعل منع...

غوتيريش: توسيع إسرائيل هجماتها بغزة سيؤدي لمزيد من الموت والدمار
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن خطة إسرائيل لتوسيع هجماتها على غزة ستؤدي إلى مزيد من الموت...

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن
صنعاء- المركز الفلسطيني للإعلام شنت طائرات حربية إسرائيلية، مساء الإثنين، غارات عنيفة استهدفت مناطق واسعة في اليمن. وذكرت القناة 12...

9 شهداء بغارتين إسرائيليتين في مخيم النصيرات
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ارتقى 9 شهداء على الأقل، وأصيب عدد كبير من المواطنين بجروح، الإثنين، جراء غارتين شنتهما مسيّرات إسرائيلية، على منطقة...

صحة غزة: حصيلة حرب الإبادة ترتفع إلى 52,576 شهيدًا
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أفادت زارة الصحة بقطاع غزة، بأن 32 شهيدًا منهم 9 انتشال، و119 إصابة وصلت مستشفيات القطاع خلال الـ24 ساعة الماضية....

مستوطنون يحرقون محاصيل قمح في سهل برقة بنابلس
نابلس – المركز الفلسطيني للإعلام أحرق مستوطنون متطرفون، مساء اليوم الاثنين، على إحراق أراضٍ زراعية مزروعة بالقمح في سهل برقة شمال غرب مدينة نابلس...