الأحد 11/مايو/2025

تمسكًا بالتراب الوطني.. الفلسطينيون يلجؤون إلى الطين

تمسكًا بالتراب الوطني.. الفلسطينيون يلجؤون إلى الطين

“قد ينجح الاحتلال في فرض الحصار ومنع دخول الكثير من المواد الأساسية والبضائع لقطاع غزة، لكنه لن ينجح في انتزاع إقرارٍ منا بالتنازل عن حقوقنا أو حتى شل قدرتنا على مواجهة هذا الحصار وإبطال مفعوله”.. هذا لسان حال غالبية الفلسطينيين في قطاع غزة هذه الأيام الذين لجؤوا إلى استحضار طريقة عيش أجدادهم واستعملوا الطين لبناء منازل تؤويهم بعد أن ضعفت آمالهم في تحقُّقٍ سريعٍ لوعود إعادة إعمار ما دمَّره الاحتلال.

ففي رفح، وعلى مسافةٍ غير بعيدةٍ عن منزلٍ مدمَّرٍ في إحدى الغارات الصهيونية، وجد صاحبه المواطن الفلسطيني محمود أبو العبد (45 عامًا) في تراب هذه الأرض التي أحبَّها ودُمِّر منزله من أجلها، وسيلة مناسبة لوضع حدٍّ مؤقتٍ لمعاناة التشرد التي واجهها منذ هدم منزله في العدوان الصهيوني الأخير.

تراب الأرض بديل معقول

وبهمةٍ عاليةٍ يعمل أبو العبد ومعاونوه على تجهيز قوالب الطين على شكل الحجارة، فيما بدأت صفوف البناء الطينية ترتفع لتشكل بداية معالم المنزل الذي سيؤوي العائلة التي أضناها التشرد من منزلٍ إلى آخر.

ويقول أبو العبد لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” إن انتظاره دخول مواد البناء طال حتى بات يشعر أن ما تردد من حديثٍ عن إعمار غزة ما هو إلا وعودٌ لا يعلم أحدٌ متى تتحقق، ومن هنا كان التفكير في إعداد بيتٍ من الطين.

وكان استخدام الطين في بناء البيوت الصغيرة، والتي كانت تعرف بـ”الباكية”، شائعًا في قطاع غزة قبل عشرات السنوات قبل أن يتوقف استخدامه ولجوء السكان إلى استخدام الحجارة والأسمنت في مواد البناء.

وقال أبو العبد إن جده عاش في منزلٍ طينيٍّ، ووالده ولد في منزلٍ طينيٍِّ، وهو ما شجَّعه على إحياء هذه الفكرة للشروع في بناء هذا المنزل.

ضرب عصفورين بحجر واحد 

وحسب عامر شاهين أحد العاملين في مجال البناء، فإن بناء المنزل الطيني البسيط قد يتكلف نحو ثلاثة آلاف دولار، مبينًا أن الأمر يحتاج إلى نوعيةٍ معينةٍ من الطين التي يتم مزجها ببعض القش من أجل التماسك وتليينها ومن ثم صبها في قوالب على شكل حجارةٍ ثم تترك عدة أيام لتجف قبل الشروع في البناء.

وابتسم شاهين وهو يقول: “إن الطين المستخرج من باطن الأرض من حفر الأنفاق يُعتبر من أجود الأنواع التي يمكن استخدامها لتجهيز الطوب اللازم للبناء، معتبرًا ذلك إصابةً لعصفورين بحجر واحد؛ حيث يتم حفر أنفاق لكسر الحصار، ثم استخدام التراب في بناء بيوت لتحدِّي الحصار.

وكانت قوات الاحتلال دمَّرت ما يقارب 20 ألف منزل سكني بصورةٍ كليةٍ وجزئيةٍ خلال عدوانها الذي بدأ في السابع والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) 2008م، في ظل أزمة بناء يعانيها القطاع منذ أكثر من عامين ونصف العام نتيجة منع الاحتلال دخول مواد البناء، خاصة الأسمنت والحديد بذريعة استخدامها من قِبل المقاومين الفلسطينيين في بناء الملاجئ تحت الأرضية.

مميزات

وقال جهاد الشاعر الذي أنجز بناء منزل من الطين إن المنزل يتميز بأنه دافئ شتاءً بارد صيفًا، مبينًا أنه لجأ إلى هذا المنزل بعد أن ضاق عليه المنزل الأول.

وأشار إلى أنه كان قد سافر قبل خمس سنوات، وخلال سفره زار بلدانًا عدة تُبنى فيها بيوت الطين، مثل أفغانستان وباكستان واليمن، فأعجب بالفكرة، وواتته فرصة تنفيذها الآن بسبب ظروف الحصار المفروض على قطاع غزة.

حلٌّ مؤقتٌ 

أما الحكومة الفلسطينية برئاسة إسماعيل هنية، التي تحمَّلت بمسؤوليةٍ كبيرةٍ ملف إعادة إعمار ما دمَّره الاحتلال، فوجدت في البناء الطيني خيارًا قد يكون مقبولاً ولو كحلٍّ مؤقتٍ لمواجهة سياسة الحصار الصهيونية.

وأكد المهندس يوسف المنسي وزير الأشغال العامة والإسكان أن الحكومة تسعى إلى تطوير فكرة إنشاء المباني الطينية في إطار عملية تحدِّي الحصار الصهيوني المفروض على القطاع ومواجهته.

وأعلن المنسي في بيانٍ له الأربعاء (29-4)، تلقى “المركز الفلسطيني للإعلام” نسخة منه، أنه تم تشكيل لجنة لإجراء دراساتٍ عمليةٍ لإنشاء نماذج من الأبنية والمنشآت الطينية والاستفادة من ركام وأنقاض المنازل والمباني المدمَّرة.

وقال: “سنقيم نماذج من هذه المباني؛ منها مسجد ومدرسة وعيادة، وسيتم تقييمها كتجربةٍ، ومن ثم البدء في التوسع في تنفيذ هذه المشروعات”.

وأضاف: “إننا بإمكانياتنا المحدودة نستطيع إنشاء مبانٍ ذات طوابق محدودة قد تفي بالغرض”، مشيرًا إلى أن المشكلة تبقى في التشطيبات النهائية للمباني والمنشآت التي يتم بناؤها من الطين، مثل الأبواب والشبابيك والتركيبات الكهربائية والصحية”.

وشدد المنسي على قدرة الشعب الفلسطيني على تجاوز هذه المرحلة الصعبة، موضحًا أن الحكومة تبذل جهودًا كبيرة في التواصل مع الحكومات والمؤسسات العربية والدولية من أجل فتح المعابر وإدخال الأسمنت ومواد البناء القطاعَ وبدء تنفيذ مشاريع الإعمار وإعادة الحياة إلى قطاع غزة.

وعلى رغم قناعة الكثيرين بأن المنازل الطينية لن تشكِّل حلاًّ جذريًا في ظل القرن الحادي والعشرين الذي يتقدم فيه الإنسان ولا يعود إلى الخلف، فإنها تشكل حلاًّ نموذجيًّا مؤقتًا في ضوء البدائل المتاحة، يوفر المأوى للسكان المشرَّدين أفضل من الخيام، وفي نفس الوقت يبطل آثار مفعول الحصار الصهيوني الذي يراد منه الابتزاز السياسي.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات