الجمعة 09/مايو/2025

رسالة أوباما التي فهمتها إسرائيل

رسالة أوباما التي فهمتها إسرائيل

صحيفة الوطن القطرية

رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني المتشدد بنيامين نتانياهو كاد أن يخلق أزمة حادة مع إدارة الرئيس باراك أوباما عند ضربة البداية في العلاقات بين البلدين الحليفين حين بادر وهو في ذروة الانفعال بفوزه الهزيل في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، بإعلان تنصله من الالتزام بالترتيبات التي تم التوصل إليها في مؤتمر أنابوليس الذي حشدت له إدارة الرئيس بوش أكثر من خمسين دولة من دول العالم وعدداً هائلاً من المنظمات الدولية ومنظمات المجتمعات المدنية العالمية المهمة في محاولة حميمة لبلورة تصور مسار سلام إسرائيلي – فلسطيني يبني على إطار دولتين، واحدة فلسطينية، الثانية يهودية، تعيشان متجاورتين في سلام. ولكن المحادثات الأولية بين الجانبين تحت رعاية الولايات المتحدة تعثرت كثيراً لأنها جاءت في الوقت الخطأ. أو في الزمن الضائع لإدارة الرئيس بوش (بلغة أهل كرة القدم). ولهذا السبب لم تكن المتابعة لصيقة ومثابرة بالصورة التي يمكن أن تنجز عملاً هائلاً مثل عملية سلام الشرق الأوسط وفي ذلك الوقت القياسي إذا استدعينا الظرف الزمني بحساب الشهور التي تبقت لإدارة الرئيس بوش في البيت الأبيض عندما افتتح مؤتمر أنابوليس وباشر مداولاته، رغم أن المحاولة بدت في ظاهرها محاولة جادة أراد بها الرئيس بوش انجاز مشروع كبير ينسى الناس والمؤرخين الإرث السالب الذي خلفه الرئيس الأميركي الثالث والأربعون جورج بوش.

نعم، لقد بدت المحاولة جادة، وتدثرت بكثير من السمات الحميمية. ولكنها لم تحقق، في النهاية، شيئاً يعتد به. وعادت جميع الأطراف إلى تلاومها القديم، كل يعلق الفشل على شماعة الآخر.

وهكذا فشل الرئيس بوش في الحصول على مبتغاه الرئيسي الحقيقي من عقد مؤتمر أنابوليس، الذي تمثل في الحصول على انجاز يضاهي به الإرث القاتم الذي خلفته ثماني سنوات عجاف، لا تكاد تجد له فيها شعوب الأرضين جميعاً حسنة واحدة تتذكره بها.

وهكذا غادر بوش الساحة الدولية حاملاً معه كل الخيبات التي تسبب فيها بجهله بأبجديات السياسات الدولية وغروره، ووقوعه في براثن مخططات المحافظين الجدد الذين سوقوا له أوهاماً أكبر من قدراته وطاقاته السياسية والفكرية، فصار كالمنبت في البيد الجرداء، لا أرضاً قطع، ولا ظهرًا أبقى.

وكانت ثانية الأثافي أن بوش غادر الساحة بخيباته الكبيرة ليطل علينا مجدداً صاحب خيبات كبرى آخر هو بنيامين نتانياهو وهو يماثل جورج بوش في جهله وغروره وعنجهيته. ولكن يتفوق عليه باعتقاده بأن “إسرائيل” يمكنها أن توجه السياسات الأميركية عن طريق اللوبي اليهودي في واشنطن. لذلك أراد منذ البداية أن يجرب أسلوبه القديم في التعامل مع القيادات الأميركية، والتشريعية منها خاصة، مع إدارة الرئيس أوباما وتهديدها وتخويفها باللوبي اليهودي، فبدأ المناورة معها بالحديث عن حلول اقتصادية فقط مع الفلسطينيين فيما يختص بعملية السلام، وتأجيل البحث في القضايا الأخرى بحجة عدم وجود شريك فلسطيني في الوقت الحاضر يمكن الدخول معه في مفاوضات سلام.

ولا حظ المراقبون أن رئيس الوزراء نتانياهو اختار أن يطلق تصريحات في غاية الحدة المبطنة ضد الولايات المتحدة في اللحظة التي كانت فيها طائرة المبعوث الرئاسي الأميركي جورج ميتشل تواصل تنقلها وهبوطها في مطارات المنطقة استكشافاً لبداية جديدة للسلام. وجاء في تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي الحادة أن “إسرائيل” لا تسمح لكائن من كان أن يتدخل في ترتيباتها الأمنية التي تضعها لحماية شعبها. وأنها لا تتلقى ولا تنفذ توجيهات ونصائح قد يهدد العمل بها أمنها وأمن شعبها. وأن يهودية الدولة الإسرائيلية هي مسألة غير مطروحة للنقاش. وعلى الفور فهم الرئيس أوباما، وهو رجل لماح وذكي، فهم رسالة نتانياهو الملغومة والتي يريد أن ينسف بها أي محاولة جادة للسلام قد تلزم “إسرائيل” بما لا تريد الالتزام به. ورد الرئيس أوباما بأسلوبه الهادئ، وبتعابيره الموزونة، والصارمة في آن. رد على رئيس الوزراء الإسرائيلي بكلمات قليلة وشافية قائلاً إن الحل الذي تؤمن به الولايات المتحدة، وتعمل من أجل تحقيقه، هو حل الدولتين المتجاورتين في سلام. وعندما قابل المبعوث الرئاسي الأميركي رئيس الوزراء الإسرائيلي تحدث إليه بنفس الكلمات القليلة الشافية. ولكن بقسمات متجهمة ولا تخفى مسحة الغضب الواضحة على وجهه. وقال له إن الحل الذي تعرفه الولايات المتحدة هو حل الدولتين المتجاورتين في سلام.

وتتحدث دوائر واشنطن المطلعة عن أن رسالة حادة وصلت إلى تل أبيب بعد تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير خارجيته من البيت الأبيض حذرت القيادة الإسرائيلية من تخريب خطط الرئيس أوباما للسلام في الشرق الأوسط وهي خطط تهدف إلى إحداث نقلة جديدة تختلف مع كل القديم السائد حتى الآن.

ومثلما فهم الرئيس أوباما فحوى رسالة رئيس الوزراء نتانياهو وتصدى لها بالحزم القوى الذي جعل هذا الأخير يتراجع عن غروره، فهم نتانياهو هو الآخر رسالة الرئيس أوباما التي قالت له بالوضوح الشديد إن ساكن البيت الأبيض الجديد هذا هو شخص لا يقبل أن يغمز جانبه ولن يسمحوا ل”إسرائيل” أن تأكل الجاتو السويسري وتحتفظ به في نفس الوقت.

واضح أن “إسرائيل” تسلمت تلك الرسالة من ساكن البيت الأبيض الجديد، وعلمت ما فيها، وقررت التعامل معها بأسلوب جديد. وتراجعت على الفور عن تصريحات نتانياهو ووزير خارجيته المتطرف الأكبر. وقالت إنها لم تعد تتمسك بشرط قبول الجانب الفلسطيني بيهودية دولة “إسرائيل” قبل الدخول معه في التفاوض. وتقبل الاستعاضة عن يهودية دولة “إسرائيل” بتعبير الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرار التقسيم الصادر في عام 1947 الذي يتحدث عن «دولتين تعبران عن الطموحات القومية للشعبين».

طبعاً اضطر نتانياهو إلى إدخال الكثير من الرتوش التي يلاقي ادخالها هوى في نفوس المجموعات المتطرفة التي تتشكل منها حكومته مثل شرط التصدي للخطر الإيراني المتمثل في استمرار إيران في مشروعها لتخصيب اليورانيوم، ومثل شرط تقديم الولايات المتحدة ضمانات كافية بأمن “إسرائيل” وتوقيع اتفاقيات أمنية خاصة معها. ومثل شرط تزامن المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية مع مفاوضات عربية – إسرائيلية لكي يتم إبرام معاهدة سلام شاملة بين العرب جميعاً و”إسرائيل”. وفي مقابل هذا تعلن “إسرائيل” قبولها بمبادرة السلام العربية لعام 2002 وكإبداء لحسن النوايا ستسحب “إسرائيل” جيوشها من المدن الفلسطينية بالتدريج وتزيل المستوطنات غير الشرعية. ولا يفوت على فطنة أحد أن هذه الرتوش هي من المسلمات المقبولة من جميع الأطراف مع تعديلات بسيطة هنا وهناك. وادخالها كشروط جديدة من قبل نتانياهو هو نوع من حفظ ماء الوجه وليس أكثر من هذا.

مما تقدم نرى أن “إسرائيل” استدارت دورة كاملة لتعود وتقول إنها قبلت بمبادرة السلام العربية لعام 2002، بعد سبع سنوات من الرفض والغرور، لأن أحداً من سكان البيت الأبيض السابقين لم يستطع أن يحملها على إتيان ما تكره من الأفعال.

ويحسن بنا أن نشير إلى المبادرة العربية مجدداً بعد أن عادت هي الأخرى إلى الأضواء من جديد.

فمن يدري: قد تصبح هذه المبادرة أهم فصل من فصول التاريخ العربي الحديث في هذه المنطقة من العالم إذا قدر لها أن تحقق الاختراق المفضي إلى سلام دائم في المنطقة، ذلكم الحلم الحبيس في القلوب التي في الصدور. وهو حلم غير عصي على التحول إلى واقع معاش إذا سارت رياح العالم باتجاه الوجهة التي تشتهيها سفن العالم.

إن كان هناك من تعليق، فإنه يتوجب القول إن المبادرة، على الورق، قد أخرجت إخراجاً جميلاً ومنسقاً. وحملت قدراً هائلاً من الأماني والأمنيات والتمنيات الطيبة. لكن في عالم السياسة، فإن بضاعة الأماني والتمنيات التي لا يدعمها فعل قادر وقاهر عند الضرورة هي بضائع بائرة وكاسدة. واضح أن ذلك كان هو السبب الذي جعل هذه المبادرة تراوح مكانها منذ ما يزيد على السبع سنوات دون أن تجد منقذاً لها من صلف “إسرائيل” وغرورها. أما إحياؤها في هذه الأيام، فهو نوع من التمسك بالأمل.  

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...