السبت 10/مايو/2025

الدور الأوروبي في عملية السلام.. مساعٍ محدودة وتطلعات مأمولة

الدور الأوروبي في عملية السلام.. مساعٍ محدودة وتطلعات مأمولة

صحيفة الخليج البحرينية

يبدو أن العلاقات الأوروبية الإسرائيلية ستشهد تطوراً ملحوظاً في الأيام القادمة، ولاسيما بعد أن حذّرت دول الاتحاد الأوروبي “بنيامين نتنياهو” بتعليق تطوير علاقاتها مع “إسرائيل”، حال رفضت حكومته الجديدة الالتزام بمبدأ “حل الدولتين”، وهو التحذير الذي جاء بحسب البعض في إطار المساعي الأوروبية للقيام بدور سياسي مهم على الصعيد الدولي بصفة عامة، وفي منطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة، وليس هناك ما هو أهم من ملف الصراع العربي – الإسرائيلي كمدخل مهم بهذا الشأن.

وهذا الموقف يعكس الرغبة الأوروبية في مشاركة تتناسب مع طبيعة وحجم العلاقات التي تربطها بدول المنطقة ومع حجم مصالحها الحيوية فيها، مما دفعها لطرح مساهمات عديدة، سواء على المستوى الجماعي أو على مستوى كل دولة على حدة.. تلك المساهمات التي برزت من قبل في صورة مؤتمرات ومبادرات ومعاهدات واتفاقيات، لم يكن لها فقط أثر كبير في النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، بل في عملية السلام بالمنطقة برمتها، فلا يمكن أن نغض الطرف عن أول اتفاقية رسمية مباشرة بين “إسرائيل”، ومنظمة التحرير الفلسطينية التي عرفت باتفاقية أوسلو في عام 1993 وكذلك المفاوضات التي سبقتها والتي بدأت في عام 1991 فيما سمي مؤتمر مدريد ، مروراً بمبادرات متنوعة قدمها العديد من الدول الأوروبية للمساهمة في دعم عملية السلام وحل القضية الفلسطينية والمساهمة كذلك في جهود إعادة إعمار المناطق المنكوبة جراء الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الفلسطينيين، وصولاً إلى مشاركة الاتحاد الأوروبي في اللجنة الرباعية الدولية، المعنية بحل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي ودفع عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط.

وبينما تسعى دول الاتحاد الأوروبي إلى تطبيق سياسة خارجية وأمنية مشتركة، فإن ثمة وجود فروق في مواقفها من التعامل مع القضية الفلسطينية، فعلى سبيل المثال، فإن ألمانيا، وبحكم عقدة الذنب المسيطرة عليها جراء ما حدث مع اليهود في العهد النازي غالباً ما تنحاز ل”إسرائيل”، اعتقاداً منها أنها تكفر عن ذلك الذنب، بل تتعهد دائماً بالمحافظة على أمن “إسرائيل”. بينما يتسم الموقف الفرنسي – إلى حد ما – بالموضوعية والأخذ في عين الاعتبار حقوق الشعب الفلسطيني.

ورغم هذا التباين في المواقف الأوروبية، فإن هناك العديد من القواسم المشتركة التي حددتها بيانات صادرة عن الاتحاد، أشهرها بيان البندقية لعام 1980، الذي اعترف بحق تقرير المصير للفلسطينيين، وإعلان برلين لعام 1999، الذي تضمن الدعوة لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب “إسرائيل”، ويعتبر مساراً تُجمع عليه السياسة الخارجية لدول الاتحاد في التعامل مع القضية الفلسطينية في الوقت الحاضر.

ومع ذلك فإنه على الرغم من حالة التودد والتقارب الأوروبيين – الإسرائيليين التي يرى البعض أنها قائمة، فإن أي محاولة تدخل أوروبي للقيام بدور في عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط وفي فلسطين تحديداً لا تلقى ترحيباً من الجانب الإسرائيلي، الذي يبدو أنه يكتفي بالدور الأمريكي المؤيد والداعم له على الدوام، وذلك للعديد من الاعتبارات التقليدية والمستجدة أولها: اعتقاد “إسرائيل” أن الدول الأوروبية تنحاز دائماً إلى الجانب العربي عامةً والفلسطيني خاصةً.

ثانيها: تصاعد حدة الانتقادات التي وجهتها الشعوب الأوروبية إلى الحكومة الإسرائيلية، في أثناء عدوانها على غزة، ومسارعتها إلى محاولة كسر الحصار الذي فرضته الدولة العبرية على القطاع عن طريق إرسال مساعدات غذائية وطبية إليه.

ثالثها: اعتبار “إسرائيل” أن الموقف الأوروبي قد بلغ مداه بعد مطالبة جمعيات حقوقية أوروبية بمحاكمة قادة “إسرائيل” كمجرمي حرب؛ حيث رفع أكثر من 300 منظمة مدنية، أغلبها أوروبية، شكوى ضد “إسرائيل” إلى المدعي العام للمحاكمة الجنائية الدولية “لويس مورينو أوكامبو” وذلك بتهمة ارتكابها جرائم حرب و”جرائم ضد الإنسانية” في القطاع.

رابعها: الاستطلاع الذي أجرته المفوضية الأوروبية في وقت سابق، والذي أظهرت نتائجه أن معظم الأوروبيين يرون أن “إسرائيل” تمثل تهديداً كبيراً لعملية السلام في العالم.

ولكن المزاعم الإسرائيلية بوجود تحيز أوروبي تجاه العرب والفلسطينيين تبدو أبعد ما تكون عن الحقيقة، فالدور الأوروبي يشهد حالة من الازدواجية تجاه القضية الفلسطينية، ومعها يمكننا وصفه بالمتأرجح ما بين العرب و”إسرائيل”، ولعل أبرز الشواهد على ذلك هو ما كشفته أحداث غزة الأخيرة والجرائم التي قامت “إسرائيل” بارتكابها هناك؛ حيث ظهر فيها الموقف الأوروبي ضعيفًا ومتخاذلاً، وعزز من ذلك الأمر البيان الذي أصدرته رئاسة الاتحاد الأوروبي والذي اعتبر العدوان الإسرائيلي على القطاع يدخل في إطار الدفاع عن النفس، وذلك من منطلق الموقف الأوروبي الذي يحمل حركة “حماس” مسؤولية تدهور الموقف في غزة، وهو موقف مبدئي للأوروبيين منذ بروز “حماس” على الساحة الفلسطينية ورفضهم التعامل معها ما لم تلتزم بشرط الرباعية الدولية، ويبدو أن الحكومات الأوروبية قد اكتفت بالتعاطف الإنساني مع القضية الفلسطينية، واقتصر دورها على مجرد تقديم المساعدات للفلسطينيين.

ولقد عكست تلك المواقف تحيزاً واضحاً في الموقف الأوروبي من المجازر التي ارتكبتها “إسرائيل” في القطاع، وهي مواقف جاءت على خلاف الموقف الشعبي فضلاً عن أن تلك المواقف التي جاءت من جانب تجمع دولي كبير مثل الاتحاد الأوروبي، تمنح “إسرائيل” الضوء الأخضر للتمادي في أعمالها الإجرامية.

ومع ذلك فإن هناك ما يدعو إلى التفاؤل بحدوث تغير فيما يخص القضية الفلسطينية، فالورقة التي أعدتها مؤخراً دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة تهدف إلى الضغط على “إسرائيل” لقبول حل الدولتين والمطالبة بوقف العمليات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.. كما تدعو من خلالها إلى ضرورة استئناف المفاوضات الثنائية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، والأكثر من ذلك هو أن دول الاتحاد صعدت من حدة لهجتها تجاه “إسرائيل”، بل تهديداتها إذا لم تعترف حكومة “نتنياهو” بإقامة دولة فلسطينية جنباً إلى جنب مع “إسرائيل”.

تلك اللهجة الأوروبية الجديدة جعلت البعض يتنبأ بإمكانية دخول العلاقات الأوروبية – الإسرائيلية في مرحلة جديدة بسبب ما أفرزته نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة من تشكيل حكومة يسيطر عليها اليمين الإسرائيلي المتطرف، وهو ما سيلقي بظلاله على مسار عملية التسوية بين الفلسطينيين و”إسرائيل”.

فحزب “الليكود” اليميني – الذي يقود الحكومة الجديدة – المعروف بتطرفه، يرفض حل الدولتين، وعدم التنازل عن أية أراض للفلسطينيين، بزعم أن “إسرائيل” لها الحق كاملاً في أرضها التاريخية، إضافة إلى أنه يدعو إلى إقامة وتوسيع المستعمرات في الأراضي المحتلة، ويتمسك بكون القدس عاصمة أبدية ل”إسرائيل”، ويرفض عودة اللاجئين، ويدعو إلى استمرار بناء الجدار العازل في الضفة الغربية.

ما سبق يدفعنا إلى القول إن تلك المواقف الليكودية من عملية السلام، تضع وخاصة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، “نتنياهو” في حرج كبير دولياً. ولا شك أن أي موقف سيتبناه حزب “الليكود” سيلقي بانعكاساته على العلاقات الإسرائيلية – الأوروبية، تلك الانعكاسات المتوقع حدوثها عبر السيناريوهات الثلاثة التالية:

الأول: تنفيذ التهديدات الأوروبية ل”إسرائيل”، وتعثر العلاقات بينهما في حال عدم قبول “إسرائيل” حل الدولتين وتسوية الموقف مع الفلسطينيين، وهو ما يُستبعد حدوثه، ولاسيما في ظل مواقف بعض الدول الأوروبية التي مازالت تُقدم فروض الولاء والطاعة للدولة العبرية.

الثاني: استمرار الدول الأوروبية في انتقاد السياسة الإسرائيلية من دون أن تتجاوز ذلك إلى موقف عملي تقوده أوروبا تجاه إسرائيل، وذلك ما يُتوقع حدوثه.

الثالث: أن يبقى الحال على ما هو عليه بين الطرفين الأوروبي والإسرائيلي، ولاسيما إذا لعبت السياسة الأمريكية دورها المتكرر في التأثير في الموقف الأوروبي تجاه قضايا منطقة الشرق الأوسط.

والسؤال الذي يطرح نفسه على الساحة الآن: هل هناك دور مهم يمكن أن يقوم به الأوروبيون في الوقت الحالي في عملية التسوية؟

في هذا الشأن، يمكن أن تقبل “إسرائيل” بدور أوروبي في المنطقة شريطة أن يكون امتداداً للدور الأمريكي، ولكن ذلك لا يعطيه مصداقية لدى العرب إلا إذا أكد حرصه بشكل واضح وصريح على إقامة سلام عادل وشامل في المنطقة من خلال تطبيق قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات ذات الصلة بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بامتداداته وفروعه على مدى أكثر من نصف قرن.

وخلاصة القول إن أوروبا تستطيع أن تفعل الكثير في عملية التسوية، وذلك بحكم وزنيها السياسي والاقتصادي الدوليين وخبرتها الواسعة في شؤون الشرق الأوسط، سواء أكان ذلك بحكم ميراث الحقبة الاستعمارية، أم بحكم موقعها الجغرافي المجاور للمنطقة، وذلك الدور الأوروبي المأمول من الممكن أن يتحقق من خلال تنفيذ تهديده بعزلها سياسياً ومقاطعتها اقتصادياً ومحاكمة مجرمي الحرب لدى محاكمه.. إلا أن ذلك يبقى في النهاية من قبيل الأمنيات التي من المؤكد أنها لن تجد طريقها للتحقيق.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات