الجمعة 09/مايو/2025

العرب وخيبة ديربان 2

العرب وخيبة ديربان 2

صحيفة الاتحاد الإماراتية

لا شك أنه بات مقلقاً أن يلاحظ المرء اتساع الفجوة يوماً بعد يوم بين المواقف الدولية الرسمية وبالذات الأميركية والأوروبية وبين اعتبارات العدالة ومعاييرها. يبدو لنا هذا واضحاً بصفة خاصة في قضية الصراع العربي- الإسرائيلي ربما لأننا نعيش تفاصيلها اليومية المتلاحقة حتى وإن كنا غير فاعلين في مجريات هذا الصراع. أقول هذا بمناسبة انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة العنصرية في جنيف أو (ديربان-2)، الذي افتتح في العشرين من هذا الشهر وكان يفترض فيه أن يتابع مؤتمر ديربان الأول الذي انعقد في جنوب أفريقيا في مطلع الألفية الثالثة. فقد سبقت المؤتمر وواكبته وأعقبته موجات هياج مؤيدة ل”إسرائيل” تذكرنا بما حدث في المؤتمر الأول الذي لم يقدر لأصداء نتائجه أن تعمر طويلاً بسبب إعصار أحداث سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأميركية.

في المؤتمر الثاني كان المرء يتصور أن تكون المواقف أكثر إنصافاً بالنظر إلى ما تبدى من عنصرية “إسرائيل” ووحشيتها في عدوانها الشامل الأخير على غزة، وهو عدوان استدعى ردود أفعال سياسية معادية ل”إسرائيل” داخل أوروبا والولايات المتحدة ذاتها، ناهيك عن مردوداته الإعلامية السلبية بالنسبة لصورة “إسرائيل” في العالم، لكن مؤتمر جنيف أوضح بما لا يدع مجالاً لأي شك أن كل هذه التطورات المواتية من المنظور العربي محدودة بالتفاعلات الدولية غير الرسمية، أما النظام الدولي الرسمي فقد بقي على حاله، مع أن ثمة مؤشرات إيجابية كانت قد انبعثت من داخل الاتحاد الأوروبي فيما يرتبط بعلاقته ب”إسرائيل”، ناهيك عن الأمل في أن نكون بصدد سياسة أميركية أكثر إنصافاً في ظل رئاسة أوباما بعد أن مد خطوط الحوار مع الجميع بمن فيهم خصوم امتد التوتر في العلاقة معهم عقوداً كاملة بلغت في الحالة الكوبية على سبيل المثال نصف قرن.

لكن شيئاً لم يتغير على الإطلاق إلى الحد الذي دفع مدير عام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة إلى أن يتساءل في عنوان مقالة له كتبها في إحدى الصحف العربية اليومية “الغرب وتقديس “إسرائيل”… لماذا؟”، وأن يخلص من مقالته إلى إجابة لسؤاله مؤداها أن “انحياز عدد من الدول الغربية إلى “إسرائيل” العنصرية وتأييدها في جميع الأحوال ليسا أمراً مستغرباً، لأن الجميع يمتحون من بئر واحدة هي الكراهية والغطرسة والاعتزاز المفرط بالقوة الذاتية واحتقار حقوق الإنسان غير الغربي”. وقد نضيف إلى هذا السبب أنشطة الجماعات الضاغطة الموالية للصهيونية في تلك البلدان.

سبقت تجليات التأييد ل”إسرائيل” انعقاد المؤتمر، فقد قاطع المؤتمر قبل انعقاده كل من الولايات المتحدة الأميركية و”إسرائيل” وبولندا وألمانيا وأستراليا وإيطاليا وهولندا ونيوزيلندا. أما الذين حضروا فقد كان خطاب الرئيس الإيراني أمام المؤتمر هو كلمة السر بالنسبة لهم، فانسحبت وفود أربعين دولة أخرى أثناء إلقاء نجاد كلمته منها 23 دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي، وعادت بعدها فيما عدا جمهورية “التشيك” التي بلغ بها الغضب مبلغه فأعلنت أنها لن تعود للمؤتمر!

أما عن البيان الختامي للمؤتمر فحدِّث ولا حرج، إذ أجيز على عجل في ثاني أيام المؤتمر، وتحفظت الولايات المتحدة على سطر في مقدمة مسودة البيان الختامي يعيد التأكيد على نص البيان الذي صدر خلال مؤتمر “ديربان-1″، وفيما استبعدت وثيقة جنيف الإشارة إلى الشرق الأوسط و”إسرائيل” تضمن نص بيان “ديربان-1” في2001 ست فقرات عن هاتين القضيتين، أي أن مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة العنصرية يفترض فيه ألا يشير ولو بكلمة على نحو غير مباشر لممارسات “إسرائيل”. وأشار وزير خارجية فرنسا في معرض الدفاع عن الوثيقة الختامية لجنيف “إن مؤتمر ديربان-1 تضمن سيلاً من التصريحات العنصرية فيما يخرج ديربان-2 بنص يتضمن كل ما أرادته الدول الغربية حتى إن لم يكن ممتازاً”. أي أن ما نعتبره نحن من قبيل الخيبة أو التراخي في البيان الختامي لجنيف لا يرضي الدول الغربية تماماً.

وقد يقال إن “التهور” الذي أبداه الرئيس الإيراني في كلمته مسؤول عن هذا المآل إلا أن الأمر كما سبقت الإشارة بدا مبنياً على نية مبيتة بدليل مقاطعة عدد من الدول الغربية الرئيسية المؤتمر قبل بدايته، والنشاط الذي خططت له الجماعات الموالية ل”إسرائيل” قبل المؤتمر. والواقع أنه طالما بقيت قدرة أصحاب الشأن على الفعل -وهم هنا العرب والمسلمون- على ما هي عليه من ضعف أو حتى غياب تام فإن هذه الأوضاع باقية بدورها دون تغيير.

والمشكلة أن أصحاب الشأن لا يجدون حتى الآن طريقهم إلى “الفعل” للتأثير في مجريات الصراع، فهم يراهنون حصراً على التحرك الدبلوماسي، وهو حتى الآن عقيم في مردوده، ولا توجد أية بادرة للتفكير في تغيير هذا النهج، ذلك أن البديل الوحيد الذي نجده مطروحاً في الساحة هو “الكلمة”، أي أن العرب والمسلمين يتصورون أن الكلمة يمكن أن تقوم مقام الفعل، وهم يفرحون كثيراً بجملة أو فقرة في بيان تبدي تفهماً غامضاً لموقفهم، أو تعد بشيء غير محدد لا يدري أحد كنهه. وقد لا يكون بعيداً عن ذاكرتنا -مع الفارق في السياق- الحد الذي ابتهج له العرب بتصريحات رئيس الوزراء التركي أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، ناهيك عن انسحابه من “منتدى دافوس” بعد أن أعلن سخطه على الطريقة التي أديرت بها ندوة جمعته والرئيس الإسرائيلي، وقد اعتبر العرب هذه التصريحات والمواقف الكلامية نقلة نوعية في السياسة التركية مع أنها -أي هذه السياسة- لم تقدم ما هو أكثر من الكلام لقضية غزة في تلك المناسبة.

في كل الأحوال يبدو أصحاب الشأن خارج دائرة الفعل والتأثير، وقد يتأسّون على ما آلَ إليه مؤتمر جنيف أو غيره، وقد يضجرون من عدم استجابة العالم لمطالبهم المشروعة، لكن عليهم في الوقت نفسه أن يتذكروا أنهم ما لم ينتقلوا من دائرة التحرك الدبلوماسي الشكلي والاكتفاء بالكلمة دون الفعل وأحياناً إسقاط الفعل والكلمة معاً إلى دائرة العمل فعليهم أن يتوقعوا أن تبقى حقوقهم معلقة بيد أولئك القادرين على التأثير.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة في الأقصى

عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة في الأقصى

القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام أدى عشرات آلاف الفلسطينيين صلاة الجمعة، في المسجد الأقصى المبارك وباحاته، وسط تشديدات وإجراءات مكثفة فرضتها...

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام وثق مركز معلومات فلسطين "معطي" استشهاد 1000 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر...

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل

الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الجمعة، 4 فلسطينيين خلال اقتحامات متفرقة في مدينة الخليل جنوبي الضفة...