مسح ميداني: جيش الاحتلال دمر المجتمع المدني بغزة خلال الحرب منهجيًّا

صدر تقريرٌ توثيقيٌّ هو الأول من نوعه في كلٍّ من فيينا وغزة اليوم السبت (25-4)، عن الاعتداءات العسكرية الصهيونية على المؤسسات الأهلية الفلسطينية خلال الحرب على غزة، التي نشبت خلال الفترة من 28-12-2008م حتى 19-1-2009م.
ويحمل التقرير عنوان “تدمير المجتمع المدني منهجيًّا”، وهو صادرٌ بالتعاون بين منظمة “أصدقاء الإنسان الدولية” المعنيَّة بالدفاع عن حقوق الإنسان ومؤسسة “الثريا للاتصال والإعلام”، وهي مؤسسة رصد وإعلام.
ويُعنى التقرير بالمنظمات غير الحكومية، وهي الهيئات ذات الطابع المدني التي تعمل ضمن مجالات تنموية مختلفة تطوعية وحرة، وتتناول القضايا والمصالح العامة، وتتسم بالعمل الإنساني والإنمائي المتبادل وتهدف إلى خدمة المجتمع.
فخلال العدوان الصهيوني على قطاع غزة الذي طال الكثير من السكان المدنيين والمواقع المدنية الفلسطينية، قامت قوات الاحتلال بقصف العشرات من المنظمات والجمعيات الأهلية الفلسطينية بصواريخ وقنابل ثقيلة، كما لجأت إلى اقتحام بعضها؛ ما أدى إلى تدميرها بشكلٍ كليٍّ أو جزئيٍّ في معظم الحالات، أو إلى مصادرة وتخريب محتوياتها، وفي حالاتٍ أخرى إلى قتل أو جرح من فيها أو من هم قربها من الموظفين وغيرهم.
ونظرًا لما تمثله هذه المنظمات والمشاريع التابعة من أجزاءٍ مهمةٍ من النسيج الاجتماعي الفلسطيني، والأدوار المهمة التي تقوم بها في ظل الحصار الذي يعاني منه الفلسطينيون في قطاع غزة، وكذلك كثرة المتضرِّرين منها وحجم الدمار الذي لحق بها؛ فقد أدى ذلك إلى مبادرة الباحثين في كلٍّ من منظمة “أصدقاء الإنسان الدولية” ومؤسسة “الثريا للاتصال والإعلام”، برصد الانتهاكات التي قامت بها قوات الاحتلال الصهيوني بحق هذه المنظمات خلال الحرب على غزة، والتي بدأت بتاريخ 28-12-2008م واستمرَّت إلى 19-1-2009م، ثم نشرها على الرأي العام للمزيد من الاطلاع على نتائج تلك الحرب.
وقد شكلت “أصدقاء الإنسان الدولية” و”الثريا للاتصال والإعلام” فريق عمل قام بعملية مسح كبيرة للمنظمات والجمعيات الفلسطينية الأهلية غير الحكومية المتضررة من جرَّاء الحرب الصهيونية على غزة، خلال شهري كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي وكانون الثاني (يناير) من العام الحالي 2009م.
وقد تبيّن من خلال ذلك أن عدد الجمعيات غير الحكومية المدمّرة كليًّا أو جزئيًّا هو 182 جمعية على الأقل.
وبيَّنت نتائج الزيارات وعمليات الرصد لمقرَّات هذه المنظمات والمقابلات مع مسؤولي الكثير منها، نتائج كارثية حلَّت بمبانيها ومشاريعها، وأن حجم الضرر شاملٌ في بعض الأحيان؛ حيث تم تدمير مباني بعض الجمعيات ومشاريعها وبعد ذلك تجريفها وإزالتها بشكلٍ كليٍّ.
وفي أحيانٍ أخرى تضرّرت نتيجةً للقصف العنيف عدة مبانٍ تابعةٍ لجمعياتٍ تضم مشاريعَ متنوعةً؛ فعلى سبيل المثال نجد أن مبنى واحدًا مدمرًا يضم عيادات طبية متنوعة ومصلى وجمعية خيرية وروضة للأطفال.
ويوضح التقرير التوثيقي أنَّ أكثر الجمعيات الأهلية تضررًا من ناحية العدد كانت رياض الأطفال، وعددها 72، ثم النوادي الرياضية وعددها 32.
ويظهر تصنيف منظمات المجتمع المدني وأعدادها المدمرة أو المتضررة، خلال الحرب على قطاع غزة، أن منها 72 من رياض الأطفال، و31 من المؤسسات الرياضية، و14 من الجمعيات الثقافية، و11 من المؤسسات الصحية، و8 من بيوت العبادة التي تشتمل على جمعيات مجتمع مدني، و7 من الجمعيات التعليمية، و6 من الجمعيات التنموية، و6 من الجمعيات الخيرية، و5 من الجمعيات التأهيلية، و5 من الجمعيات الإعلامية، و4 من المؤسسات الزراعية، علاوةً على 13 جمعية من تصنيفات أخرى، وبهذا يبلغ العدد الكلي لتلك الجمعيات 182 مؤسسة مدمرة.
وإلى جانب ذلك تم تدمير 67 من المدارس في قطاع غزة بشكلٍ عامٍّ؛ منها ما عدده 36 تتبع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”.
وقد تم قصف بعض المدارس وهي تعج بالأطفال والفارِّين من القصف؛ ما أدى إلى سقوط 45 فلسطينيًّا في مدرسة الفاخورة وحدها شمال قطاع غزة، بتاريخ 6 كانون الثاني (يناير) 2009.
ويُظهر التقرير أن المشاريع الصحية الحكومية وغير الحكومية قد طالتها ضربات عنيفة للغاية من جانب الجيش الصهيوني؛ ما أدى إلى حرائقَ في المستشفيات والعيادات وتدميرٍ واسعٍ فيها وفي سيارات الإسعاف التابعة لها.
وقد قامت القوات الصهيونية بقصف 11 مستشفى وعيادة غير حكومية، وكذلك ما عدده 33 عيادة تابعة لوزارة الصحة وبعض مرافق “مجمع الشفاء الحكومي”.
ويلفت التقرير الانتباه إلى أن قيادة قوات الاحتلال قامت بالدعاية ضد بعض الجمعيات الأهلية الفلسطينية في قطاع غزة، وادَّعت أن انتماءاتها السياسية سببٌ كافٍ لقصفها وتدميرها، إلا أن “معاينة الآثار الناتجة من عمليات القصف والاقتحام والتدمير لتلك الجمعيات المدنية ومشاريعها وشهادات شهود العيان؛ تؤكد أنَّ تلك السلطات كذبت في ادِّعاءاتها وقامت باستهداف أعداد كبيرة منها.
ويشدد التقرير على أن استباحة القوات الصهيونية المؤسساتِ الأهليةَ المدنيةَ في قطاع غزة، وعدم ترددها في إلقاء القنابل عليها، على اختلاف ميادين عملها وكذلك أعدادها وحجم الدمار الذي لحق بها؛ تُعَد مؤشرات على أن الهدف وراء ذلك كان مواصلة تحطيم دعائم المجتمع الفلسطيني، وأن تلك القوات لا تلتزم باتفاقيات “جنيف” وتعتبر نفسها فوق المحاسبة بسبب الدعم غير المحدود الذي تتلقاه من الولايات المتحدة الأمريكية والكثير من دول الاتحاد الأوروبي.
ويُدين التقرير الهجمات الصهيونية على المدنيين والجمعيات الأهلية والأماكن المدنية وإطلاق قذائف المدفعية والصواريخ من الطائرات الحربية عليها.
كما يؤكد التقرير التوثيقي أن “جرائم هدم الجمعيات الأهلية وقصفها لا تقرُّها أيٌّ من القوانين، وأن الأصل تجنُّبها خلال العمليات الحربية؛ لأنها أهدافٌ مدنيةٌ بحتةٌ، وتدميرها دليلٌ كبيرٌ على عدم صحة ما يدَّعيه الاحتلال بأنه يريد المحافظة على المجتمع الفلسطيني وتنميته.
ويحمِّل التقرير الجديد قوات الاحتلال المسئولية الكاملة عن حماية المدنيين الفلسطينيين في جميع الأحوال، معيدًا إلى الأذهان أنه وفقًا لقواعد القانون الدولي فإنه لا يمكن تبرير قصف وتدمير المؤسسات المدنية.
وقالت منظمة “أصدقاء الإنسان الدولية” ومؤسسة “الثريا للاتصال والإعلام” إنهما إذ تنظران بقلقٍ بالغٍ إلى عمليات الاحتلال العسكرية ضد المدنيين والمنشآت المدنية في قطاع غزة، فإنهما تؤكدان ضرورة تحييد المنظمات غير الحكومية في حالة حدوث عمليات عسكرية، وتعتبر أن تبرير قيادة الاحتلال عملياتِ القصف بنسبة بعض الجمعيات لأطراف سياسية، غير مبرَّرة؛ لأنّ تلك المنظمات مدنيةٌ والقائمين عليها مدنيون وخدماتها كذلك.
ودعا التقرير إلى ضرورة حماية المدنيين ودَعم الشعب الفلسطيني والوقوف بجانبه في مواجهة العدوان، وكذلك إعمار ما تم تدميره خلال الحرب، مؤكدًا حق الشعب الفلسطيني الطبيعي في تشكيل التجمعات وممارسة الأنشطة المدنية من خلالها.
وحذر التقرير من أنَّ “هذه الجرائم المتعمَّدة من جرائم الحرب الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة تعكس مدى استخفاف تلك القوات بأرواح المواطنين الفلسطينيين وجمعياته الخدمية والأهلية وأماكنه المقدسة، معتبرًا أنها أعمال انتقاميةٌ وعقابٌ غير عادلٍ للفلسطينيين خلافًا للمادة الثالثة والثلاثين من اتفاقية “جنيف” الرابعة لعام 1949م بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب.
بينما حث التقرير كل أصحاب الضمائر الحية على العمل الجاد والفاعل لوقف تلك الجرائم؛ فقد خلص إلى دعوة كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي بشكلٍ خاصٍّ إلى وقف الدعم السياسي والعسكري لكافة أنشطة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس تهنّئ البابا ليو الرابع عشر لانتخابه رئيسًا للكنيسة الكاثوليكية
المركز الفلسطيني للإعلام تقدّمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بأصدق التهاني والتبريكات إلى البابا ليو الرابع عشر، بمناسبة انتخابه رئيسًا للكنيسة...

الحصاد المر لـ 580 يومًا من الإبادة الجماعية في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام نشر المكتب الإعلامي الحكومي ينشر تحديثاً لأهم إحصائيات حرب الإبادة الجماعية...

رامي عبده: خطة المساعدات الأميركية الإسرائيلية أداة قهر تمهد لاقتلاع السكان من أرضهم
المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، إن الخطة الأميركية‑الإسرائيلية التي تقضي بإسناد توزيع مساعدات محدودة...

قتلى وجرحى بتفجير القسام مبنى بقوة من لواء غولاني في رفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قتل عدد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وأصيب آخرين في رفح، اليوم الخميس، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، فيما قالت كتائب...

شهيد وجرحى في سلسلة غارات إسرائيلية على جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن لبناني وجرح آخرون، في سلسلة غارات شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على جنوبي لبنان، اليوم الخميس، على ما...

حصيلة الإبادة ترتفع إلى أكثر من 172 شهيدا وجريحا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم الخميس، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 106 شهداء، و367 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

الادعاء الروماني يحيل شكوى ضد جندي إسرائيلي إلى النيابة العسكرية
بوخارست - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مؤسسة “هند رجب” أن المدعي العام في رومانيا أحال الشكوى التي تقدمت بها المؤسسة ضد جندي إسرائيلي إلى مكتب...