الإثنين 12/مايو/2025

بين الحوار ودعم العنصرية

بين الحوار ودعم العنصرية

صحيفة الخليج الإماراتية

كانت التصريحات الأميركية في الأيام الأخيرة لافتة ومؤشرة إلى تحولات في التفكير والمنهج. لكن أسئلة كثيرة منطقية كانت تطرح نفسها حول مدى إمكانية إدارة أوباما في ترجمة مواقفها إلى خطط وقرارات.

الإعلانات الأميركية المتتالية حول الرغبة في فتح صفحة جديدة تجاه إيران واللجوء إلى الحوار بديلاً عن سياسة التهديد والوعيد، ليست مسألة عابرة، وإن كان كثيرون يدركون أن أميركا تعيش مأزقاً في أفغانستان، وهي بحاجة إلى إيران ومساعدتها هناك. لكن هذه الحقيقة ليست جديدة. كانت أيضاً موجودة أثناء ولاية الرئيس السابق جورج بوش، إلا أن إدارته تميزت بالمكابرة وتجاهل الحقائق وممارسة سياسة الهروب إلى الأمام. ولذلك كان الموقف الثابت: إيران ركيزة محور الشر في العالم. لا حوار مع إيران قبل التسليم بالتخلي عن السلاح النووي. اليوم، إيران هي هي. والحقيقة هي هي. لكن الإدارة الجديدة تريد حواراً وتمد يدها وتعتمد أسلوب الدبلوماسية. وكان قد سبق المواقف الأخيرة التي عبّرت عن هذا الاتجاه تسريبات عن أجهزة المخابرات الأميركية تفيد أن إيران لم تصل إلى مرحلة التخصيب النووي وهي لا تريد ذلك فلا مؤشرات حتى الآن على هذا الصعيد! وهي بذلك نقضت أساس الموقف الأميركي طيلة السنوات السابقة، وذكرت بالخطيئة الأميركية تجاه العراق الذي احتلته القوات الأميركية تحت ذريعة ضرورة التخلص من السلاح النووي، حتى اكتشف الجميع أن هذه الذريعة لم تكن سوى كذبة تم اختراعها لتبرير احتلال العراق، ثم تم رفع شعار الديمقراطية في الشرق الأوسط انطلاقاً من العراق، وها هي النتائج الكارثية لتلك السياسة.

في تطور آخر، وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تعلن بوضوح فشل السياسة الأميركية التقليدية التاريخية ضد كوبا. مع إيران اعتراف بفشل سياسة العزل، ومع كوبا اعتراف بفشل سياسة العزل والحصار التي امتدت لعقود من الزمن، ودعوة إلى الحوار وبحث في فك الحصار، وترحيب كوبي بذلك.

ويذكر كل ذلك بكلام وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس، التي اعترفت بخطأ السياسة الأميركية في الشرق الأوسط على مدى ستين عاماً لكنها لم تغير شيئاً فيها!

وفي موقع آخر، مصافحة بين أوباما وشافيز الذي كان يقدم نفسه محيي الشيوعية العالمية والقوة العالمية المواجهة للإمبريالية الأميركية والمهدد الدائم للولايات المتحدة ومصالحها والداعي إلى استخدام سلاح النفط ضدها، والعامل على تجميع قوى سياسية واقتصادية ومجاهدية دولية ضد السياسة الأميركية والمتحول اليوم إلى مرحب بالموقف الأميركي ومفكر بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع أميركا!!

وفي قمة الأميركتين الأخيرة انفتاح أميركي على عدد من دول أميركا الجنوبية المناوئة لواشنطن وسياستها، وعمل جدي لتأكيد الانفتاح وروح التعاون.

ومع روسيا استعداد للتفاوض والبحث في كل شيء بدءاً من الدرع الصاروخية وصولاً إلى المصالح المشتركة بين القوتين العظميين في كل مكان. ومع أوروبا حديث عن شراكة حقيقية وعن رغبة في الحوار وتواضع في طرح الأمور.

اليوم أميركا لا تقدم نفسها دولة فوق الدول. وصاحبة القرار الوحيد في العالم. هي الدولة الأقوى الأكبر الأكثر قدرة على التحرك، لكن ذلك لا يؤهلها للتفرد أو يدفعها إليه.

هذا بحد ذاته تغيير كبير في الذهنية، لكنه ينتظر التحول إلى تغيير في الممارسة. هنا المحك والعبرة والحكمة وفي هذا المعنى لا يمكن القول إن أميركا نجحت. فالسياسة الأميركية التي أعلنت هذه المواقف هي التي أخفقت وفي التوقيت ذاته في تبرير مواقفها في فلسطين والمنطقة العربية. لم تكتف هذه المواقف في تبني كل المواقف الإسرائيلية، وفي التأكيد على حماية “إسرائيل”، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك في جنيف وفي مؤتمر ديربان- 2 حول العنصرية لتقود حملة ضد إدانة “إسرائيل” بأنها دولة عنصرية، وبالتالي لتوفر الغطاء والحماية لها ولتدفع عدداً من الدول إلى مقاطعة المؤتمر بسبب الحديث عن بيان ختامي يدين “إسرائيل”، ولأن الرئيس الإيراني حضر المؤتمر، الأمر الذي أدى في النهاية إلى تغيير في نص البيان لم ترد فيه إدانة ل”إسرائيل”.

“إسرائيل” تعلن بلسان كل قادتها أنها تريد قتل الفلسطينيين وتهجيرهم، وإقامة دولة يهودية، مما يعني طرد غير اليهود أو سحب الجنسيات منهم، وهذا بحد ذاته عمل عنصري، فكيف إذا عدنا إلى اعترافات الضباط والجنود الإسرائيليين بقتل المدنيين الأبرياء الفلسطينيين أثناء الحرب على غزة، وبكل دم بارد، فقط لأنهم مواطنون فلسطينيون.

ألا يعني القتل المتعمد، والتدمير والتهجير واقتلاع الأشجار والمزروعات ومصادرة الأراضي والحصار والتجويع والتعطيش والفصل بجدار عنصري تحدثت عنه محكمة العدل الدولية، ألا يعني كل ذلك أن “إسرائيل” هي دولة عنصرية؟ وكيف تتلاقى الدعوات إلى الحوار والانفتاح من أجل السلم والعدالة في العالم مع توفير الحماية لمثل هذه الممارسات؟ وكيف يمكن الدخول في حوار مع كوبا وإيران وفنزويلا واعتماد سياسة الحوار من أجل الوصول إلى حلول للمشاكل، وفي الوقت ذاته الاستمرار في توفير كل أشكال الدعم لمن يريد فرض الحلول بالقوة والإرهاب والممارسات العنصرية؟

لا بد من الانفتاح على الإدارة الجديدة والتعامل مع المواقف الأميركية المعلنة الداعية إلى الحوار بكل جدية. ولا بد من تشجيع هذا التوجه وإعداد خطة للتعامل معه، لكن في الوقت ذاته يجب التحسب لأسوأ الاحتمالات، لأنه ليس مؤكداً حتى الآن أن إدارة الرئيس أوباما ستكون قادرة في ظل ازدواجية المعايير في التعاطي مع أزمات العالم على إيجاد الحلول لتوفير الأمن والاستقرار.

الرئيس أوباما يقدم نفسه رجلاً ذا طموحات كبيرة وصاحب أحلام كثيرة قادماً من جذور إنسانية وأخلاقية يعتز بها. والرئيس أوباما يقتحم المشاكل بشجاعة ويطلق مواقف ممتازة في أكثر من موقع وحول أكثر من قضية. المهم أن نواكب هذه الحركة وأن نعرف كيف نستفيد منها فيما يخص قضايا منطقتنا وأن نكون شركاء في التغيير والتقرير لا أن نكون جامدين في عالم متحرك بسرعة، أو أن نكون غير فاعلين في تقرير مصيرنا فنتركه للآخرين. والمطلوب: تحـّول أميركي عن دعم العنصرية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات