آخر قلاع الصهيونية

صحيفة الخليج الإماراتية
من المؤكد أن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لم يقصد ولم يرغب في التخفيف من شدة الحملة المتوقعة ضد الصهيونية في المؤتمر الدولي لمناهضة العنصرية “ديربان 2” الذي عقد خلال الأيام الماضية في جنيف. بيد أن اشتراك الرئيس الإيراني في المؤتمر أدى إلى تحوله هو إلى نقطة الجدل الرئيسية فيه، ومن ثم إلى تراجع الجدل حول العنصرية كظاهرة عالمية تهدد الإنسانية جمعاء، وإلى تراجع الجدل حول الصهيونية كإيديولوجية مشبعة بالمفاهيم العنصرية وإلى “إسرائيل” كحصن دولي لهذه الظاهرة.
استغل الزعماء “الإسرائيليون” مشاركة أحمدي نجاد شخصياً في هذا المؤتمر لكي يشنوا هجوماً مضاداً على مناهضي العنصرية في العالم وعلى ناقدي “إسرائيل” والصهيونية. ولقد وجه بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة “الإسرائيلية”، لمناسبة المؤتمر ولمناسبة مشاركة نجاد فيه إلى الدول ال 23 التي قاطعت المؤتمر أو انسحبت منه رسالة جاء فيها: “… فيما تحيي “إسرائيل” ذكرى الهولوكوست، فإنني أكتب إليكم لكي أحيي موقفكم بصدد الامتناع عن الاشتراك ب “ديربان 2″”. ثم استطرد قائلاً: “… إذ تتعرض أهم المعايير الأخلاقية إلى العدوان، فقد اتخذت حكومتكم موقفاً أخلاقياً صارماً، وأن أملي لعظيم في أن يتحول هذا الموقف إلى نقطة تحول في هذه المعركة بحيث يسطع الوضوح الأخلاقي من جديد في عالمنا اليوم”.
إلى جانب نتنياهو انطلق زعماء “إسرائيليون” عديدون ومعهم الإعلام “الإسرائيلي” ومنظمات صهيونية خارج “إسرائيل” في حملة تنديد شديدة بالمؤتمر ونتائجه. إن هذه الحملة توازي في حدتها وشدتها تلك التي شنت على “ديربان 1” والحملة التي شنت على قرار الأمم المتحدة بمساواة الصهيونية بالعنصرية. ولقد اتجهت العديد من هذه الحملات إلى محاولة قلب الطاولة على ناقدي الصهيونية و”إسرائيل”، أي إلى اتهامهم بأنهم من المعادين للسامية، وبأنهم هم لا “إسرائيل” من معتنقي الأفكار والنظريات الصهيونية، وأن عداءهم لليهود لا يقل شراسة وضراوة عن عداء النازيين لها.
تثير شدة الحملة ضد الذين يصفون الحركة الصهيونية أو السياسة “الإسرائيلية” بالعنصرية تساؤلات كثيرة. إن زعماء “إسرائيل” والمنظمات الصهيونية يتجاهلون العديد من المؤتمرات والبيانات والمبادرات الدولية التي توجه الانتقادات إلى “إسرائيل”، ولكنهم يردون بأشد الوسائل السياسية والإعلامية عنفاً على من يقارن الحركات الصهيونية بالحركات العنصرية. ومن الملاحظ أن أشد الزعماء الصهاينة عنفاً في هذا الرد هم عادة غلاة الصقور في السياسة “الإسرائيلية” والأكثر تطرفاً وعداء للعرب. فهم عادة الأعلى صوتاً في تسليط تهمة العداء للسامية على من يقارن بين الصهيونية والعنصرية. فهؤلاء كثيراً ما رددوا أن هذه المقارنات تسحب الشرعية من “إسرائيل”. وسحب المشروعية الدولية من “إسرائيل” يشكل بالنسبة إليهم خطراً على مستقبل “إسرائيل” لأن معركة البقاء التي تخوضها هي ليست معركة عسكرية فحسب، بل هي أيضاً معركة سياسية و”أخلاقية”. ترى هل يكون هذا هو السبب الوحيد الذي يجعل الزعماء “الإسرائيليون” يحولون كل جدال حول عنصرية “إسرائيل” إلى ساحة حرب؟ حتى نجيب عن هذا السؤال علينا أن نجيب عن سؤالين آخرين أيضاً ألا وهما: من هم الذين قارنوا بين الصهيونية والعنصرية؟ وهل حاول هؤلاء الافتئات على الحركة الصهيونية عندما قارنوها بالعنصرية؟
من بين كافة الأسماء التي تتردد في تاريخ الصراع العربي “الإسرائيلي” وفي التاريخ “الإسرائيلي” من الصعب أن يُتهم أفراهام شتيرن بأنه كان معادياً للسامية، هذا فضلاً عن أنه من الصعب أن يقلل المرء من أهميته ومن مكانته لدى حكام “إسرائيل” وأصحاب القرار فيها. فاسم شتيرن يحظى باحترام كبير لدى هؤلاء. إنه من الآباء المؤسسين ل “إسرائيل”، على الأقل كما يقول تلامذته من قادة حزبي “ليكود” و”كاديما”. إعراباً عن مكانته بين زعماء “إسرائيل” أسست الحكومة “الإسرائيلية” قرية “نجمة يائير” تكريماً لذكراه ولأعماله “المجيدة” مثل التخطيط لاغتيال الوسيط الدولي الكونت برنادوت، كذلك أصدرت طابعاً تذكارياً يحمل اسمه ورسمه. وفي الذكرى السنوية لشتيرن يجتمع زعماء “إسرائيل” ويجمعون على الإشادة به وبسيرته.
بالطبع ما من أحد بين هؤلاء الزعماء يعتقد أن شتيرن كان معادياً للسامية، ولكن شتيرن وجه بصفته زعيماً للمنظمة العسكرية القومية في فلسطين (الأرغون) مذكرة إلى حكومة هتلر جاء فيها:
“إذ تعلم المنظمة حقاً بالنوايا الطيبة التي تكنها حكومة الرايخ الألماني وسلطاتها تجاه النشاطات الصهيونية داخل ألمانيا وتجاه مشاريع الحركة الصهيونية لتسفير (اليهود إلى فلسطين) فإنها ترى ما يلي:
1- إن هناك مجالاً للمصالح المشتركة بين إقامة نظام أوروبي جديد مطابق للمفهوم الألماني، والتطلعات القومية الحقيقية للشعب اليهودي، كما هي محددة في برنامج المنظمة.
2- إن التعاون بين ألمانيا الجديدة والروح القومية الشعبية اليهودية أمر ممكن.
3- إن قيام الدولة التاريخية اليهودية على أساس قومي وتوتاليتاري وعقد معاهدة بينها وبين الرايخ الألماني هما في مصلحة استمرار وتطوير مركز القوة الألماني في الشرق الأدنى.
انطلاقاً من هذه الاعتبارات، فإن المنظمة على استعداد إذا تمت الموافقة على التطلعات القومية المشار إليها أعلاه إلى المشاركة النشيطة في الحرب إلى جانب ألمانيا”.
إن هذه المذكرة تشكل جزءاً يسيراً من الوثائق التي لا تكشف تاريخ العلاقة بين الصهيونية والنازية فحسب، ولكنها تقدم أيضاً أدلة محسوسة، وبلسان الزعماء الصهاينة أنفسهم، على التماهي بين النازية والصهيونية، وعلى أن الحركتين تنبعان من منابع فكرية واحدة هي الداروينية الاجتماعية والنظريات العنصرية التي نبتت في فيئها خلال نهاية القرن التاسع عشر.
ذلك هو الوضوح الأخلاقي الحقيقي الذي تسلط المؤتمرات والنشاطات المناهضة للعنصرية الأضواء عليه، أما الوضوح الأخلاقي الذي تحدث عنه نتنياهو فلا يعدو أن يكون سلوكاً معتاداً لرئيس الحكومة “الإسرائيلية”. لقد وصفه مرة دان مريدور أحد السياسيين “الإسرائيليين” الذين شغلوا منصب وزير في حكومة نتنياهو خلال التسعينات بأنه لفرط كذبه، “بهدل الكذب”. ما فعله نتنياهو في التسعينات مرة أخرى ولكن من دون أن ينجح في التستر على عنصرية الصهيونية.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: قرار الاحتلال توسيع الحرب تضحية صريحة بأسراه
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة حماس، إن مصادقة المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر "الكابنيت" على خطط توسيع الاحتلال عمليته البرية في غزة، ...

الأونروا: 66 ألف طفل في قطاع غزة يعانون سوء تغذية خطيرا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، إن أكثر من 66 ألف طفل في قطاع غزة يعانون سوء تغذية خطيرا"،...

احتجاجات في جامعات أميركية تنديدا باعتقال داعمين لفلسطين
واشنطن - المركز الفلسطيني للإعلام شهدت جامعات كولومبيا وجورجتاون وتافتس وقفات احتجاجية منسقة، تنديدا باعتقال أكاديميين وطلاب دعموا القضية...

الكنيست تناقش فرض ضريبة على تمويل المنظمات الحقوقية الناقدة لإسرائيل
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام نددت منظمات حقوقية إسرائيلية، بمشروع قانون ناقشه الكنيست يفرض ضريبة بنسبة 80 % على التبرعات الأجنبية ويمنع...

الجبهة الشعبية تحمل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة الأسير القائد أحمد سعدات
فلسطين المحتلة- المركز الفلسطيني للإعلامحملت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الاحتلال الصهيوني، ورئيس حكومته الفاشية بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه إيتمار...

إصابة 3 مواطنين واعتقالات بمداهمات للاحتلال في الضفة
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامأُصيب ثلاثة مواطنين بكدمات وكسور، واعتُقل آخرون، خلال شن قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الثلاثاء، حملة...

حماس: العدوان على اليمن جريمة حرب وإرهاب دولة ممنهج
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام دانت تدين حركة "حماس" بأشدّ العبارات العدوان الاسرائيلي على اليمن، والذي نفّذته طائرات جيش الاحتلال، واستهدف مواقع...