الاجتماع التحضيري العربي لمؤتمر ديربان – 2.. أطروحات وتوصيات

صحيفة أخبار الخليج البحرينية
أضحت قضية العنصرية والتمييز العنصري إحدى القضايا المهمة التي تطرح نفسها على الساحة العالمية، في ضوء وجود العديد من النماذج والصور لمثل هذه الممارسات في أنحاء شتى من العالم، على الرغم من أن كثيرين ظنوا- ولم يكونوا محقين في ذلك – أن العنصرية ولت، ولم يعد لها وجود على أرض الواقع بعد أن تخطى العالم عتبات الألفية الثالثة.. فمن يستطيع أن ينكر أن الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين سواء في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو داخل “إسرائيل” هي شكل من أشكال العنصرية في أبشع صورها، أو ينكر أن العنصرية مازالت موجودة في الولايات المتحدة وأوروبا، وتمارس ضد الملونين، وأيضاً ضد المسلمين والعرب؟
ولأن استمرار وجود العنصرية أمر لا يليق بعالم بلغ من المدنية والحضارة ما بلغ، سارعت الأمم المتحدة إلى عقد مؤتمر “ديربان” في جنوب إفريقيا في الفترة من 1 إلى 8/9/2001، وهو المؤتمر الذي حضره ممثلو ثلاثة آلاف منظمة غير حكومية، ونجحت فيه دول العالم الثالث- أول مرة- في فرض أجندتها على الدول الغربية حين أصرت على وجوب إدراج موضوع الرق والاعتذار الأمريكي- الأوروبي عنه لإفريقيا، إضافة إلى ضرورة دفع التعويضات، علاوة على مساواة الصهيونية بالعنصرية وإدانة السياسات والممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين باعتبارها عنصرية.. وهو الإصرار الذي تسبب في انسحاب الولايات المتحدة و”إسرائيل” من المؤتمر.
ويعتبر مؤتمر “ديربان” في نسخته الثانية بسويسرا في الفترة ما بين 20 إلى 24/4/2009 خطوة أخرى مكملة للنسخة الأولى منه؛ حيث إنها تأتي لمتابعة مقرراته فيما يخص جهود مكافحة العنصرية.. وانطلاقاً من ذلك فقد سبقته اجتماعات تحضيرية إقليمية كان من بينها الاجتماع التحضيري العربي الذي عقد بالقاهرة في الفترة من 28 إلى 29/3/2009 بالتعاون بين “المنظمة العربية لحقوق الإنسان” و”المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان”، وذلك في إطار تنشيط الجهود العربية من أجل التنسيق فيما بين الدول العربية لتأكيد ما صدر عن “ديربان -1″، السالف الإشارة إليه. وفي الجلسة الافتتاحية أكد الدكتور “بطرس بطرس غالي”، رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، خطورة التمييز العنصري وتهديده للعالم بأسره، ليس على مستوى الأفراد فحسب، بل على مستوى الدول أيضاً، وقد أشار إلى قدرة “ديربان” على التوصل لإجابات العديد من الأسئلة التي طرحها، ومنها: ما هي الأشكال الجديدة للتمييز العنصري، ولاسيما الأشكال المرتبطة بظاهرة العولمة وتقدم التكنولوجيا؟ وما تأثير الهجرة التي ستزداد في إطار العولمة الجديدة في ظاهرة التمييز العنصري؟ وما أثر الأزمة المالية العالمية في التمييز العنصري؟ وهل نجحت الاستراتيجية الجديدة لليونسكو في مكافحة التمييز العنصري وكراهية الأجانب؟ وما هي العلاقة بين الحركات العنصرية والتمييز العنصري، كالصهيونية على سبيل المثال؟
من جهته أشار “محسن عوض”، أمين عام المنظمة العربية لحقوق الإنسان، إلى سعي المؤتمر إلى وضع حلول فعالة في مجال حقوق الإنسان، لافتاً إلى ضرورة وجود دستور عالمي لحماية حقوق الإنسان، فيما توقع “محمود راشد غالب”، مدير إدارة حقوق الإنسان بجامعة الدول العربية، أن تكون هناك فروق في تعريف العنصرية بين مؤتمري “ديربان -1” و”ديربان -2″، ولاسيما لجهة الاستمرار في مساواة الصهيونية بالعنصرية.
وبدوره أوضح “محمد فائق”، المقرر العام للاجتماع وعضو “المجلس القومي لحقوق الإنسان”، أن مؤتمر “ديربان -1” كان اختباراً حقيقياً لقضايا حقوق الإنسان، منتقداً مهاجمة الولايات المتحدة للمؤتمر بعد أحداث 11سبتمبر2001، وذلك للتغطية على انتهاكاتها لجميع حقوق الإنسان، تحت مبرر الحرب على الإرهاب.
وانتقالاً إلى جلسات العمل مهد “راجي الصوراني”، مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان؛ لورقة “مأسسة العنصرية والتمييز العنصري: فلسطين نموذجاً”؛ حيث أشاد بالوثيقة التي خلص إليها “ديربان -1″، على الرغم من أنها لم تدرج “العنصرية” و”التمييز العنصري” كأحد أسباب المأساة التي يعانيها الشعب الفلسطيني، مشيراً إلى مواصلة الدولة العبرية الاعتداء على الفلسطينيين، ودلل على ذلك بعمليات الإبادة الجماعية التي قامت بها قوات الاحتلال خلال عدوانها على قطاع غزة مدة 22 يوماً.
ولفت النظر إلى ارتفاع نسبة العنصرية في العالم بعد “ديربان -1″، بدلاً من انخفاضها، ودعا إلى تنفيذ المواد الخمس عشرة التي خلص إليها المؤتمر، والتي تحمي الشعب الفلسطيني من خطر الصهيونية، ولعل أهمها: توفير الحماية للمواطنين الفلسطينيين، إنهاء الاحتلال بكل أشكاله، تفكيك المستعمرات، إطلاق حركة دولية لمناهضة التمييز العنصري بين الدول، دعم جنوب إفريقيا لتحطيم التمييز العنصري (الابرتهايد).
ثم قام “محسن عوض” بعرض ورقة العمل الخاصة بقضية “مأسسة العنصرية والتمييز العنصري: فلسطين نموذجًا”، وذكر في إطارها العديد من الآليات المستخدمة في التمييز العنصري بالأراضي الفلسطينية، التي تتمثل في: تهجير الفلسطينيين، مصادرة وضم أراضيهم، ارتفاع معدلات الاستيطان، اتباع الدولة العبرية سياسة هدم المنازل لفصل التجمعات الفلسطينية عن بعضها بعضاً، الاستمرار في مخطط بناء جدار العزل العنصري الذي يعد أحد أسوأ الإجراءات العنصرية التي شهدتها الإنسانية، اتباع آلية لتقييد حركة الفلسطينيين من خلال نقاط التفتيش والحواجز والتصاريح، موافقة المحكمة الإسرائيلية العليا على إعدام الفلسطينيين من دون محاكمة.
وفي المقابل تناول العديد من الناشطين السياسيين الفلسطينيين الممارسات اللاإنسانية التي تقوم بها “إسرائيل” في حق الشعب الفلسطيني؛ حيث أوضح “عصام يونس”، الباحث في حقوق الإنسان ومدير مركز الميزان لحقوق الإنسان – أن “إسرائيل” تسعى جاهدة إلى تنفيذ استراتيجية عنصرية، هدفها جعل شتى أشكال الحياة داخل الأراضي الفلسطينية متخلفة، وأن تصبح الحياة فيها أقرب إلى البدائية.
وكذلك أشار الناشط السياسي “جمال جمعة”، إلى المخطط الصهيوني المتبع لتهويد القدس والاستيلاء التدريجي على الأراضي الفلسطينية كافة، الذي يقوم عبر ثلاثة محاور:
الأول: تهويد مدينتي “الجليل” و”النقب” باستقدام يهود جدد يحلون محل السكان الأصليين.
الثاني: تهويد مدينة “القدس”، والترويج لمشروع القدس الكبرى عاصمة أبدية ل”إسرائيل”، والعمل على تنشيط سياسة التغيير الديموغرافي في الخريطة الفلسطينية.
الثالث: العمل على الفصل بين غزة والضفة الغربية.
وعرضت “هايدي الطيب”، الباحثة السياسية بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان، ورقة عمل تحت عنوان: “مسار مكافحة العنصرية والتمييز على المستوى العربي”، وفيها اعتمدت على تحليل القضايا العربية ذات الصلة بأعمال الاجتماع التحضيري من خلال ثلاثة مؤشرات رئيسية: أولها.. موقف البلدان العربية من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وثانيها.. رد فعل الحكومات العربية على الاستبيان الذي أعدته اللجنة التحضيرية للمؤتمر حول مدى تقدم دولها في تنفيذ إعلان وبرنامج عمل “ديربان”، وثالثها.. قراءة في تحليل منظمات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية والعربية للقضايا الإشكالية في العالم العربي.
وأوضحت “الطيب” أن المجتمعات العربية تعاني ظواهر عديدة تتعلق بالممارسات والتمييز العنصريين، أهمها الطابع المؤسسي للعنصرية الذي يعانيه الشعب الفلسطيني، كما وصفت ما يسمى “نظام الكفيل” في البلدان الخليجية، بأنه يُخضع العاملين الأجانب لإجراءات تمييزية، ويضاف إلى ذلك التمييز الذي تعانيه المرأة العربية بشكل عام، ولاسيما لجهة عدم المساواة بينها وبين الرجل.
وقد خلص الاجتماع التحضيري إلى العديد من التوصيات فيما يتعلق بمكافحة العنصرية والتمييز العنصري على الأصعدة الدولية والعربية، التي كان منها: إدانة مظاهر العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وأشكال التعصب وعدم التسامح الأخرى كافة، وإدانة مظاهر وسياسات العنصرية والتمييز ضد مختلف الجماعات الإثنية ومختلف فئات المهاجرين واللاجئين، وإبداء القلق البالغ من الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها مؤتمر “ديربان”، ومحاولات التسييس المفرط لقضاياه، وأكد المؤتمر ضرورة دراسة الصعوبات التي تعرقل وفاء البلدان العربية بالتزاماتها النابعة من مقررات “ديربان” والاتفاقية الدولية للقضاء على أشكال التمييز العنصري كافة، ومتابعة ما انتهت إليه اللجنة المعنية بالقضاء على أشكال التمييز العنصري كافة بشأن الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها “إسرائيل” بحق الشعب الفلسطيني، والتأكيد أن الإدانة وحدها لا تكفي لتغيير الواقع على الأرض أو تخفيف معاناة الضحايا، بل لابد من تضافر جهود كل المجتمع الدولي، لتنفيذ مبادئ الشرعية الدولية وإنهاء الاحتلال، والتعاون مع جامعة الدول العربية ومنظمة “الإيسيسكو” – المنظمة الإسلامية للعلوم والثقافة- لتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وتأكيد أهمية إنشاء اللجنة المستقلة الدائمة لحقوق الإنسان في إطار المؤتمر الإسلامي طبقًا لمقررات قمة “داكار”.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...