الخميس 08/مايو/2025

على مفترق التحولات الكبرى.. ما العمل؟

على مفترق التحولات الكبرى.. ما العمل؟

صحيفة الوطن القطرية

شاركت في «مؤتمر العلاقات السورية – اللبنانية» الذي انعقد أخيراً في دمشق، وأدليتُ بوجهة نظري حيال التحولات الكبرى التي تعصف بعالمنا العربي والعالم الأوسع.

قلتُ إن النظام الدولي، السياسي والاقتصادي، يتداعى مع تفاقم الأزمة المالية العالمية، وإن اقتصادات الدول الصناعية الثماني الكبرى تتراجع وإن حكوماتها تتنازل عن دورها القيادي إلى «مجموعة العشرين»، وبينها دولة عربية واحدة (السعودية) وثلاث دول إسلامية (تركيا، أندونيسيا والسعودية)، وأن رئيس كبرى الإمبراطوريات في التاريخ باراك أوباما يقرر في ضوء ذلك كله التصدي لمعالجة أعتى صراعات عالمنا المعاصر المحتدمة في فلسطين والعراق والسودان وأفغانستان وباكستان، وأن سؤالاً مصيرياً يواجه العرب جميعاً: أي مستقبل لأمتنا المفككة، لاسيما في بلاد الشام التي أضحت منطقة عازلة بين ثلاث قوى إقليمية كبرى (إيران وتركيا وإسرائيل)، وأي دور للقوى الحية فيها إزاء التحديات والتحولات التي تواجهها؟

أول التحديات الكيانُ الصهيوني الاستيطاني السرطاني المدجج بأكثر من 200 رأس نووي. خطره الأعظم كامن في توسعه السرطاني وهيمنته على كامل فلسطين التاريخية، وقدرته على سحق أعدائه بلا رحمة، وانتقاله في ظل قيادة يمينية عنصرية متطرفة إلى مرحلة توسعية جديدة تنتفي معها إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.

يمكن إجمال أغراض الكيان الصهيوني في المرحلة الجديدة وآليات تحقيقها بالآتي:

أولاً، منع قيام دولة فلسطينية سيدة بين النهر والبحر، ورفض القرارات الدولية والمشروعات الأميركية والمبادرات العربية ذات الصلة.

ثانياً، حصر الشعب الفلسطيني في كيانين منفصلين في الضفة الغربية وقطاع غزة، تكون لكل منهما سلطة حكم ذاتي محدود واقتصاد مرتبط باقتصاد الكيان الصهيوني في إطار ما يسمى «الشراكة الإنمائية».

ثالثاً، توطين اللاجئين الفلسطينيين حيث يقيمون حالياً، والتعويض عليهم في إطار مشروع دولي واسع يستفيد منه أيضاً اليهود النازحون من الدول العربية غداة إقامة “إسرائيل”.

رابعاً، إخراج سوريا من حمأة الصراع العربي- الإسرائيلي، وفك تحالفها مع إيران، وإنهاء رعايتها لحركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية في إطار مخطط لتحجيم إيران من حيث هي قوة إقليمية مركزية والحؤول دون امتلاكها قدرة نووية وذلك بالتعاون مع الولايات المتحدة من جهة ومع الدول العربية المناوئة لإيران من جهة أخرى.

خامساً، مباشرة تنفيذ المخطط الآنف الذكر بالقوة بدءاً بإزالة الحضور الإيرانـي الاستراتيجي على حدود إسرائيل في الشمال المتمثل بالتحالف السوري- الإيراني والمقاومة اللبنانية، وفي الجنوب المتمثل بحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في قطاع غزة.

ثاني التحديات الوجودُ الأميركي في المنطقة من حيث شراكته الاستراتيجية مع “إسرائيل” ودعمه اللامحدود لها، ومصالحه النفطية، وسعيه الدائم للهيمنة على دول المنطقة بدعوى حماية مصالحه وصون «أمن إسرائيل».

إزاء فشل إدارة بوش في تحقيق أغراضها العدوانية في المنطقة، تحاول إدارة أوباما بعدها تحقيق الأغراض نفسها من خلال اعتماد خيار المفاوضات مع إيران من دون التخلي، احتياطاً، عن خيار اللجوء إلى القوة، وتشجيع “إسرائيل” دونما إكراه على معاودة المفاوضات مع الفلسطينيين على أساس حل «دولتين لشعبين»، ووقف الاستيطان وصولاً إلى تقرير «الوضع النهائي»، وتشجيع “إسرائيل” على معاودة المفاوضات مع سوريا على أساس الانسحاب إلى خطوط 4 يونيو1967 وذلك في إطار حل يسمح ببقاء المستوطنات الإسرائيلية في الجولان تحت سيادة سوريا إنما في إطار مشروع تنموي مشترك.

غير أن الهاجس الرئيسي للولايات المتحدة يبقى تأمين خروجها من العراق وبالتالي من أفغانستان دونما مهانة مع مراعاة تحقيق ثلاثة أغراض استراتيجية: حماية مصالحها النفطية، صون أمن “إسرائيل”، ومنع إيران من امتلاك أسلحة نووية.

ثالث التحديات الإسلامُ الثوري أو الإسلام الراديكالي المتمثل بحركات المقاومة من جهة ومن جهة أخرى بالدول ذات النظام الإسلامي كإيران والسودان أو ذات النظام الوطني المدني كسوريا. فالإسلام الثوري تحدٍ للغرب الأطلسي ول”إسرائيل” العنصرية من حيث هو قوة شعبية مكافحة من أجل إزالة احتلالهما الجائر للبلدان العربية والإسلامية ورفع هيمنتهما الضاغطة عليها. وهو تحدٍ أيضاً للنظم السياسية العربية والإسلامية المتحالفة والمتواطئة، سراً أو علناً، مع دول الغرب الأطلسي و”إسرائيل” والمستبدة بشعوبها والعاجزة عن الوفاء بمتطلباتها الاقتصادية والاجتماعية.

إلى ذلك، تبقى إيران، والى حد ما السودان، تحدياً محتملاً لجيرانهما إذا ما أخفقتا في مراعاة مصالحهم القومية. فالولايات المتحدة قد تتوصل، في سياق مفاوضات لتحقيق أغراضها الاستراتيجية في المنطقة، إلى صفقة سياسية واقتصادية وأمنية مع إيران. وإذا كان من حق إيران حماية مصالحها وتحقيق مطامحها فإن من واجبها، في إطار الأخوة الإسلامية ووحدة الكفاح ضد الاستكبار والهيمنة الأجنبية وتكامل مصالحها الاقتصادية مع جيرانها، أن تتوخى احترام حقوق هؤلاء المشروعة ولاسيما في الأمور المتعلقة بوحدة بلادهم السياسية وهويتها القومية ومصالحها الاقتصادية الأساسية. ويشار، في هذا المجال، إلى ضرورة مراعاة إيران وحدة العراق وهويته العربية ومصالحه الحيوية في المياه والنفط، وكذلك حقوق دول الخليج العربية في مياهها الإقليمية البحرية وما تنطوي عليه من موارد ومصالح. كما يشار إلى ضرورة مراعاة السودان حقوق جيرانه، ولاسيما مصر، في نهر النيل من حيث أن مياهه مصدر حياة ومجراه أداة اتصال وتواصل ومواصلات.

في المقابل، يقتضي أن يراعي جيران إيران العرب، ولاسيما العراق ودول الخليج، حقوق إيران ومصالحها الاستراتيجية فلا يصطفّوا، كما بعضهم في الوقت الحاضر، إلى جانب دول الغرب الأطلسي في وجه الجمهورية الإسلامية بدعوى أنها أضحت الخطر الأول على الأمة في هذه المرحلة. كما يقتضي أن تتنبّه سوريا إلى مخاطر التفاوض مع “إسرائيل” في هذه الآونة وأن تحرص على تعطيل مخططها الرامي إلى فك تحالفها مع إيران.

ما الخيارات المتاحة والمجزية أمام العرب عموماً وعرب بلاد الشام خصوصاً في وجه التحدي الصهيوني المترع بالعنصرية وإرادة القضم والهضم والاستتباع، والتحدي الأميركي المهجوس بحماية المصالح الحيوية وأمن “إسرائيل” والمسكون بنوازع النجاة من مخاطر الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة بعونٍ من الصناديق المالية السيادية العربية، والتحدي الإيراني المشحون بالتصميم على التحرر من استكبار الغرب الأطلسي وبإرادة بناء القدرة النووية كوسيلة تقدم وكأداة حماية وحصانة استراتيجية إذا اقتضت الظروف؟

لا سبيل، على ما يبدو، إلى انتقاء الخيارات المناسبة لمواجهة التحديات الماثلة إلا بعد الإحاطة بحقائق خمس بارزة:

الأولى، أن عوامل عدة، داخلية وخارجية، أبرزها الأزمة المالية والاقتصادية المتفاقمة، أنزلت الولايات المتحدة عن عرش وحدانيتها القطبية وقيادتها السياسية والاقتصادية للعالم وأكرهتها على التماس العون والمساعدة من دول عدّة ناشئة وصاعدة. كل ذلك انعكس على مكانتها الدولية ونفوذها السياسي وتأثيرها العملاني وضيّق بالتالي من هامش قدرتها على الحركة والمناورة. باختصار، أميركا أصبحت أقل قدرة على الإيذاء وبالتالي على التأثير والتخويف والتوليف.

الثانية، أن “إسرائيل” بلغت ذروة قدرتها المادية والسياسية وبدأت تالياً بالانحدار. وقد اتضح جلياً أنها ما عادت قادرة وحدها، رغم الدعم الأميركي، على كسر إرادة العرب بدليل اندحارها مرتين: الأولى أمام المقاومة اللبنانية في حرب 2006 العدوانية، والثانية أمام المقاومة الفلسطينية في غزة في عدوان 2008 – 2009. من هنا تنبع حاجتها الملحة إلى مصالحة النظم العربية الخائفة من الإسلام الثوري وإلى محالفتها بدعوى التصدي للخطر الأكبر المشترك. كل ذلك لا يجديها نفعاً لأن في مقدور قوى الممانعة والمقاومة مشاغلة العرب المتواطئين وشل حركتهم، كما في مقدور قوى المقاومة الميدانية صد الهجمات على خطوط الصدام الحدودية ونقل الحرب إلى داخل “إسرائيل”.

الثالثة، أن مركز الثقل في العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية قد انتقل إلى آسيا، بل إلى الصين تحديداً، التي أضحى اقتصادها الأكبر في العالم، وكذلك احتياطها المالي بالعملات الصعبة، وقدراتها الإنتاجية الهائلة. والصين بحاجة ماسة إلى موارد الطاقة والوقود ومنخرطة في توظيفات واسعة في التنقيب عن النفط واستخراجه في السودان وغيره من البلدان ذات الاحتياطات النفطية الغنية ما يتيح للعرب التعاون الوثيق معها بولوج هذا الباب بالذات توخياً لاكتساب أسباب القوة والثروة معاً.

رابعاً، بات الإسلام، ولاسيما الثوري منه، قوة كونية صاعدة لا سبيل إلى تجاهلها أو تجاوزها. فهو عالمٌ وَسَط، جغرافياً وسياسياً وحضارياً، ممتد من موريتانيا غرباً إلى ماليزيا شرقاً، ومن جمهوريات آسيا الوسطى شمالاً إلى بلدان القرن الإفريقي جنوباً، يحتوي من الموارد الطبيعية الاستراتيجية كالنفط والغاز واليورانيوم والفوسفات، ومن المضائق الحاكمة كجبل طارق وقناة السويس وباب المندب وهرمز، ومن آلاف ملايين السكان ما يجعل المسلمين المنتشرين على مدى القارات الخمس يشكّلون في مجموعهم نحو سدس سكان المعمورة. كل ذلك يعطي الإسلام والمسلمين وزناً وفعالية في موازين القوى العالمية وهامشاً واسعاً من النفوذ والتأثير.

خامساً، اتضح من تجارب الحرب في العراق وأفغانستان، وخصوصاً في فلسطين ولبنان أن عهد الحروب النظامية قد انحسر، وأن حروب الحاضر والمستقبل ستكون حروباً بين تنظيمات مقاومة شعبية من جهة وجيوش نظامية من جهة أخرى، وحتى بين قوى أهلية مسلحة بمعزل عن وحدات نظامية. ومن لديه شك في فعالية المقاومة وحرب العصابات ضد الجيوش النظامية، فليراجع الدراسة التي وضعها خبراء وزارة الدفاع الأميركية حول الدروس المستفادة من حرب 2006، المنشورة في جريدة «واشنطن بوست» بتاريخ 6/4/2009.

يتأسس على مجمل ما تقدم بيانه صواب التوصية بانتقاء الخيارات الآتية:

أولاً، اعتماد الممانعة السياسية والمقاومة الميدانية سبيلاً لمواجهة “إسرائيل”. ذلك أن لا أمل في المفاوضات مع “إسرائيل” وأميركا. فالأولى عاجزة عن إعطاء العرب تنازلات جوهرية تشجع قادتهم على مصالحتها، والعرب غير قادرين على إعطاء “إسرائيل” تنازلات وازنة تستجيب مطامعها السياسية والأمنية. المقاومة ، إذاً، هي الخيار الوحيد لأن لا وجود عملياً لخيار بديل. الأمر نفسه ينطبق على أميركا وإيران. فلا التنازلات الأميركية المتاحة يمكن أن تغري إيران بالموافقة على وقف تخصيب اليورانيوم وعلى إسقاط

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

إصابة 4 مستوطنين بعملية إطلاق نار قرب جنين

إصابة 4 مستوطنين بعملية إطلاق نار قرب جنين

جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أصيب 4 مستوطنين عصر اليوم الأربعاء، في عملية إطلاق نار استهدفت سيارة قرب مدينة جنين، قبل أن ينسحب منفذ العملية من...