ليبرمان وخيار الحرب

صحيفة الاتحاد الإماراتية
رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديدة بنيامين نتانياهو يرفض حل الدولتين. إذاً، لا دولة فلسطينية. يعني: لا سلام. ولا مكان فعلياً لما تعلنه الإدارة الأميركية الجديدة عن رغبة في حل يقوم على أساس الدولتين. فبين الالتزام الإسرائيلي المعلن من قبل نتانياهو وبين الالتزام الأميركي ثمة فرق كبير على الأقل نظرياً، إلا إذا اعتبرنا واقعياً أن الالتزام الأميركي الثابت والوحيد هو ب”إسرائيل” وأمنها و”حقها في الدفاع عن نفسها “وبتزويدها بكل عناصر القوة السياسية والدبلوماسية والمالية والأمنية والعسكرية لممارسة إرهابها ضد الفلسطينيين وغيرهم لأنها في نظر الأميركيين أيضاً “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”. وبهذا المعنى، فالالتزام واحد. التزام ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه.
وكأن كلام نتانياهو ليس كافياً حتى أطل وزير خارجيته أفجيدور ليبرمان ليعلن: “لا تفاوض في أنابوليس”، يعني لا مؤتمرات دولية لحل القضية الفلسطينية، وهذه نغمة قديمة جديدة. إنهم يريدون الاستفراد ولا يريدون دوراً لأوروبا – إذا أرادت السلام- كما لا يريدون دوراً للأمم المتحدة إلا عندما يحتاجون إليه لتغطية أعمالهم أو تشريعها، ويريدون دائماً منع العرب من الاستقواء بشرعيتها… ويضيف ليبرمان: “لا للحل على أساس الدولتين”. بل مع استمرار مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات وطرد الفلسطينيين من منازلهم وخصوصاً في القدس ومنعهم من الاحتفال ولو بمناسبات متواضعة بالقدس عاصمة للثقافة العربية. فالمفاوضات مع الفلسطينيين “ليست العنصر الأهم” و”التنازلات لن تجلب السلام. فقد تنازلت إسرائيل عن أراضٍ في الضفة والقطاع” كما يدعي ليبرمان. وكانت قد تنازلت عن أراضٍ في سيناء!
إذا سلمنا جدلاً بأنها تنازلت في الضفة والقطاع، فما هو مصير هذه الأراضي؟ ماذا سيفعل عليها الفلسطينيون؟ ألن يعلنوا دولتهم عليها؟ ألن تقوم دولة فلسطينية هناك؟ إدعاء بتنازل عن أراضٍ من جهة ورفض لإقامة دولة من جهة أخرى. إذاً ما هو مستقبل هذه الأرض والتهديد والقصف والاغتيال والتهجير والمجازر الجماعية أعمال إرهابية مستمرة ومفتوحة؟
ثم يقول ليبرمان: التنازلات أدت إلى الحرب في لبنان وعملية “الرصاص المسكوب” في غزة! ما هي هذه التنازلات؟ حصار غزة الدائم. تجويعها. تعطيشها. منع دخول المواد الغذائية والطبية إليها. عمليات الاغتيال؟ وما هي التنازلات في لبنان؟ الانسحاب من الأرض المحتلة وقد تم ذلك بالقوة. نعم بقوة المقاومة وصمود اللبنانيين وإرادتهم دولة وشعباً ومؤسسات! ف”إسرائيل” لم تنسحب لأنها أرادت التنازل. “إسرائيل” انسحبت لأنها لم تعد قادرة على البقاء، ولو كان الأمر نية طيبة واحتراماً للقرارات الدولية، فلماذا لم تنسحب قبل عام 2000؟ ولماذا احتلت الأرض أصلاً؟ ولماذا استمرت بعد الانسحاب تهدد ثم تعلن الحرب. ولماذا بعد القرار 1701 تستمر في انتهاك السيادة اللبنانية والاعتداء عليها؟ ولماذا لا تسلم خرائط القنابل العنقودية المزروعة في أراض تم تحريرها فعلياً، لكنها لا تزال محتلة بهذه القنابل؟ ولماذا يعلن المسؤولون الإسرائيليون منذ أيام تمسكهم بالتحليق فوق الأراضي اللبنانية من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال منتهكين القرار 1701 ومتحدّين الشرعية الدولية ومصرّين على الاستفزاز. ويضاف ذلك إلى سلسلة من الاعتداءات التي حصلت على الأرض اللبنانية المحررة وإلى عمليات خطف لمواطنين لبنانيين حصلت في المياه الإقليمية اللبنانية أو داخل الأراضي اللبنانية؟
إن فلسفة الحكومة الجديدة تقوم على أساس: “أن من يريد السلام عليه أن يذهب إلى الحرب”. هكذا قال ليبرمان. وفي الوقت ذاته يقول: السلام المقصود هو “السلام مقابل السلام”. وهذا يعيدنا إلى الشعارات ذاتها التي رفعت بعد مؤتمر مدريد وبدء الحركة في اتجاه تحقيق تسوية في المنطقة. ما يسمّى بـ”الصقور”، وما يسمّى بـ”الحمائم” أجمعوا قبل وخصوصاً بعد اغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق رابين الذي وقّع اتفاقات التسوية مع الشهيد ياسر عرفات، أجمعوا على هذه النظرية، ولطالما كتبنا عنها ونبهنا إلى مخاطرها. ليس في مفهوم “إسرائيل” سلام عادل وشامل قائم على أساس الأرض مقابل السلام. سلامهم هو الأرض لنا والسلام مقابل السلام. يعني الأرض لنا وعليكم أن توفروا لنا كل عناصر السلام والأمن والاستقرار والهدوء عليها، ونحن بالمقابل نفكّر في عدم الاعتداء عليكم!
ولم يقف ليبرمان عند هذه الحدود، بل ذهب إلى الاستهزاء بمصر ودورها. فهي كانت موجودة وستبقى. يعني هي الجغرافيا ليس أكثر. لا التاريخ ولا الحاضر ولا المستقبل ولا الدور. وكان رد من قبل المصريين. أما قطر، التي تقيم علاقات مع “إسرائيل” ولعبت دور الوساطة بينها وبين أكثر من طرف، وعلى أرضها قواعد عسكرية أميركية مهمة، فهي في نظره دولة متطرفة. أما العراق فدولة غير موجودة، وهنا الطرح الكبير لأن هذه التجربة في نظر ليبرمان وعصابته، هي ما يجب أن يعمم على باقي الدول العربية تفككاً وضعفاً، وهذا ما يلاقيه فيه عدد من أصحاب القرار في الدوائر الأميركية، الذين لا يرون الدول موحدة بحدودها الحاضرة، بل لا بد من تفكيكها وتفتيتها وإضعافها وإثارة النعرات المذهبية والقبلية والعشائرية والقومية فيها. وللأسف تبدو مؤشرات كثيرة لذلك في عدد من الدول العربية… ونتيجة هذا البرنامج الإسرائيلي المعلن على العرب واللبنانيين والفلسطينيين، تتمثل في الاستعداد لحرب جديدة. هذا ما يقوله قادة حكومة نتانياهو وهم يتبارزون في التحضير والتخطيط لمثل هذه الحرب في ظل الإعلان عن تزويد الولايات المتحدة الجيش الإسرائيلي بأسلحة نوعية متطورة وعمليات إسرائيلية نوعية في السودان ضد قافلة عسكرية قالوا إنها تحمل مساعدات مرسلة إلى حركة “حماس”، والحديث عن تهريب سلاح تم من الأردن إلى داخل الأرض المحتلة وفتح السلطات الأردنية تحقيقاً في ذلك، وتركيز “إسرائيل” على هذه المسائل لتبرير ما تقوم به ولاستهداف الدول المعنية.
من داخل “إسرائيل” ارتفعت أصوات تتهم الحكومة بأنها حكومة إرهابية عنصرية وتدعو الأمم المتحدة إلى معاقبتها كما فعلت مع حكومة هايدر في النمسا. فهل نقيم حساباتنا نحن العرب على أساس ما يعلنه وما يحضره ويخطط له الإسرائيليون ونستفيد من أجواء المصالحات ومشاريع المصالحات أو المبادرات التي انطلقت من مواقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله عبد العزيز في الكويت واستمرت ترجمتها بحركة سعودية في اتجاه كل العرب لتأكيد المصالحة؟ هل نستفيد من هذا المناخ ومن المناخ الدولي الداعي أميركا إلى اعتماد سياسة الشراكة ليكون لنا موقف وشراكة أو تعاون مع دول لها مصالحها المشتركة معنا وتحتاجها أميركا اليوم، فنكون جزءاً من الشراكة في الحل في منطقتنا على الأقل وأصحاب تأثير في أكثر من موقع على الساحتين الإسلامية والدولية؟
نحن مقبلون على تطورات خطيرة وأبسط الأمور في مواجهتها أن نعرف كيف نحمي منطقتنا. وكيف نحمي فلسطين. وهنا، تبدو مرة جديدة المسؤولية الفلسطينية التي تتقدم على غيرها من المسؤوليات، فليس مهماً أو نافعاً تبادل الاتهامات بين الفصائل الفلسطينية حول من هو المسؤول عن تعطيل الحوار… لقد آن الأوان لحوار مفتوح وجيد ومنتج ولا ينتظر الإشارات من هنا وهناك ولا يضبط إيقاعه على إيقاع حركة ووتيرة حركة تفاوض هذه الدولة أو تلك مع “إسرائيل” أو أميركا، وذلك كسباً للوقت وتجنباً لإيقاع الفتنة بين الفلسطينيين أنفسهم فيكونون مرة جديدة الضحية.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...

بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل من أوروبا
المركز الفلسطيني للإعلام أكد المسؤول السابق للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأن نصف...

الاحتلال يواصل الإبادة بغزة موقعاً 147 شهيدًا وجريحًا خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم السبت، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 23 شهيدا، و124 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

أوتشا: 70% من سكان قطاع غزة تحت أوامر التهجير القسري
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، أن الفلسطينيين يموتون بقطاع غزة الذي يرزح تحت حصار...