الإثنين 12/مايو/2025

العرب والسلام مع إسرائيل

العرب والسلام مع إسرائيل

صحيفة القدس العربي اللندنية

حين بدأ الترويج لما يسمى “الحل المرحلي” أو “العملية السلمية”، واتجهت معظم الفصائل، ومعظم المستقلين، إلى الترحيب بالعملية، وقفت آنذاك ضد الاتجاه، وكتبت كتابي: “خط النضال والقتال وخط التسوية والتصفية”. وقد دارت حوارات في الصحافة وفي الاجتماعات والندوات، وأثبتت الأيام أن حديث التسوية وقيام الدولة الفلسطينية ما هو إلا حديث أوهامٍ صغيرة اخترعها الذين وجدوا أن مقاتلة العدو الصهيوني مهمة صعبة وطويلة، وأن قيام دولة، مهما كانت مقزمة، وأن تحقيق سلام، مهما اقتضى من تنازلات، يظل أمراً أكثر سهولة وأيسر منالاً.

فكان أن قُدمت التنازلات التالية: 1) التنازل عن الأرض المحتلة منذ عام 1948. 2) التنازل عن عودة اللاجئين. 3) التنازل عن القدس التي ألحقت الآن بالمستعمرات. وحتى الأحياء العربية في القدس، فإنها استلبت، وضُمت إلى المستوطنات المحيطة، ورغم كل ما قام به العدو لابتلاع الأرض وإزالة إمكانية قيام دولة فلسطينية، فإن دعاة السلام من الفلسطينيين الذين اخترعوا الكذبة وصدقوها لم تهدأ رغبتهم بملاحقة “الحلم المخترع”، حتى جروا الدول العربية إلى إطلاق ما يسمى “المبادرة العربية للسلام” في مؤتمر بيروت عام 2002، وبذلك اكتملت دورة “الحلم الفلسطيني” المخترع، وأصبح هناك مشروع عربي: المبادرة العربية للسلام، ورغم ذلك لم تبدِ دولة الاحتلال الصهيوني أي اهتمام بالمبادرة العربية، ولا بالحلم الفلسطيني للتعايش مع العدو، ولو على قطعة صغيرة من الأرض، مع اسم دولة لا مقومات دولة لها.

المهم بالموضوع أن موكب السلام الفلسطيني ما زال يرفع راياته، وما زال يدق طبوله، في الترويج لعملية السلام الموهومة، مع أن العدو الصهيوني يبتلع الأرض، ويبني المزيد والمزيد من المستوطنات، ومع أن حكومة الولايات المتحدة أصبحت تعمل وكأنها أداة من أدوات الحكومة الصهيونية، ومع أن الموقف الرسمي العربي من “السلام المزعوم” يزداد تراجعاً بالرغم من بروز اتجاه صهيوني أكثر عنصرية وعدوانية من كل ما عرفناه من قبل، وقد برز هذا الاتجاه في غزو لبنان سنة 2006، وفي العدوان على غزة في نهاية عام 2008، وفي الانتخابات الأخيرة في الكيان الصهيوني التي جاءت بنتنياهو إلى البرلمان مع فريق شديد الرجعية والعنصرية والعدوانية.

ثورة أم حركة موافقات؟

ونحن نرى أن الانتخابات الصهيونية الأخيرة جاءت لتؤكد أن اليهود الذين احتشدوا في فلسطين تحت عباءة الحركة الصهيونية، وفي ظلال رايتها، باتوا أكثر صهيونية وعنصرية من أسلافهم، وأنهم لا يدافعون عن بقاء الكيان الصهيوني أو بقاء الاحتلال فقط، بل يؤسسون لمشروع هيمنة إقليمي “من النيل إلى الفرات”، كما يقول شعارهم، ولذلك نرى أن حديث السلام هو أضغاث أحلام، وأخلاط أوهام، وأن على الفصائل الفلسطينية والقوى السياسية العربية، وبالأخص على الدول العربية، أن تعيد النظر في أضغاث “أحلام السلام”، ونرى أن يبدأ الاستعداد لمقاومة لا تتراجع ولا تهادن ولا تلين، وأن يتم تعلم دروس صمود غزة ومحاولة غزو لبنان التي أحبطها حزب الله. كما نرى أن علينا أن نسقط “مشروع السلام المزعوم” جملة وتفصيلاً، خاصة بعدما ظهر للقاصي والداني أن العدو لا يريد سلاماً، بل حرباً، ومزيداً من الاحتلال والتوسع والبلاء وطرد السكان.

وها هو نتنياهو، وهو يشكل حكومته، يبشر بحربين لا حرب واحدة، ونتنياهو يريد أن يسجل نفسه في سجل الخالدين في “إسرائيل”، إلى جانب بن غوريون، وإلى جانب رابين. ولذلك فهم لا يخطط لرئاسة الحكومة فقط، بل لاحتلال أرض، وتوجيه ضربات للعرب، في بلاد الشام أو وادي النيل… ولكسر أنف المقاومة.

ونحن ندعو قوى المقاومة للحذر والانتباه، وللاستعداد لتعليم نتنياهو دروساً جديدة في الصمود والمقاومة والثبات والانتصار. وبعد حرب لبنان 2006، وحرب غزة، بات واضحاً أن المقاومة قادرة على تمريغ أنف الجيش الصهيوني وقياداته في التراب، وعلى المحافظة على الأرض والكرامة، وعلى إجبار العدو على التراجع عن مخططاته.

والمطلوب الآن، وبعد كل التجارب، خطة متكاملة للتعامل مع قضية السلام من جهة، ومع قضية الحرب. ولا يجوز أن تظل مبادرة السلام العربية على المائدة، بعد كل التطورات التي شهدتها العلاقات العربية-“الإسرائيلية”، وعلى رأسها العلاقات مع السلطة الفلسطينية.

إن سلام الشجعان في مأزق، والمبادرة العربية في مأزق، وعلينا أن نخرج من هذه المآزق وأن لا نبقى أسرى العناد الصهيوني الذي يرفض كل سلام، لأن بقاء اللاجئين في مخيماتهم ومنافيهم هو مأزق أيضاً.

إن الثورة الفلسطينية التي بدأت ثورة لم تعد كذلك، بل أصبحت “حركة مصالحات”، و”حركة موافقات”، ويجب أن تعود ثورة معادية للإمبريالية الأمريكية، الراعية اليومية للعدو الصهيوني والمغذية له بالمال والسلاح والحماية السياسية والمعنوية. وإذا كنا قد أعلنا الحاجة إلى ثورة فلسطينية جديدة، فإننا نجدد ذلك اليوم، ونحن نرى أن انضمام “حماس” و”الجهاد” إليها يزيد من زخمها، ويعوض نقاط الضعف البارزة والكامنة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات