الخميس 08/مايو/2025

إسرائيل ونهاية التاريخ

إسرائيل ونهاية التاريخ

صحيفة الخليج الإماراتية

التقرير الذي يحمل اسم المجلس القومي للمخابرات الأمريكية، والخاص بتوقعاته للعالم ولوضع أمريكا فيه، بحلول عام 2025، والذي ترافق مع بدء عهد أوباما، يقول: بالنسبة لحلفاء أمريكا التقليديين، خاصة “إسرائيل”، يمكن أن يأتي عليها وقت، تشعر فيه أنها صارت أقل أمناً، نتيجة: اتجاهات التوزيع السكاني وندرة الموارد، ومزيد من التنافس العسكري المكثف في الشرق الأوسط، خاصة إذا كان هناك شك في استمرار ضمانات الأمن الأمريكية.

هذه الفقرة من التقرير الأمريكي، أضع إلى جانبها وفي قراءة للمقارنة ما سمي استراتيجية “إسرائيل” للسنوات العشرين المقبلة، والتي اعتمدتها حكومة أولمرت عام 2008، وهي الاستراتيجية التي تتوقع في أحد فصولها، تغييرات محلية وعالمية مهمة، أبرزها تأثيراً على “إسرائيل”، انتقال مركز الجاذبية العالمية من الغرب إلى ناحية آسيا، بما يحمله من تأثيرات ليست في مصلحتها.

وجدير بالذكر أن تقرير المجلس القومي للمخابرات المكون من 99 صفحة، بعنوان عالم يتحول، تم إعداده لصياغة خريطة للتفكير الاستراتيجي للمستقبل، بتحديد هوية التغييرات الأساسية في العالم، والعوامل التي تحركها، والتحديات والفرص في السنوات المقبلة. ودراسة العناصر والقوى التي يحتمل أن تشكل الأحداث. وهو خلاصة جهد طويل شاركت فيه جميع أجهزة المخابرات في الولايات المتحدة، واستعانت فيه، بساسة، وأكاديميين، وخبراء، ورجال أعمال، بالإضافة إلى عقد حلقات للمناقشة مع شخصيات متخصصة في خمس قارات.

من كل ذلك، يمكن ملاحظة أن مخاوف من أن تفقد “إسرائيل” في ظروف محلية ودولية متغيرة استمرارية ضمانات أمريكا لها، وهي ضمانات تجاوزت الأمن، إلى دعم نزعتها العدوانية التوسعية، ليست مخاوف جديدة. فقد ظهرت هذه المخاوف بقوة، إثر انتهاء الحرب الباردة، وزوال الاتحاد السوفييتي، عام 1992، وطرحت هذه المخاوف للمناقشة، على الجانبين: في المؤسسات السياسية في “إسرائيل”، وبين النخبة في الولايات المتحدة، من أن تفقد “إسرائيل” وظيفتها كجزء من الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة، بعد انتهاء الصراع مع الاتحاد السوفييتي.

وقتها أعرب شمعون بيريز عن مخاوفهم من الارتكان إلى أبدية الرهان على المساندة الأمريكية المطلقة للسياسات “الإسرائيلية”، وتحدث عن علاقات طبيعية مع دول المنطقة.

وفي هذه الظروف ولد مشروعه الذي أطلق عليه اسم الشرق الأوسط الجديد، وظهور بدايات تقبل مفهوم السلام، حين قال: اليوم السلام أهم من الأرض، ونحن نقبل بالدولة الفلسطينية.

لكن هذا بالطبع لم يمنع “إسرائيل” من تنفيذ استراتيجية اعتراض طريق هذا التحول المحتمل. فبدأت على الفور حملة مكثفة داخل الولايات المتحدة، من خلال مؤتمرات، وحلقات نقاش، تديرها مراكز بحوث، وإعلام، ومعاهد أكاديمية، فضلاً عن وفود علاقات عامة من “إسرائيل”، وتحالف منظم مع تيار المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري مع محاولة تثبيت معنى: أن أمن “إسرائيل” جزء من أمن أمريكا، وأن في هذه المنطقة عدواً بديلاً للعدو السوفييتي السابق، وإن “إسرائيل” هي الأكثر اقتراباً منه، وخبرة به.

ثم جاء بوش ومحافظوه الجدد إلى البيت الأبيض، وقادوا انقلابهم في السياسة الخارجية، والذي دفع ب “إسرائيل” إلى قلب استراتيجيتهم، ووصلت سياسات الجانبين، إلى حد التطابق، متجاوزة مرحلة التحيز التي سار عليها رؤساء سابقون.

لقد تأسست “إسرائيل” وشيدت الأساس لوجودها منذ البداية، على ربط وجودها بالقوة العظمى الأولى في العالم، والعيش تحت مظلتها، فقد كانت الإمبراطورية البريطانية تشغل هذه المكانة.

وحين آل الميراث الإمبراطوري في العالم، إلى الولايات المتحدة، فقد نقلت “إسرائيل” مكانها ووظيفتها، إلى الحيز الأمريكي. وظل تاريخ “إسرائيل” ووجودها مشيداً على هذه القواعد.

ويبدو أن المخاوف من تأثير التحولات الجارية في العالم، والشك في قدرة أمريكا على فرض استمرارية ضماناتها الاستثنائية، يضاف إليها إصرار عقائدي في “إسرائيل” على أن تبقى دولة مستثناة، والاندفاع في طريق صدام مع عالم يتغير، قد انعكس في مؤشرات تطرح الآن وبقوة، عن نهاية التاريخ ل “إسرائيل”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات