إخلاء العالم من الأسلحة النووية و..إسرائيل!

صحيفة الوطن القطرية
ثمة إجماع على أن حكومة “إسرائيل” الجديدة تضم مجنوناً اسمه أفيغدور ليبرمان. الحقيقة أنها تضم مجنوناً آخر لا يقل عنه تطرفاً اسمه بنيامين نتانياهو. الفارق بين الاثنين أن جنون ليبرمان هو من الطراز الصاخب، فيما جنون نتانياهو من الطراز الهادئ.
ليبرمان كان دعا إلى إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة للخلاص من المقاومة الفلسطينية و«حماس». حدث ذلك عندما كان زعيماً لحزب وكتلة برلمانية «إسرائيل بيتنا» في المعارضة. اليوم أصبح وزيراً للخارجية في حكومة يرأسها مجنون آخر، ومعه وزراء من حزبه وآخرون يشاطرونه تطرفه، وبيديه سلطات تساعده على وضع أفكاره الفظة موضع التنفيذ.
نتانياهو له سوابق جنونية حتى عندما كان في السلطة. فقد أغضبه مرةً موقف معارض من إدارة بيل كلينتون لإحدى خططه السياسية فهدد بـ «إحراق واشنطن». لم ينفذ تهديده يومئذ لأن المسألة لم تكن تستأهل، بطبيعة الحال، تدبيراً انتقامياً بذلك العيار، فضلاً عن أن للوبي الصهيوني نفوذاً بين صنّاع القرار الأميركيين كفيلاً بتوجيه الأمور الوجهة التي تريدها “إسرائيل” بالتأكيد.
اليوم أصبح نتانياهو رئيساً لحكومة يمينية عنصرية متطرفة، يحفُّ به ثلاثون وزيراً من العيار الثقيل تطرفاً وعنفاً وحمقاً، وتدعمه أكثرية في الكنيست لا تقل عن 69 نائباً، وجموع من المستوطنين الفاشيست لا يقل عددهم عن ثلاثمائة ألف.
لم يكن غريباً، والحالة هذه، أن يخصّ نتانياهو مجلة «اتلنتك» الأميركية، بالتزامن مع منحه الثقة في الكنيست، مقابلةً صحافية حذر فيها الرئيس الأميركي الجديد والعالم بقوله: «إذا لم يسارع أوباما إلى معالجة التهديد النووي الإيراني بنفسه، فأنا سأفعل ذلك».
لم يكتفِ نتانياهو في المقابلة بإطلاق هذا التهديد السافر فحسب بل شفعه أيضاً بما يشبه الأمر إلى الرئيس الأميركي بما يجب أن ينطوي عليه جدول أعماله من أولويات. قال إن أمام أوباما مهمتين عظيمتين: إصلاح الوضع الاقتصادي، ومنع إيران من امتلاك سلاح نووي. بل هو حدد للرئيس الأميركي المهلة الزمنية الممنوحة له لمحاورة إيران: «شهور فقط وليس سنوات»، مبرراً ذلك بأن الخطر الإيراني «تحدٍ تاريخي لحضارة الغرب» وللعالم بأسره الذي يخشى من اليوم الذي تمتلك فيه إيران سلاحاً نووياً. لماذا ؟ «لأنكم لا تريدون أن تمتلك فئة مسيحانية (قيامية) أخروية قنبلة نووية» !
يبدو أن أوباما «امتثل» لـِ «تعليمات» نتانياهو، ولا سيما لجهة النهوض بالمهمتين العظيمتين اللتين أمره بإنجازهما. فقد تصدّر في لندن قمة «مجموعة العشرين» المخصصة لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بأميركا وحليفاتها وبالعديد من دول العالم. كما حثّ الخطى إلى ستراسبورغ حيث تصدر أيضاً قمة حلف شمال الأطلسي التي أحيّت الذكرى الـ 60 لإنشاء هذا الحلف. وعلى هامش الاحتفال التقى أوباما نحو 300 شاب فرنسي وألماني وأطلق في حضورهم مفاجأة مدوّية: «إن انتشار الأسلحة النووية أو سرقة مواد نووية يمكن أن يؤدي إلى إبادة أي مدينة على كوكب الأرض. في مطلع الأسبوع سأضع في براغ (خلال محادثات مع زعماء الاتحاد الأوروبي) برنامجاً للسعي إلى تحقيق هدف إخلاء العالم من الأسلحة النووية» (أي من نحو 25 ألف رأس نووي) «تهدد بفناء البشرية جمعاء».
هل ترسانة “إسرائيل” النووية مشمولة بمبادرة أوباما؟
الرئيس الأميركي لم يشر إلى ذلك. اكتفى بإطلاق تحذير بدا أنه موجه إلى إيران بالدرجة الأولى: «لا يمكن السماح بسباق تسلح نووي في الشرق الأوسط».
بحسب إحصاءات «الكتاب النووي» الصادر عن «معهد كارنيغي للسلام الدولي»، فإن في العالم حالياً بين 23 ألفاً إلى 25 ألف رأس حربي نووي، معظمها في روسيا (نحو 14 ألفاً) والولايات المتحدة (نحو 10 آلاف) وفرنسا (نحو 300) وإسرائيل (لا أقل من 200) والصين (بين 150 و250) وبريطانيا (بين 150 و180) والهنـد (50 إلى 60) وباكستان (نحو 60) وكوريا الشمالية (نحو 10 رؤوس نووية).
قد يكون أوباما صادقاً في تحسسه بالخطر الناجم عن وجود 25 ألف رأس نووي تهدد البشرية بالفناء. لكن مبادرته لتخليص العالم منها تتركز، مرحلياً، على إيران وكوريا الشمالية بالدرجة الأولى. ذلك أن “إسرائيل” عموماً وفي ظل حكومة نتانياهو خصوصاً جعلت من احتمال امتلاك إيران قنبلة نووية قضيتها الأولى. وقد كشفت صحيفة «معار يف» أن زعيم الليكود يشدد في أحاديثه المغلقة على أن قصور “إسرائيل” في مواجهة المشروع النووي الإيراني هو بحجم تقصيرها في حرب أكتوبر 1973، وان هذا ما دفع مسؤولين أميركيين إلى الحديث عن مخاوف من أن تلجأ “إسرائيل”، من جانب واحد، إلى حل هذه المسألة بالقوة العسكرية.
الواقع أن نتانياهو حذر في خطابه الأخير أمام الكنيست من أن «الخطر الأكبر على البشرية ينبع من احتمال «أن يتسلح نظام راديكالي بسلاح نووي، أو أن يتسلح سلاح نووي بنظام راديكالي». هذه الإشارة اللافتة وجدت صداها لدى قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال ديفيد بتراوس الذي أبلغ مجلس الشيوخ أخيراً أن “إسرائيل” قد تهاجم إيران للحيلولة دون امتلاكها سلاحاً نووياً. كما أعرب بتراوس عن خشيته من أن يقود ذلك قوى إقليمية أخرى إلى تطوير مشاريع نووية و«هو ما يشكّل تحدياً واضحاً للأسرة الدولية وخصوصا بسبب الخطر الكامن في احتمال انتقال تكنولوجيا كهذه لجماعات متطرفة»، أي لحركات المقاومة العربية والإسلامية.
تحذيرات بتراوس أُخذت في الولايات المتحـدة على محملين: الأول، إنها من قبيل حثّ إدارة أوباما على وضع تهديدات نتانياهو في الحسبان من أجل الضغط على إيران، في مفاوضاته المرتقبة معها، للتخلي عن برنامجها النووي. الثاني، أنها من قبيل التحوط لإقدام “إسرائيل” فعلاً على مهاجمة إيران من دون استئذان أميركا الأمر الذي يحرج هذه الأخيرة كما دول أوروبا وروسيا والصين.
كِلا التفسيران يجد في أميركا و”إسرائيل” من يؤيده. وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس استبعد في مقابلة مع صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية أن تهاجم “إسرائيل” إيران قائلاً: «أن هذا سيفاجئني جداً… أن يفعلوا ذلك هذا العام». لماذا؟ لأن إيران لن تتجاوز «الخط الأحمر» هذا العام وربما تحتاج إلى عامين أو ثلاثة.
رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الأميرال مايكل مولن قال في مقابلة مع قناة «الجزيرة» القطرية أنه يتفهم قلق “إسرائيل” من الخطر النووي الإيراني، إلاّ انه حذرها ضمناً من النتائج الكارثية لمهاجمتها إيران في وقت يسعى الرئيس أوباما إلى محاورة الجمهورية الإسلامية لإقناعها بالتخلي عن برنامجها النووي.
في إسرائيل” أوردت صحيفة «هآرتس» المستقلة أن رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال غابي اشكنازي بلّغ دنيس روس، المستشار الخاص لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، انه يجب أولاً استنفاد الخيارات الديبلوماسية والعقوبات، لكن على الجيش أن يستعد لخيار مهاجمة إيران، وأن “إسرائيل” لا تستبعد هذا الخيار.
غير أن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي الجنرال عاموس يادلين حذر في عرضٍ قدمه أمام لجنة الشؤون الخارجية والأمن التابعة للكنيست من أن إيران اجتازت العتبة التكنولوجية، أي أصبحت قادرة على إنتاج قنبلة نووية، لكنها لا تسارع إلى إنتاجها لأسباب سياسية، وأن الدمج السليم بين الحوار والعقوبات يمكن أن يؤدي إلى تغيير السياسة الإيرانية.
يتحصّل من هذا الحوار غير المباشر بين المسؤولين الأميركيين والمسؤولين الإسرائيليين أن ثمة اتفاقاً ضمنياً بين الطرفين على وجوب إعطاء أوباما الفرصة والوقت اللازمين لمحاورة إيران واستنفاد الوسائل الديبلوماسية والعقوبات الاقتصادية قبل التفكير باللجوء إلى استعمال القوة معها.
أما إيران فلا يبدو أنها في وارد التراجع عن حقها في استكمال برنامجها النووي وإن كانت لا ترفض، بطبيعة الحال، مبادرة أوباما حول إخلاء العالم من الأسلحة النووية شريطة أن تشمل مبادرته قولاً وفعلاً “إسرائيل” قبل غيرها. غني عن البيان أن إقرار الولايات المتحدة بامتلاك “إسرائيل” أسلحة نووية والإعلان عن أنها مشمولة بمبادرة أوباما أمر بالغ الصعوبة، وسيكافح نتانياهو وغيره من مجانين الزعماء الصهاينة كثيراً للحؤول دون حدوثه. هذا قد يؤدي إلى صدامٍ بين إدارة أوباما وحكومة “إسرائيل” إذا بدا أن الرئيس الأميركي جاد في مبادرته من أجل الحؤول دون فناء البشرية في المدى الطويل والحؤول دون استكمال إيران برنامجها النووي في المدى القصير أو المتوسط. فهل لدى أوباما من القدرة والنفوذ، داخلياً وخارجياً، ما يسمح له بتحدي الصهيونية محلياً وفي كيانها العنصري عبر البحار؟
في هذه الأثناء تثابر إيران على تجميع مختلف أنواع الأوراق السياسية والإعلامية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية لدعم حقها في استكمال برنامجها النووي، كما في مواجهة الحملة الأميركية والصهيونية ضدها في هذا المجال. ولعلها ستحسن استثمار الاستطلاع الدولي الذي أعدته، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، وزارة الخارجية الإسرائيلية تحديداً وأظهر أن 27 في المائة من مواطني العالم يؤيدون “إسرائيل” سياسياً، فيما يرى 35 في المائة منهم أنها دولـة عدوانية، و 24 في المائة أنها دولة متغطرسة. مع العلم أن الاستطلاع لم يشمل الدول العربية والإسلامية ودول أميركا الجنوبية بل اقتصر على 13 دولة فقط، معظمها من الغرب الأوروبي والأميركي.
إن دولةً نووية عدوانية ومتغطرسة لا يؤيدها في العالم إلا نحو ربع المواطنين في دولٍ معظمها أوروبية وأميركية، ولا تؤيدها بالتأكيد الأكثرية الساحقة في الدول الإسلامية والأميركية الجنوبية، لا تستحق من الولايات المتحدة، لا سيما في عز أزمتها المالية والاقتصادية، أي مراعاة أو محاباة لجهة التستر على امتلاكها نحو 200 رأس نووي. فالشعوب التي تطالب بإخلاء ربوع العالم وأصقاعه وبلدانه جميعاً من الأسلحة النووية لن تتوانى، في قابل الأيام ووسط أزمة مالية واقتصادية خانقة وبطالة متفاقمة وعداء متصاعد لتجار الحروب ومجرميها، عن المطالبة بإخلاء العالم أيضاً من دولة عدوانية ومتغطرسة ومعادية لحقوق الإنسان والشعوب والسلام العالمي.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

1500 مواطن فقدوا بصرهم جراء الإبادة في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت وزارة الصحة الفلسطينية أن نحو 1500 مواطن فقدوا البصر جراء حرب الإبادة، و 4000 آخرون مهددون بفقدانه؛ مع نقص...

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، حملة دهم واعتقالات في عدة مناطق في الضفة الغربية المحتلة، تخللها...

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...