السبت 10/مايو/2025

الرد الفلسطيني على نتنياهو

الرد الفلسطيني على نتنياهو

صحيفة الدستور الأردنية

يحتار قادة السلطة في الطريقة التي يردون بها على معضلة نتنياهو، ويتمثل مصدر الحيرة في حقيقة أنهم لا يملكون غير برنامج واحد. برنامج لم يصلح مع أولمرت لكي يصلح مع نتنياهو، أعني برنامج “الحياة مفاوضات” الرافض لأي لون من ألوان المقاومة المسلحة، بل حتى السلمية: ربما باستثناء مظاهرات بمشاركة ناشطين أجانب قرب الجدار في قرية بلعين.

في خطاب هنا يقولون إن الرجل (يعني نتنياهو) لا يؤمن بالسلام ويتساءلون عن كيفية التعامل معه، في ذات الوقت الذي يطالبون فيه العالم بالضغط عليه، وفي خطاب آخر يقولون إن كلمته أمام الكنيست لم تغلق الباب أمام المفاوضات، حيث تحدث عن تعامله مع الفلسطينيين من خلال مسار اقتصادي ومسار أمني وثالث سياسي، مع أن أحداً لم يتوقع منه إعلان الانقلاب على المسار السياسي.

المسار الاقتصادي كما يعرف الجميع هو شقيق المسار الأمني، وهذا الأخير تلتزم به السلطة القائمة من دون تردد. ونتذكر هنا كيف صاغ نتنياهو مصطلح “التبادلية” عندما كان رئيساً للوزراء بين عامي 96 و99، والذي يربط التقدم في المفاوضات وحصول السلطة على عائدات الجمارك والمعونات بوفاء السلطة بما عليها من التزامات أمنية.

اليوم تنفذ السلطة سائر التزاماتها من دون ضغط، وبصرف النظر عن تقدم المفاوضات، وبصرف النظر عن وفاء الطرف الإسرائيلي بالتزاماته، إذ تدار مؤسسة الأمن بحرفية عالية تحت إشراف الجنرال دايتون، وبتعاون أمني يشهد له الإسرائيليون، بينما تبقى الحواجز ويتواصل الاستيطان، ومعه المداهمات والاعتقالات: وحتى الاغتيالات إذا لزم الأمر.

أما السلام الاقتصادي الذي يتحدث عنه نتنياهو فقائم بالفعل، وخلاصته حصول السلطة على المعونات وعائدات الجمارك، مع تسهيلات لعقد المؤتمرات الاقتصادية عبر الحصول على تأشيرات دخول للمشاركين فيها من سلطات الاحتلال. ويبقى السياسي، وعنوانه المفاوضات التي قال نتنياهو إنه لن يوقفها مع الفلسطينيين.

هذه هي الحقائق التي تجاهلها حوار القاهرة الذي لا يعني بالنسبة للسلطة غير الوصول إلى مربع الانتخابات التي يعتقدون بقدرتهم على كسبها بأية طريقة كانت (دفع حماس إلى الاعتراف بدولة الاحتلال جزء من إرادة التشويه وليس شيئاً آخر)، وبالطبع من دون دفع أية استحقاقات ملزمة للمستقبل، لاسيما تلك المتعلقة بإعادة تشكيل منظمة التحرير، والنتيجة هي عودة القوس إلى باريها، والشرعية العتيدة إلى أصحابها، ومن ثم المضي في برنامج السلطة والمفاوضات، سواء وصلت إلى نتيجة سريعة، أم استمرت وبقيت السلطة (الدولة) القائمة على حالها ما دام الخيار الآخر (المقاومة) نوع من العبث.

من هنا قلنا ونقول وسنظل نقول، إن مضمون حوار القاهرة لا يمت إلى المصلحة الفلسطينية الحقيقية بصلة، وهو خيار المضطر بالنسبة لحماس بعد ورطة الانتخابات والحسم العسكري: وفي ظل الحاجة لإعمار القطاع وتخفيف العبء عن فرعها المطارد بقسوة في الضفة، بينما هو عودة ضرورية إلى الخيار الإستراتيجي بالنسبة لمن يريدون العيش في ظل الاحتلال والتمتع بتسهيلاته.

لقد رفضنا مشاركة حماس في الانتخابات من الأصل، وقلنا إن لهذه السلطة استحقاقاتها التي يستحيل التمرد عليها (حاول عرفات ذلك فانتهى مقتولاً)، أما ديمقراطيتها فيجب أن تفضي إلى النتيجة التي يريدها المحتلون، وإلا انقلبوا عليها، ولذلك فإن خدمة القضية لا يمكن أن تمر من خرم الحفاظ على سلطة لا تتنفس إلا من رئة الاحتلال، وليس ثمة عاقل يعتقد أن المحتل يمنح الحياة لمن ينغص حياته، ويجعل وجوده مكلفاً.

الانتخابات المقبلة إما أن تفضي إلى فوز حماس فيعود مسلسل الحصار من جديد، وإما أن تفضي إلى فوز فتح فتستمر الملهاة الحالية (سلطة في ظل الاحتلال تحافظ على أمنه مقابل المعونات، ومفاوضات لا تأتي بنتيجة أو تفضي إلى حل بائس مشوّه).

لو عادت فتح إلى روحها وجذورها لكان بالإمكان التوافق على مسار جديد عنوانه المقاومة، لكن بقاءها على هذا الحال يعني أننا سندفع الكثير قبل الوصول إلى تلك النتيجة، وقد ندفع أكثر لمواجهة حل مشوّه قد تتوصل إليه قيادتها خلاصته دولة كانتونات على القطاع وأجزاء من الضفة الغربية من دون عودة اللاجئين.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات