الفلسطينيون متفائلون في انتظار النتائج العملية

صحيفة الوطن القطرية
قبيل التئامها بوقت كاف، اتجهت الأنظار باهتمام ملحوظ إلى قمة الدوحة العربية في قطر، والتي عقدت في ظروف عربية استثنائية بعد سلسلة من التحولات التي وقعت في الحالة العربية، وبعد سلسلة من التفاعلات الدولية كان أبرزها الأزمة العالمية الراهنة، التي لم تكن أقل شاناً من تحولات الحالة العربية.
قمة الدوحة ومعطيات التفاؤل
ففي ظل هذه المعطيات الجديدة والراهنة، عقدت قمة الدوحة باستبشار وتفاؤل، دون عراقيل في مناخ وبيئة أكثر قابلية للنجاح في علاج الملفات الشائكة التي وضعت على طاولة البحث من فلسطين ولبنان إلى العراق والسودان، وصولاً لقضايا التعاون والعمل العربي المشترك على كافة الأصعدة والجوانب، حيث يلاحظ المراقب نوعاً من الهدوء النسبي في التعاطي مع القمة مقارنة بقمم عربية سابقة شهدت كل أنواع الصخب السياسي والضغوط الشديدة فكان مجرد انعقادها انجازاً كبيراً كما كان الحال في قمة دمشق العام الماضي.
كما وجاءت قمة الدوحة بعد شهرين تقريباً من العدوان الإسرائيلي الواسع وغير المسبوق على قطاع غزة، وهو العدوان الذي ترك بصمات كبيرة على مسار الفعل السياسي في الشرق الوسط، وعلى المسارات المحتملة لعملية التسوية المأزومة على مساريها الفلسطيني والسوري مع الدولة العبرية الصهيونية، كما ترك بصماته المباشرة على مسار العلاقات العربية – العربية كما حصل في قمة غزة التي عقدت في الدوحة أيضاً وقمة الكويت التي تلتها، وهي القمة التي شهدت تقاربات عربية – عربية مؤثرة، فتحت الطريق أمام تنقية الأجواء بين كل من سوريا ومصر والسعودية ودولة قطر، وحصول الارتياح النسبي الملحوظ في العالم العربي نتيجة ما جرى في الشهرين الماضيين من خطوات عربية – عربية باتجاه المصالحات، مع الحث والرغبة الموجودة للانتقال إلى التضامن الفعال الذي يحقق الأهداف المرجوة القطرية والقومية في آن واحد. فالمصالحة العربية طريق لابد منه لبلورة إستراتيجية عربية أكثر وضوحاً للقضايا الراهنة، بما في ذلك المبادرة العربية للسلام، في ظل مجريات الأحداث داخل كيان دولة الاحتلال الصهيوني وصعود اليمين المتطرف. كما تأتي قمة الدوحة العربية بعد الصعود المتزايد لتيارات التطرف داخل “إسرائيل”، وتعالي الأصوات الرافضة هناك لمنطق الشرعية الدولية الذي استندت إليه مبادرة السلام العربية، والتي سبق وأن تم إطلاقها من قمة بيروت العربية في مارس 2002م.
فصعود اليمين الصهيوني بشقيه العلماني والتوراتي أهال التراب مجدداً على عملية سلام ميتة ومأزومة، وأعاد من جديد تذكير العرب رسميين وغير رسميين بأن منطق السلام العادل مازال بعيداً عن أجندة المجتمع الإسرائيلي الصهيوني، وبالتالي مازال بعيداً عن متناول اليد، وأن منطق التساهل العربي والانزلاق في الحديث الإعلامي المتواصل عن الاستعداد العربي لسلام الشرعية الدولية بات يولد فعلاً معاكساً داخل “إسرائيل” عبر الجنوح والانزياح المتزايد للتيارات السياسية والحزبية نحو التطرف وسيادة منطق التشدد مع العرب، ومحاولة فرض الإملاءات عليهم، كما في استضعاف الفلسطينيين والاستفراد بهم، وانزلاق شهيتها نحو ممارسة كل أشكال العدوان ليس ضد الشعب الفلسطيني في فلسطين بل وضد البلدان العربية المجاورة لفلسطين.
قمة الدوحة والمصالحة الفلسطينية
كما عقدت قمة الدوحة العربية، والأوضاع العربية بشكل عام أمام مجموعة من القضايا المفصلية التي تهم العالم العربي وتمس مصيره ومستقبله، وهي قضايا باتت تتطلب إجابات عربية واضحة وصريحة دون لبس أو غموض، ودون أي تكرار للمكرر في المواقف العربية المعلنة بالنسبة للتسوية السياسية مع الاحتلال الإسرائيلي، وبالنسبة لموضوع الوحدة الوطنية الفلسطينية، وبالنسبة للعراق الجريح الذي مازال يئن بعد خمس سنوات من ليل الاحتلال والتمزيق والتفكيك، وبالنسبة لملف السودان، وهو الملف الطازج على طاولة الأزمات العربية والدولية.
كما جاءت القمة أيضاً، والحال العربية الرسمية أصلح نسبياً من الحال السابقة قبل مرحلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث تسيطر الآن على الأجواء العربية مناخات التهدئة المتبادلة، بل ومناخات المصالحات العربية – العربية، فقد باتت معظم الأطراف الرسمية العربية على قناعة راسخة بأن الدفاع عن الذات وعن المصالح القطرية قبل القومية لا ينفصل إطلاقاً عن ضرورة تنقية الأجواء العربية، والكف عن المشاحنات والتوتير المتبادل، وإنهاء سياسة المناكفات والقطيعة التي مزقت الجهد والجسد العربي طوال الفترة الماضية، وأثقلت كاهل الفلسطينيين على وجه الخصوص، حيث انعكست عليهم الحال العربية الممزقة، وهي الحال التي لم يكن ممكناً لها أن تقدم يد العون للشعب الفلسطيني، وأن تساعد على رأب صفه المنقسم. فالفلسطينيون في نهاية المطاف على كافة مستوياتهم الرسمية والفصائلية جزء لا يتجزأ من منظومة ومكونات الحالة العربية الرسمية والشعبية بايجابياتها وسلبياتها. وبالضرورة فان سلبيات الحال العربية تصيب الفلسطينيين قبل غيرهم نظراً لتداخلات الوضع الفلسطيني بالأوضاع العربية، والارتباط العميق لمسارات العملية السياسية بجدلها العربي والفلسطيني.
وغني عن القول أيضاً، بأن قمة الدوحة جاءت بعد أن سارت القوى الفلسطينية مجتمعة بخطوات لا بأس بها على طريق إصلاح ذات البين وإنهاء الانقسام الداخلي. فالأجواء الفلسطينية الداخلية الأخيرة، وحالة الانفراج النسبي بعد انتهاء المرحلة الأولى من أعمال لجان الحوار الوطني الفلسطيني الخمس التي عقدت في القاهرة، فرضت نفسها على جدول أعمال قمة الدوحة لجهة إسباغ الشرعية العربية على مجريات حوارات القاهرة ووضع المصالحة الفلسطينية تحت الرعاية العربية التامة تنفيذاً لقرارات قمة دمشق العربية التي سبق وأن اتخذت قرارها بهذا الشأن، وهو أمر لا ينتقص من أهمية الدور المصري الاستثنائي على هذا الصعيد بل يعززه، حيث لا ينتقص من القول بضرورة استمرار الفعل المصري الايجابي في المصالحة الفلسطينية رعاية ومتابعة.
وفي هذا الإطار، فإن منطق التفاؤل يسود الآن بالنسبة للمصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، مع الزخم الجديد الذي قدمته قمة الدوحة، والدفع باتجاه انجاز المصالحة المنشودة وطي صفحة الانقسام في فلسطين، حيث آمال الفلسطينيين كبيرة لاتخاذ خطوات متقدمة على المستوى العربي للمساعدة في رأب الصدع الداخلي في الساحة الفلسطينية، ومساعدة الفلسطينيين للخروج من محنة الانقسام الداخلي التي كبدتهم خسائر فادحة في كل الميادين.
قمة الدوحة والهم الفلسطيني
إن الفلسطينيين متفائلون بقمة الدوحة العربية، لجهة الأمل بترجمة الأفعال والتحركات إلى واقع ملموس من أجل انجاز العديد من المواضيع المطروحة على القمة العتيدة، وأول ما هو مطروح ضرورة الإسهام العربي الفعال بتحقيق المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية كما أسلفنا أعلاه، وإعادة بناء الوحدة الوطنية بعد سنوات من الانقسام. واستكمال الحوارات الفلسطينية الداخلية تحت الرعاية العربية الشاملة، مع تبني وجهة نظر عربية محددة لدعم حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية القادمة على المستويات الدولية، وفرض التعامل معها باعتبار أنها تعبر عن مكونات الشعب الفلسطيني وخياراته الوطنية والسياسية.
إضافة إلى ذلك، ينتظر الفلسطينيون متفائلين بحراكات نتائج ما بعد القمة لجهة توحيد الموقف العربي الرسمي في دعم الفلسطينيين في قطاع غزّة والضفة الغربية وعموم مناطق تواجده، وبدعم الحكومة الفلسطينية القادمة على كل المستويات مهما كان شكلها أو لونها أو أعضاؤها، وإسنادها في مهامها الكبرى الملقاة على عاتقها من أجل انجاز مهمات إعادة بناء قطاع غزة، وكسر الحصار وفتح المعابر وفي مقدمتها معبر رفح، وتقديم المساعدات العربية السخية وغير المشروطة ولملمة الجراح وإعادة البناء، وضمان تدفق أموال المساعدات العربية لأبناء فلسطين في عموم الأرض المحتلة، وحماية وحدة الصف الفلسطيني من تدخلات الدول المانحة عبر المساعدات التي تريد الولايات المتحدة و”إسرائيل” تسييسها وربطها بتنازلات جوهرية تمس المشروع الوطني الفلسطيني، وبالتالي تحرير إرادة السلطة الفلسطينية من الارتهان للمساعدات التي تبتزها وتتحكم بسياساتها.
فضلاً عن ترجمة المواقف الاجماعية العربية لواقع عملي في دعم فلسطينيي الداخل، وللمساهمة في وقف عمليات الاستيطان التهويدي الجائر، وحماية فلسطينيي الأرض المحتلة عام 1948 من التهجير والترانسفير كما يسعى ويؤكد وزير خارجية الدولة الصهيونية القادم أفيغدور ليبرمان. وفي هذا السياق أيضاً فان مدينة القدس ومصيرها ينتظر من العرب وقفة جدية في التضامن معها ومد يد العون من أجل مساعدة أهلها في حماية المقدسات، وفي التصدي لحملات التهويد الهادفة لإنهاء طابعها العربي الإسلامي والمسيحي، وذلك عبر إجراءات عربية جدية تتجاوز منطق النداءات والبيانات التي لا تمنع منزلاً من الهدم في قلب المدينة في حي البستان، أو في أي مكان داخلها وعلى تخومها، وها هو المسجد الأقصى أوشك على الانهيار نتيجة الحفريات الجائرة أسفله وعلى محيطه، كما تقول الدوائر الإسلامية داخل المدينة. ومن هنا تأتي أهمية إعادة تفعيل صندوق القدس لتوفير المساعدات المالية وغيرها لعموم المؤسسات الوطنية الفلسطينية الصامدة داخل المدينة وفي مناطقها المحيطة. وأول المطلوب عربياً يتمثل بضرورة قطع العلاقات بين أي طرف عربي ودولة الاحتلال.
وباختصار شديد، نعيد القول بأن الشعب الفلسطيني الذي تفاءل بقمة الدوحة، يأمل بإعطاء الأوضاع في فلسطين أولوية حقيقية لجهة دعم وإسناد صمود الفلسطينيين وإعادة إعمار غزة، وتفعيل صندوق القدس لدعم صمود المقدسيين في مواجهة تهويد المدينة، والعودة إلى اتفاقية المقاطعة العربية، وإلى معاهدة الدفاع العربي المشترك، واتخاذ الخطوات السياسية والعملية لدعم المقاومة والممانعة والوحدة الوطنية الفلسطينية، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً مع اعتبار القضية الفلسطينية قضية عربية وإسلامية وليس مجرد شأن فلسطيني فقط.
قمة الدوحة وباقي الملفات الساخنة
وكما هي ضرورة فلسطينية، فان قمة الدوحة العربية، جاءت أيضاً كضرورة قومية من أجل إعادة صياغة وتعزيز مفهوم الأمن القومي العربي مع التطورات اليومية على المسرح الدولي، وفي مناخ يتحول فيه الأمن إلى صناعة قائمة بذاتها بحجة مكافحة الإرهاب، فقد حان الوقت كي يغادر العرب الموقع «الصفري اليتيم» فاقد الوزن والتأثير نحو موقع آخر يليق بهم وبقدراتهم وبتاريخهم ، وبإمكاناتهم المادية المتعددة. فقد حان الوقت ليمسك العرب بملف العراق، لاشتقاق واتخاذ سياسات عربية موحدة بشأن العراق والسودان. فالعراق الجريح مازال يئن تحت أوجاع الاحتلال مع مرور خمسة أعوام من وجود الاحتلال، ومراوحة حال العراق بين انفلات الأوضاع الداخلية فيه، واستمرار سعي البعض لتفكيكه وتفكيك وحدته الوطنية. ومن هنا أهمية الرؤية العربية الموحدة تجاه العراق على ضوء القرار الأميركي بالانسحاب في غضون
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

ألبانيز: الجميع مسؤول أمام القانون الدولي لصمته على المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين
تونس – المركز الفلسطيني للإعلام قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز، إن...

أبو سلمية: نفاضل بين الجرحى والمرضى والمنظومة الصحية شبه منهارة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام قال مدير مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، محمد أبو سلمية، إن الأطباء في المستشفى يفاضلون بين المرضى والجرحى. وأضاف أبو...

القوات اليمنية: نفذنا عمليتين استهدفتا مطار رامون ردًا على جرائم الاحتلال
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت القوات المسلحة اليمنية، مساء اليوم الأربعاء، تنفيذ سلاح الجو المسير عمليتين عسكريتين استهدفتا مطار رامون في...

حماس: عملية جنين أبلغ رد على محاولات الاحتلال إخماد المقاومة
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، مساء اليوم الأربعاء، إن عملية إطلاق النار البطولية التي وقعت عند حاجز الريحان...

إصابة جندي إسرائيلي بعملية دهس في الخليل واستشهاد المنفذ
الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام استشهد، يوم الأربعاء، منفذ عملية الدهس قرب حاجز "سدة الفحص" جنوبي الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة، والتي أسفرت...

قرار أمريكي بإغلاق مكتب الشؤون الفلسطينية في القدس
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام قرر السفير الامريكي في الكيان "مايك هاكبي" وفي خطوة غير مسبوقة إغلاق مكتب الشئون الفلسطينية في القدس ودمجه...

إصابة 4 مستوطنين بعملية إطلاق نار قرب جنين
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أصيب 4 مستوطنين عصر اليوم الأربعاء، في عملية إطلاق نار استهدفت سيارة قرب مدينة جنين، قبل أن ينسحب منفذ العملية من...