اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية بعد ثلاثين عاماً

صحيفة البيان الإماراتية
من حق العرب عموماً وليس المصريين فقط أن يتوقفوا للتأمل والمراجعة عشية الذكرى الثلاثين لتوقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية. فليس من قبيل المبالغة القول إن تلك الاتفاقية قد غيرت وجه الحياة في العالم العربي كله بشكل راديكالي.
أما مصر التي وقعت الاتفاقية، فلعل المفتاح الأول الذي يمكن من خلاله الإطلال على حصادها هو تلك الحزمة من الوعود البراقة التي صاحبت إبرامها. فقد حرص السادات على تقديم الاتفاقية للمواطن المصري غير المسيس باعتبارها ترتبط ارتباطاً مباشراً بحياته اليومية.
فهي كما وصفت وقتها معناها أنه لن يخاطر بأولاده في ميدان القتال. فلا حرب جديدة يستشهد فيها الشباب المصري. وهى تعني أيضاً أن الرخاء الاقتصادي قد صار قاب قوسين أو أدنى. فالسلام معناه وضع نهاية لاقتصادات الحرب ومن ثم التفرغ لبناء مصر بناء حقيقياً مفتوحاً على العالم يسمح بجلب الاستثمارات وزيادة فرص العمل.
وعلى ذلك، فرغم أن الأغلبية الكاسحة من النخبة السياسية والثقافية المصرية عارضت زيارة السادات للقدس ووقفت ضد كامب ديفيد واتفاقية السلام، إلا أن الرئيس السادات نجح في أن يقنع قطاعاً لا بأس به من المواطنين غير المسيسين بأنه يستحق على الأقل أن يمنحه المصريون الفرصة لينفذ مشروعه كما قدمه لهم.
ولعل فشل النظام المصري في تحقيق ما وعد به السادات هو الذي يفرض نفسه اليوم أكثر من غيره على الساحة المصرية. فهدوء الجبهة المصرية الإسرائيلية لم يترجم أبداً إلى إنجاز اقتصادي ولا سياسي.
فلا استطاعت مصر أن تتحول من الدولة القائد إلى الدولة النموذج في الإنجاز الاقتصادي، ولا هي استطاعت حتى أن تقدم نموذجاً في الانفتاح السياسي كان أيضاً مأمولاً على الأقل لدى قطاع من النخبة، بعد أن زال المبرر الذي وأد التحول الديمقراطي تحت شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». وبسبب الشخصنة تراجع دور مصر حتى كنموذج ثقافي كان مصدر فخر للمصريين.
لكن لعل الحصاد الذي لا يقل أهمية لاتفاقية السلام والذي يثير الأسى لدى القطاع الأوسع من النخبة المصرية التي لم تكن أصلاً قد صدقت وعود السادات بالرخاء الاقتصادي ولا علاقة ذلك الرخاء بالسلام، هو ذلك المتعلق بتأثيرها على السياسة الخارجية ودور مصر الإقليمي بل وأمنها القومي ذاته. والقضية هنا لا تتعلق بالاتفاقية ذاتها بقدر ما تتعلق بإدارة مصر لعلاقتها بكل من “إسرائيل” وأميركا بعد إبرامها.
فعلى عكس المعاهدات الدولية التي تنشأ في الظروف العادية، فإن الاتفاقيات التي يتم إبرامها بعد الحروب لا تنشئ بالضرورة وضعاً دائماً ولا تفرض شكلاً بعينه للمستقبل. فهي تبرم في ظرف استثنائي يعكس موازين القوى التي أفرزتها الحرب. ومن هنا، تكون مهمة أطرافها باستمرار هي إعادة تشكيل المعادلة السياسية بما يحقق مصالحها بشكل أفضل عبر جهد عمدي شاق وطويل الأجل.
وعلى ذلك فاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية شأنها شأن كل المعاهدات الدولية من هذا النوع تنشئ وضعاً قانونياً وتفرض التزامات بل وقيوداً لكن أطرافها هم الذين يصوغون الطريقة التي تترجم بها تلك الالتزامات والقيود على أرض الواقع.
وتلك هي بالضبط المشكلة في التعامل مع تلك الاتفاقية منذ إبرامها. فبعد رحيل السادات، كان بإمكان مصر العازمة على بناء قدراتها الذاتية أن تعيد تعريف التزاماتها بدرجة من الاستقلالية تسمح لها بالمناورة لحماية مصالحها العليا.
بعبارة أخرى، لم تكن مصر مضطرة للتعامل مع الاتفاقية بمنطق إما الالتزام الحرفي بها وإما فتح الباب لحرب جديدة مع “إسرائيل”. فالاختيار لم يكن بين الاتفاقية والحرب. حيث توجد عشرات البدائل التي تقع بين هذا وذاك كان باستطاعة مصر الاختيار بينها. والمشكلة في الواقع تمثلت في أن مصر اختارت في أغلب الأحيان أن تلتزم بالاتفاقية كما أنزلت دون أن تتعامل معها لا بالمرونة الكافية ولا بالقدر الواجب من الخيال والإبداع.
والواقع أن الأمر نفسه انطبق على طريقة إدارة مصر لعلاقتها «الخاصة» مع الولايات المتحدة الأميركية. فالمشكلة لم تكن في توصيف العلاقة «بالخاصة»، رغم التحفظ عليه، بقدر ما كانت في إدارتها على نحو لا يمنح مصر الدرجة الكافية من الاستقلالية في علاقاتها الإقليمية بما يحمي المصلحة العليا المصرية بل وبما يحافظ حتى على تلك العلاقة مع أميركا.
إذ يخطئ من يتصور أن مفتاح العلاقة القوية مع أميركا هو التطابق مع سياساتها. ذلك أن مثل ذلك التطابق في علاقات مصر الإقليمية مع السياسة الأميركية هو الذي حرم مصر من أن تحتفظ بوزن إقليمي تحترمه أميركا وتحسب حسابه.
لكن التأثير العميق الذي أحدثته اتفاقية السلام في العالم العربي لم يكن راجعاً للغياب المصري وحده الذي خلق فراغاً أتاح الفرصة لقوى إقليمية لملئه. فالدول العربية التي عارضت السادات لم تنجح هي الأخرى في أن تترجم معارضتها إلى ما هو أبعد من تلك المعارضة، حيث عجزت عن تقديم مشروع بديل لمشروعه. وكانت النتيجة فراغاً إضافياً لم يكن من الممكن استمراره.
بعبارة أخرى، أدى غياب مصر السادات إلى إفساح الطريق لقوى إقليمية عدة على رأسها “إسرائيل” ومن بينها إيران لملء الفراغ الناتج عن انحسار الدور المصري، بينما أدى فشل الدول المعارضة للسادات عن تقديم مشروع بديل إلى بروز حركات سياسية هي التي قدمت المشروع البديل ـ بدلاً من الدول ـ وهو المشروع الذي حمل لواء المقاومة المسلحة ضد العدوان الإسرائيلي في لبنان وفلسطين.
ولعل المحصلة الأكثر خطورة لكل تلك التطورات كانت هي ذلك التواجد العسكري الغربي المكثف الذي صار يلف العالم العربي بشكل لم يحدث منذ عهد الاستعمار. باختصار، دار العالم العربي دورة كاملة حول نفسه وعاد للحظة الانقسام والوجود الأجنبي الذي شهدته بدايات القرن العشرين قبل انطلاق حركات الاستقلال الوطني.
كاتبة مصرية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

ألبانيز: الجميع مسؤول أمام القانون الدولي لصمته على المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين
تونس – المركز الفلسطيني للإعلام قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز، إن...

أبو سلمية: نفاضل بين الجرحى والمرضى والمنظومة الصحية شبه منهارة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام قال مدير مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، محمد أبو سلمية، إن الأطباء في المستشفى يفاضلون بين المرضى والجرحى. وأضاف أبو...

القوات اليمنية: نفذنا عمليتين استهدفتا مطار رامون ردًا على جرائم الاحتلال
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت القوات المسلحة اليمنية، مساء اليوم الأربعاء، تنفيذ سلاح الجو المسير عمليتين عسكريتين استهدفتا مطار رامون في...

حماس: عملية جنين أبلغ رد على محاولات الاحتلال إخماد المقاومة
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، مساء اليوم الأربعاء، إن عملية إطلاق النار البطولية التي وقعت عند حاجز الريحان...

إصابة جندي إسرائيلي بعملية دهس في الخليل واستشهاد المنفذ
الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام استشهد، يوم الأربعاء، منفذ عملية الدهس قرب حاجز "سدة الفحص" جنوبي الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة، والتي أسفرت...

قرار أمريكي بإغلاق مكتب الشؤون الفلسطينية في القدس
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام قرر السفير الامريكي في الكيان "مايك هاكبي" وفي خطوة غير مسبوقة إغلاق مكتب الشئون الفلسطينية في القدس ودمجه...

إصابة 4 مستوطنين بعملية إطلاق نار قرب جنين
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أصيب 4 مستوطنين عصر اليوم الأربعاء، في عملية إطلاق نار استهدفت سيارة قرب مدينة جنين، قبل أن ينسحب منفذ العملية من...