الأحد 11/مايو/2025

القدس عاصمة الثقافة العربية

القدس عاصمة الثقافة العربية

صحيفة الاتحاد الإماراتية

“القدس عاصمة للثقافة العربية”… مناسبة منتظرة في زهرة المدائن لتثبيت هوية وتأكيد انتماء. لكن التفكير في ذلك ممنوع إسرائيلياً. فالقدس- بالنسبة تل أبيب، ليست عربية وليس ثمة ثقافة عربية وممنوع على الفلسطينيين، العرب، الاحتفال بهذه المناسبة؛ ولذلك ينبغي تكريس الثقافة الإسرائيلية على تلك الأرض، وفي تلك الجنة.

ثقافة الإرهاب والقتل والإجرام والتهجير والاستيطان ومصادرة الأراضي. هذا ما فعلته السلطات الإسرائيلية خلال الأيام الماضية بمجرد الإعلان عن بدء نشاطات احتفالية ثقافية في سياق تأكيد دور القدس عاصمة للثقافة العربية. فالقدس أولاً ليست فلسطينية. وليست ثانياً عاصمة فلسطين أو عاصمة فلسطينية. والثقافة هناك ليست ثقافة عربية، بل ينبغي تدمير كل أثر عربي وصولاً إلى المقدسات. فلا محرمات لدى الإسرائيليين وهم مستعدون لفعل كل شيء. وليس في ذلك غرابة. هذه هي “إسرائيل” وهذا هو تاريخها وحاضرها وتؤسس منه دائماً لمستقبلها القائم على هذه السياسة.

انطلقت النشاطات ضعيفة. الفلسطينيون مختلفون. مختلفون على السلطة. مختلفون على القرار، على التوجهات. على الارتباطات. على البرامج. على الحلول. على الاعتراف ب”إسرائيل” أو عدمه. مختلفون تقريباً على كل شيء، وهذا ما يعوق بطبيعة الحال إمكانية إدارة معركة ناجحة ضد الاحتلال. ولكن لا أعتقد أنهم مختلفون على الانتماء وعلى أهمية القدس، واعتبارها عاصمة الدولة في أي حل، وبالتالي اعتبارها عاصمة عربية والاحتفال بها والسعي إلى تكريس ثقافتها بتنوعها الديني وغناه وببعدها العربي.

وفود عربية جاءت للمشاركة في المناسبة، منعت من الدخول حتى إلى الضفة. ومن دخل منها تعرض لإهانات. والسلطة الفلسطينية لم تعدّ البرنامج المطلوب والذي يتناسب مع الحدث. كان من الضروري أن تعم النشاطات كل الأراضي الفلسطينية بما يتجاوز المظاهرة ورفع اليافطات. وكان ينبغي للإعلام الفلسطيني وامتداداً العربي أن يحوّل المناسبة إلى حدث مفتوح بكل فصوله ويومياته، شعراً وأدباً وبرامج تلفزيونية تتحدث عن القدس وتاريخها وعن فلسطين وقضيتها ومعاناة شعبها وتحاكي من خلال ذلك ضمير الإنسان في العالم.

كان من الضروري استنفار كل الإمكانات الدبلوماسية والسياسية والإعلامية في العالم من خلال الجاليات الفلسطينية النشيطة والفاعلة وأيضاً الجاليات العربية والإسلامية للقيام بأعمال ثقافية في السفارات ومراكز الأبحاث والدراسات ودور السينما للإطلالة بشكل حضاري على الإنسانية بعد ستين عاماً من الإرهاب والاغتصاب الإسرائيليين للأرض. كان من الضروري استنفار الرسامين والفنانين والنحاتين والموسيقيين والممثلين والكتّاب والشعراء والمسرحيين والمخرجين والسينمائيين للمشاركة في هذه المظاهرات أو النشاطات والشعب الفلسطيني من أغنى شعوب العالم في هذه المجالات وأبناؤه منتشرون في كل مكان وقضيته أنبل وأشرف قضية عموماً وللقدس مكانتها الخاصة أيضاً. كان يمكن استغلال بل من الضروري استغلال الثقافة العربية في القدس للإطلالة على العالم بشكل مختلف ومحاكاته بلغته من خلال ترجمة أعمال الشعراء والأدباء والكتّاب والروائيين الفلسطينيين، وقد فعل الفلسطينيون ذلك في الستينات والسبعينات وتألقوا وحققوا حضوراً كبيراً في العالم، وكانوا ذا تأثير كبير، ولم يكن ثمة فضائيات ووسائل اتصال تسمح بالوصول السهل إلى كل بيت وساحة. فلماذا لا نرى هذه النهضة اليوم؟ لماذا لا نرى هذه الحركة ونحن في “عزّ” الصراع مع “إسرائيل”، وكلما مضى وقت كلما تأكد حقنا أكثر فأكثر على وفي تلك الأرض الطيبة.

وعربياً، كان من المفروض أن تحضّر الجامعة العربية لأعمال من النوع الذي ذكرنا، وأن تتحرك كافة الدول العربية ووزارات الثقافة العربية وهيئات المجتمعات العربية في الاتجاه ذاته. للأسف لم يكن التحرك بمستوى المناسبة. ولكن، يكفي أن ترى “إسرائيل” تمنع الفلسطينيين من محاولة الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية. نراها تحاول قتل الفكرة، لندرك حجم شعورها بالخطر على “ثقافتها” ومشروعها ومدى تركيزها على هذا الأمر في السياسة والإعلام والتعبئة وفي الممارسات الإرهابية متعددة الأشكال والوسائل والأساليب. يكفي أن نرى ذلك لنقوم على الأقل برد الفعل في وقت يجب أن نكون نحن الفعل والفاعل. وهذا الفعل لا يتطلب الكثير من الإمكانات والتضحيات، فكيف إذا كنا خارجين من الحرب على غزة وما تلاها وحتى الآن لم يبدأ مشروع إعادة إعمارها، وبالتالي لا يزال أبناؤها مشردين ولا تزال مدارسها مدمرة وتنتظرها حروب جديدة فيما تستمر الاعتداءات على المناطق الأخرى اعتقالات وقتلاً وتهجيراً وحصاراً، كما تستمر الاستعدادات من خلال فكرة حكومة الوحدة التي يريدها بنيامين نتانياهو لمزيد من الإرهاب ضد الفلسطينيين.

كل المؤشرات تقول: لن يكون تقدم على المسار الفلسطيني، لن تكون مفاوضات إسرائيلية – فلسطينية ناجحة. لن يكون اتفاق، ذاهبون إلى توتر وعنف. وإذا كان الأمر كذلك في فلسطين، فلن يكون أمن واستقرار في المنطقة التي ستكون مفتوحة على احتمالات عنف هي الأخرى رغم ما يجري من تحركات ويطلق من مبادرات ويتم التحضير لمفاوضات أميركية- إيرانية، وأميركية – سورية، وسورية – إسرائيلية مجدداً وما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج تتراوح بين التصادم والتفاهم، والصفقات والصفعات، وسيكون ذلك على حساب فلسطين وغيرها من المواقع. فمشروع التفتيت لا يزال المشروع الأكثر حضوراً وليس ثمة أفضل منه ل”إسرائيل”، وليس ثمة أشطر منها في تحريكه والسعي إلى تحقيقه إلا الواقع الفلسطيني الذي يساعدها للأسف والواقع العربي الذي يشكل إطاراً ملائماً لذلك.

وكل المؤشرات تقول: لا أولوية لفلسطين في السياسة الأميركية الخارجية رغم كل ما يسمع من تصريحات ومواقف على ألسنة المسؤولين الأميركيين. الأولوية لترتيب الأوضاع الداخلية الأميركية مالياً واقتصادياً وسياسياً ولإعادة هيكلة النظام المالي وصولاً إلى خيار التأميم إذا اقتضى الأمر في مجالات كثيرة. والأولوية لإعادة هيكلة وبناء السياسة الأميركية في العالم انطلاقاً من أفغانستان وباكستان موقعي الخطر الإستراتيجيين، وهذا يستوجب أثماناً ستدفع هنا وهناك وانقلابات سياسية مختلفة ومتتالية. وبالتالي ليس ثمة فلسطين وقدس ولا أقداس ولا من يحزنون. ثمة مصالح وأولويات ولن يكون مصلحون!

في هذا التوقيت، يأتي دور القدس عاصمة للثقافة العربية. وهو توقيت مع كل مخاطره يمكن أن يشكل مناسبة وحافزاً للانتباه إلى ما ذكرنا وللقيام بما دعونا إليه ومهما كانت الظروف قاسية، فهي ولاّدة الأفكار والمبادرات وعوامل التحدي، وهذا من تاريخ وعلامات الشعب الفلسطيني الفارقة ومن تاريخنا العربي عموماً، ولن يتمكن أحد من إسقاط حق الفلسطينيين وتاريخ القدس وموقعها، فلنستفد من هذه المناسبة، ولتكن زهرة المدائن، عاصمة الثقافة العربية، في قلب كل عاصمة ومدينة عربية، وفي قلب كل العواصم من خلال الفلسطينيين والعرب بالكلمة والريشة والصورة والكاريكاتور والسينما والفن والموسيقى والإبداع. أستذكر اليوم حـركة “أبو عمار” وماكينته، وشعر محمود درويش، وعقل ومبادرة إدوار سعيد وغيرهم وغيرهم من القادة الفلسطينيين الكبار في أدبهم وعلمهم وحضورهم في العالم كله. ولا يزال ثمة كثيرون فليطلقوا أقلامهم وأصواتهم وماكيناتهم! والقضية لا تزال وستبقى حية!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....