السبت 10/مايو/2025

مشاريع الاستيطان الجديدة.. أغراض ديمغرافية واقتصادية

مشاريع الاستيطان الجديدة.. أغراض ديمغرافية واقتصادية

صحيفة الوطن العمانية

جاء الإعلان عن العديد من مشاريع الاستيطان التهويدي الاجلائي الصهيوني فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة وتحديداً في مناطق القدس ومحيطها كاستجابة صريحة وواضحة من قبل مراكز القرار الصهيونية لمقترحات مؤتمرات هرتسليا المتعلقة بالتوازن الديموغرافي على مدى السنين الماضية، وآخر هذه المشاريع إعلان سلطات الاحتلال عن نيتها هدم (88) منزلاً فلسطينياً في حي البستان في سلوان في مدينة القدس الشرقية، وتشريد (1500) فلسطيني مقدسي وسحب حقهم في الإقامة بالمدينة، ومواصلة مخططها الاستيطاني العدواني بالبناء في منطقة E1 في مستعمرة معالي أدوميم شرق القدس.

ففي سياقات نقاشات الدورة التاسعة لمؤتمر هرتسليا الإسرائيلي والتي عقدت في فبراير 2009، شغلت مسألة التوازن الديموغرافي بين الفلسطينيين والإسرائيليين على كامل أرض فلسطين التاريخية بشكل عام، وداخل حدود مناطق العام 1948 بشكل خاص، أولويات المؤتمر. فمنهم من أطلق شرارات التحذير خوفاً من الانقلاب الديمغرافي الآتي في نهاية المطاف، داعياً لدراسة الوضع من زاويته الديمغرافية، ومقترحاً تسريع عمليات الاستيطان وجلب المزيد من يهود العالم إلى فلسطين المحتلة معتبراً أن “ليس لإسرائيل من استثمار أكثر جدوى من جلب اليهود إلى فلسطين المحتلة”، وأن الانتصار الديمغرافي الذي حتى لو استغرق سنيناً فسيأتي على عجلات الطائرات التي تهبط في مطار بن غوريون وهي تستقدم المهاجرين اليهود من مختلف بقاع العالم.

ومنهم من طرح أهمية التفتيش عن حلول جديدة لضمان وقف الانقلاب الديمغرافي المتوقع بعد عقد من الزمن. أما الصهيوني المتطرف أفيغدور ليبرمان رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” فقد أثار من على منصة المؤتمر موضوع المواطنين العرب الذين بقوا داخل وطنهم عام النكبة، معتبراً إياهم مشكلة كبيرة بالنسبة لمستقبل الدولة الصهيونية و”أمنها القومي”، فألقى خطاباً في أعمال المؤتمر مكرراً شعاراته وفقاً لترتيبها “إسرائيل تتعرض لهجمة من الداخل ومن الخارج والهجمات من الداخل أكثر خطورة، بإمكان الشخص أن يكون مواطنا فقط إن خدم في الجيش واقسم بالولاء لرموز الدولة. ولا يمكن أن يكون هناك وضع غير ذلك”.

مقابل ذلك اعتبر البعض من غلاة المتطرفين الصهاينة بأن الأزمة الاقتصادية الشديدة التي تعصف بالعالم تشكل فرصة استثنائية لمرة واحدة لجلب المزيد من اليهود إلى أرض فلسطين وتحديداً في جلب أكثر من مليون يهودي إلى فلسطين المحتلة على ظهر الأزمة الاقتصادية الحالية التي ما زالت تهز العالم بأسره، ودفعهم للاستيطان في مناطق الجليل، والنقب وفي مدينة القدس ومحيطها، لتعزيز عمليات التهويد فيها. ومن جانب آخر في إعادة إسرائيليين غادروا “إسرائيل” في موجة استيطانية كبرى ثانية بعد الموجة الكبرى الأولى التي حصلت ووقعت بعيد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، حين وصل إلى فلسطين قرابة مليون يهودي من روسيا وباقي جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وهي الموجة التي زودت الدولة الصهيونية بعشرات الآلاف من الكوادر المهنية العالية التخصص من الأطباء، والمهندسين والفنيين، والعسكريين المتميزين، والباحثين والعلماء. وهو ما أشار له البعض في مؤتمر هرتسليا التاسع بقوله “تلقينا مئات آلاف سنوات التعليم الأكاديمية بالمجان، تلقينا ثقافة هائلة وتلقينا حقنة من الوطنية الحيوية للدولة”. في هذا السياق، فإن بنيامين نتنياهو في سعيه لتشكيل الحكومة الجديدة يعرض ملف الاستيطان على حزب “الوحدة الوطنية” الاستيطاني، وتوليته المسؤولية عن بناء وتطوير المستوطنات في الضفة الغربية إما في إطار وزارة الإسكان أو وزارة الزراعة. حيث يصر الحزب المذكور على الحصول على وزارة الإسكان التي تشمل ملف البناء في المستوطنات، إلا أن نتنياهو يعرض على رئيس الحزب، يعكوف كاتس، حقيبة وزارة الزراعة ونقل ملف الاستيطان إليها.

وحسب التقديرات التي نشرتها مؤخراً الوكالة اليهودية، وهي تقديرات تتلاقى مع البيانات التي تعلنها العديد من المراكز البحثية المتخصصة، فإن أعداد اليهود في العالم أمست تتناقص لأسباب عدة يقف على رأسها الزواج المختلط والتماثل، حيث يعيش في العالم اليوم خارج فلسطين المحتلة نحو (8.5) مليون يهودي، منهم (من 5 إلى 6) ملايين في الولايات المتحدة الأميركية، وقرابة مليون في دول وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وقرابة نصف مليون في فرنسا، ونحو ربع مليون في بريطانيا، والباقي موزعون على وجه المعمورة. إضافة إلى ذلك يوجد نحو مليون إسرائيلي آخر غادروا فلسطين المحتلة في هجرة عكسية على امتداد العقود الثلاثة الماضية، حيث يقيم (75%) منهم في أميركا الشمالية، ونحو (15%) منهم في غرب أوروبا والباقي في استراليا، وجنوب إفريقيا بلدان بعيدة، وباتوا يتمتعون بجنسية البلد المقيمين فيه دون أن يتخلوا عن جنسيتهم الإسرائيلية لأسباب معروفة ذات طابع مصلحي.

وفي حسابات بعيدة عن الديمغرافيا، يرى منظرو عمليات الاستيطان بأن جلب المزيد من اليهود إلى فلسطين يمس إيجاباً الناحية الاقتصادية، لتشغيل الماكينة الاقتصادية وعمليات التوسع الاستيطاني في البناء لإعادة تزخيم العملية الاقتصادية على ضوء انعكاسات الأزمات المالية الدولية على الاقتصاد الإسرائيلي وفي هذا السياق، فقد أشارت معطيات الدائرة المركزية للإحصاء الإسرائيلي إلى أن حالة الركود الاقتصادي في “إسرائيل” قد بدأت في النصف الثاني من العام الماضي، 2008. حيث هبط الإنتاج بنسبة (0.5%) في الربع الأخير من العام 2008، بعد ارتفاع بنسبة (0.9%) في الربع الثالث، و (3.2%) في الربع الثاني من العام نفسه، حيث يتضح من المعطيات أن الناتج المحلي الخام في النصف الثاني من العام 2008 قد ارتفع بنسبة (1.1%)، بالمقارنة مع (4.8% في النصف الأول من العام نفسه، وبالمقارنة مع (6%) في النصف الثاني من العام 2007. وجاء أن الارتفاع البطيء في الناتج المحلي في النصف الثاني من العام الماضي تبدى في الارتفاع الكبير في مصاريف الاستهلاك العام (مصاريف الحكومة)، حيث إنه في المقابل تم تسجيل انخفاض في الاستهلاك الفردي والاستثمار في العقارات وتصدير البضائع والخدمات. وقد ارتفع الاستهلاك العام (مصاريف الحكومة) في الفترة ذاتها بنسبة (6.8%) في حين انخفضت نسبة الاستهلاك الفردي بنسبة (2.9%). كما انخفض تصدير البضائع بنسبة (6.6%) وانخفضت نسبة الاستثمار في العقارات بنسبة (5.3%) (لا تشمل الطائرات والسفن) وقد تجلى الانخفاض في نسبة الاستهلاك الفردي في المصاريف على المنتجات المعيشية للفرد، حيث تراجعت في النصف الثاني من العام الماضي بنسبة (28%)، وذلك بعد ارتفاع نسبي وصل إلى (24.7%) في النصف الأول من العام نفسه، وبعد ارتفاع بنسبة (15.1%) في النصف الثاني من العام 2007. وبشكل خاص، فقد تراجعت نسبة الإقبال على شراء السيارات للفرد، حيث تراجعت بنسبة (56.6%) في الفترة ذاتها، وذلك بعد ارتفاع حاد بنسبة (70.5%) في النصف الأول من العام الماضي. كـما تراجعت مصاريف الأثاث بنسبة (15.2%) للفرد، وذلك بعد ارتفاع بنسبة (7.1%) في النصف الأول من العام نفسه. وتراجعت أيضاً نسبة الإقبال على معدات الاقتصاد المنزلي (مثل الثلاجات وماكينات الغسيل والمكيفات وغيرها) بنسبة (4.4%) للفرد، وذلك بعد ارتفاع بنسبة (5.4%) في النصف الأول من العام 2008. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الركود الاقتصادي يعتبر قائماً بعد ارتفاعات سلبية في ربعين متتاليين، وذلك للمرة الأولى منذ ست سنوات، باستثناء الربع الثالث من العام 2006، خلال فترة الحرب على لبنان.

كاتب فلسطيني ـ عضو اتحاد الكتاب العرب ـ مكتب (الوطن)

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات