الجمعة 09/مايو/2025

ماذا بقي من أهداف بعد غزة؟

ماذا بقي من أهداف بعد غزة؟

صحيفة الخليج الإماراتية

الآن وقد توقف إطلاق النار في غزة، فهل يمكن غض النظر عن مؤشرات صارخة، تشير إلى أن الحرب في غزة والقابلة للتكرار كانت جزءاً من مرحلة “إسرائيلية” جديدة، في إدارة النزاع العربي “الإسرائيلي”؟

وتجنباً للاجتهاد التحليلي أمامنا ما قاله الكولونيل هيرتزي، أحد القادة العسكريين الذين شاركوا في الحرب الإجرامية على غزة، الذي قال: “إن معركة “إسرائيل” للبقاء (حسب تعبيره) لم تنته، وإنني لا أعتقد أن هذه الحرب ستجلب السلام.. فهي جزء من عملية طويلة”.

ولا يختلف مع مضمون كلامه ما ذكره إيهود باراك وزير الحرب، الذي أوضح أن عملية غزة لم تأت فجأة، بل إنهم كانوا قد خططوا لها قبلها بأشهر، وقبل موعد انتهاء الهدنة مع حماس يوم 19 ديسمبر/ كانون الأول 2008.

ولعل هذا يؤكد ما أظهرته الأحداث من أن أهداف الحرب أبعد مدى من كل ما أعلنته “إسرائيل”.

والأهداف متعددة وتشمل:

(1) استهداف مصر على وجه الخصوص.

(2) تفتيت العالم العربي وإشاعة الانقسام داخله.

(3) إضعاف خط الحدود الفاصل بين السكان الفلسطينيين في غزة المحتلة وسيناء، وذلك من أجل إحياء أهداف “إسرائيلية” معتمدة ومقررة تجاه سيناء.

وكل ذلك له أدواته المتطورة في استراتيجية “إسرائيل” لإدارة النزاع، المدعومة من الولايات المتحدة، وهي الاستراتيجية التي طورت المبدأ التقليدي المعروف ب “الحرب بالوكالة”، إلى مبدأ الدبلوماسية بالوكالة، وذلك تنفيذاً لخطة سبق أن وردت في مشروع القرن الأمريكي الجديد لجماعة المحافظين الجدد حلفاء “إسرائيل” المعلن عام 1998، وهو المشروع الذي أقام بوش على أساسه استراتيجية السياسة الخارجية الجديدة التي أعلنها في 20 سبتمبر/ أيلول 2002، وتضمن المشروع النص على إضعاف أي قوة إقليمية في المنطقة.

وهذا المشروع يمثل استمرارية لبرنامجهم الذي وضعوه في عام 1996 الذي عرف باسم أوراق استراتيجية وسلموه إلى نتنياهو عند توليه رئاسة الحكومة عقب فوز الليكود في الانتخابات، ليكون مرشداً له في حكمه، وتضمن رفض مرجعية الأرض مقابل السلام، وعرقلة أي فرصة لقيام دولة فلسطينية، وتمكين “إسرائيل” من الهيمنة على المنطقة.

لكن مصر كأكبر قوة إقليمية، كانت هي العقبة أمام مشروعهم، وهو ما جاء التعبير عنه في أكثر من مناسبة، منها:

أولاً:

 (أ) يوم أن جاهر جيمس وولسي مدير المخابرات المركزية الأمريكية الأسبق، وأحد القيادات البارزة في حركة المحافظين الجدد في عام 2003، وقبيل حرب العراق، بتصريحات تحريضية مناهضة لمصر.

 (ب) يوم أن ناقشت هيئة السياسات الدفاعية بوزارة الدفاع الأمريكية، وكان يرأسها ريتشارد بيرل الحليف المتعصب ل “إسرائيل”، في أغسطس/ آب 2002، تقريراً يصف حرب العراق بالمرتكز التكتيكي، والسعودية بالمرتكز الاستراتيجي، ومصر بالجائزة الكبرى، في مشوار يبدأ بحرب العراق.

والاثنان وولسي وبيرل ضمن الفريق الذي وضع وثيقة مشروع القرن الأمريكي الجديد.

ثانياً:

تفتيت الدول العربية، وهو ما نصت عليه الخطة التي عرفت باسم استراتيجية ل “إسرائيل” في الثمانينات التي تضمنت مبدأين:

(1) إحداث انقسام في المنطقة العربية.

(2) أن تكون “إسرائيل” قوة إقليمية مهيمنة.

وتوضح هذه الاستراتيجية أن التفتيت ليس فكرة جديدة، بل هو في صميم المشروع الصهيوني، وأن انقسام الدول العربية هو مطلب استراتيجي مستمر.

وهذا الهدف جزء جاء ذكره في مذكرات موشي شاريت رئيس وزراء “إسرائيل” الأسبق، وتناوله في مقال له المحرر العسكري المعروف زئيف تشيف في صحيفة “هآرتس” عام 1982.

ثالثاً:

عبر المحاولات “الإسرائيلية” التي شهدناها طول عام كامل، لدفع الموقف في غزة إلى نقطة الالتهاب، قبل الحرب الإجرامية الأخيرة، فقد توالت تدابير الحصار، والتجويع، ودفع الفلسطينيين إلى حالة من اليأس، يشعرون فيها بأن الحياة في بلدهم لا تطاق، ولدفعهم دفعاً إلى الخروج الكبير نحو سيناء.

وتلك سياسة ليست من الأسرار المخبأة في صناديق مغلقة في “إسرائيل”، بل هي معروفة ومعلنة، منذ قيام “إسرائيل”، وترددت في تصريحاتهم وكتاباتهم تحت اسم الترحيل، وجاءت في مذكرات بن جوريون الذي قال: إنني أؤيد الترحيل الإجباري للفلسطينيين، ولا أراه تصرفاً غير أخلاقي.

وأحدثها ما سجله وزير الخارجية الأسبق شلومو بن عامي في كتابه “ندوب الحرب وجروح السلام” بقوله: إن الحركة الصهيونية لم تقبل أبداً تقسيم فلسطين، لكنها تعمل على الاستيلاء عليها على مراحل.

وتعرض لها بالشرح البروفيسور اليهودي الأمريكي نورمان فينكلستين في كتابه “الصورة والحقيقة” في شرحه لسياسة ترحيل الفلسطينيين، وقال: إن الحركة الصهيونية أقامت الدولة اليهودية لتكون منصة انطلاق لمزيد من التوسع يبتلع كل فلسطين.

والحديث عن أطماع “إسرائيل” في سيناء تكرر في أكثر من موضع في استراتيجية “إسرائيل” للثمانينات، وورد فيها القول إن اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام عرقلت خطط “إسرائيل” في سيناء، التي كانت تمثل أولوية سياسية ل “إسرائيل”.

إن خطط “إسرائيل” للقفز إلى سيناء، والتوسع في أي أرض عربية، تعتمد دائماً على استفزاز بعض الأطراف العربية، ودفعها للرد عليها، ما يضع في يد “إسرائيل” مبرراً لتنفيذ خطط العدوان المبيت من قبل، وسبق أن اعترف بهذا التكتيك موشي ديان، كما تحدث عنه أيضاً شلومو بن عامي في كتابه بقوله: إن 80% من الاشتباكات مع سوريا، على سبيل المثال، قبل حرب 67، كانت تبادر بها “إسرائيل”، كجزء من تصعيد لدفع الموقف نحو الحرب، من أجل تغيير الوضع القائم مع الدول العربية.

غزة، بما جرى فيها قبل العدوان الأخير، لم تكن الهدف الأساسي الوحيد للحرب، صحيح أن ما أعلنته “إسرائيل” عن إيقاف صواريخ حماس جزء من أهداف الحرب، لكن الهدف أكبر وأوسع مدى، مثلما لم يكن هدف حرب العراق إزالة أسلحة دمار شامل، وهو ما تكشفت حقيقته فيما بعد.

الهدف هذه المرة إعادة رسم الخريطة الإقليمية في المنطقة بتمكين “إسرائيل” منها، وإضعاف موقف العقبة الكبرى في طريق هذا الطموح، وهي مصر. وهو هدف لم يكن ليتحقق بشكل مباشر بينما “إسرائيل” تتستر وراء أستار السلام، بل كان يلزمه تفتيت العالم العربي، بعملية إجرامية تحدث انقساماً، كالذي حدث بالفعل.

فلن تهنأ “إسرائيل” لو أن العرب متحدون في ما بينهم على رأي واحد، وموقف واحد.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة في الأقصى

عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة في الأقصى

القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام أدى عشرات آلاف الفلسطينيين صلاة الجمعة، في المسجد الأقصى المبارك وباحاته، وسط تشديدات وإجراءات مكثفة فرضتها...

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام وثق مركز معلومات فلسطين "معطي" استشهاد 1000 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر...

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل

الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الجمعة، 4 فلسطينيين خلال اقتحامات متفرقة في مدينة الخليل جنوبي الضفة...