مصادرة الحق في الحياة وطمس الهوية صنوان

صحيفة الوطن العمانية
بمنعها للفلسطينيين والوفود المشاركة لهم الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية وحصر تلك الفعالية في نطاقات ضيقة في بيت لحم وعدد آخر من مدن الضفة الغربية، تكون “إسرائيل” قد عادت بالمفهوم التقليدي للاستعمار الذي عرف التاريخ العربي أسوأ أنواعه في الخمسينيات فيما كان يعرف اصطلاحاً بالاستعمار الاستيطاني، فضلاً على أنها أكدت على تواصلها في نهج مصادرة الحقوق بكل وجوهها، وذلك في وقت لا تختلف فيه مصادرة الحق في الحياة عبر فوهة البندقية عن محاولات طمث الهوية عبر مصادرة الحق في الممارسة الثقافية لأن كليهما صنوان لمن يرغب في العيش حراً.
وفيما تداول القاموس السياسي المعاصر مصطلح “الاحتلال” لوصف الوجود الإسرائيلي في الأراضي العربية المسلوبة بعد حربي 1948 و1967 وكذلك بعد قرار التقسيم الشهير، إلا أن الممارسات الإسرائيلية في تلك الأراضي تؤكد يوما بعد يوم أن “إسرائيل” تمارس الاستعمار الاستيطاني بكل معانيه وقد لا يكون لديها أدنى نية في الخروج من الأراضي العربية التي احتلت غصباً وقهراً وخصوصاً القدس الشرقية، ناهيك عن الغربية التي يبدو أن راهن الصراع العربي الإسرائيلي قد صنف الحلم بوحدتها مع شقها الشرقي ضمن قائمة المستحيلات.
وبينما يصف المؤرخون الاستعمار الاستيطاني بأنه ذلك الشكل من الممارسة الإدارية والسياسية لمساحة جغرافية تشير فيها كل تفاصيل تلك الممارسة إلى تجذير وتأصيل العنصر المحتل ليضمن له الاستمرار كمستوطن دائم وليس كمحتل مؤقت يرتبط وجوده بمصالح سياسية أو اقتصادية محدودة أو حتى تكتيكية قصيرة أو بعيدة المدى، فإن ما أقبلت عليه “إسرائيل” من منع إقامة فعاليات القدس عاصمة الثقافة العربية في القدس الشرقية التي يفترض أنها عربية بحكم القانون الدولي وبحكم المنطق القانوني لوجود “إسرائيل”، فإن ذلك الفعل يؤكد أن “إسرائيل” تمارس حقاً نهج الاستعمار الاستيطاني السيئ السمعة.
كما أن “إسرائيل” بفعلتها هذه تكون قد ردت عملياً على كثير من المراقبين الذين كانوا يعتقدون أن احتفاظ “إسرائيل” للعديد من الأراضي التي احتلتها بعد حرب 1948 ما هو إلا خطة تكتيكية ترغب من خلالها استخدام تلك المواقع كأوراق ضغط ومساومة تضمن بها في نهاية المطاف اعتراف عربي وفلسطيني بحقها في الوجود. فإلى جانب ذلك الرد، فإنه من الناحية العملية وبحكم الواقع المعاش لسيناريو الصراع العربي الإسرائيلي المختل القوة غير المتكافئ، فإن “إسرائيل” ليست في حاجة إلى اعتراف عربي بحقها في الوجود بل بمقدورها أن تمضي في ترديد سيمفونيتها القديمة العازفة أوتارها على حلم “إسرائيل الكبرى”.
كما أنها بفعلتها هذه تكون “إسرائيل” قد غيرت فقط نوع السلاح الذي حاربت به الفلسطينيين قبل وبعد السلام، بل ربما تكون وضعت البندقية جانباً لتستخدم ما هو أشد قدرة على القتل الفاعل للإنسانية وهو الإبادة الثقافية وطمس الهوية وإنكار الحق في الحياة الثقافية التي أثبت الفلسطينيون بأنهم قادرون على تفعيلها مستثمرون الإحساس بالقهر والظلم ليجسدوه في إبداعات ثقافية وأدبية أعمق من مجرد أنها أدب لشعب في حالة حرب وتشرد في بقاع المهجر المتباعد جغرافياً.
إن الرفض الإسرائيلي لإقامة احتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية له أكثر من مدلول، فهو لا يتوقف فقط عند مجرد المنع في حدود القدس والناصرة فحسب، بل هو منع معلن لشريكها في العملية السلمية من ممارسة أبسط سلطاته الثقافية إن لم تكن أبسط حقوقه الأدبية، وهي بذلك راكمت من حالات الإحراج التي تعودت على أن تسببها للسلطة الفلسطينية، ليس أمام الشعب الفلسطيني فحسب، بل امتد إحراجها هذه المرة أمام نطاقها العربي الأوسع، غير أن عزاها في هذا الأمر ربما يكون أن مبادرة طلب أن تكون القدس عاصمة للثقافة العربية لم تأت من السلطة الفلسطينية، بل جاءت بطلب من حكومة حماس قبل إقالتها.
ولكن كيفما كان ميلاد الفكرة وظهورها وبغض النظر عن من كان وراءها، فإن إقامة فعالية القدس عاصمة للثقافة العربية في القدس وضواحيها ربما يشكل بارقة أمل في استمرار شمعة الثقافة العربية في القدس العربية مشتعلة ومضاءة وهذا ما لا ترغب فيه “إسرائيل” سواء جاء عن طريق منظمة التحرير الفلسطينية أو جاء عن طريق حكومة حماس المقالة.
وعلى الجانب الآخر فهو أيضاً تحد للمنطقة العربية بمختلف تياراتها معتدلة كانت أو مقاومة، حيث تؤكد “إسرائيل” أنها فاعلة لما تريد بما تضع عليه يدها سواء كان جغرافياً أو ثقافياً أو اقتصادياً، وغير آبهة بأي مبادرات أو نيات طيبة حادبة على السلام معها.
وفي كل الأحوال تظل المخاوف قائمة من أن تتراجع “إسرائيل” حتى عن مجرد التفكير فيما يتطلع إليه العالم بتفعيل حل الدولتين الذي يقوم على أساس ما يتطلع إليه الفلسطينيون بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وأخرى إسرائيلية يريدها العالم من أجل استقرار المنطقة، بل يبدو أن “إسرائيل” لا يهمها الأمر كثيراً لأنها موجودة بمنطق فرض الأمر الواقع.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

قتلى وجرحى في تفجير مبنى بقوة من لواء غولاني برفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قتل عدد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وأصيب آخرين في رفح، اليوم الخميس، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، فيما قالت كتائب...

شهيد وجرحى في سلسلة غارات إسرائيلية على جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن لبناني وجرح آخرون، في سلسلة غارات شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على جنوبي لبنان، اليوم الخميس، على ما...

حصيلة الإبادة ترتفع إلى أكثر من 172 شهيدا وجريحا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم الخميس، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 106 شهداء، و367 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

الادعاء الروماني يحيل شكوى ضد جندي إسرائيلي إلى النيابة العسكرية
بوخارست - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مؤسسة “هند رجب” أن المدعي العام في رومانيا أحال الشكوى التي تقدمت بها المؤسسة ضد جندي إسرائيلي إلى مكتب...

الاحتلال يحول الصحافي الفلسطيني علي السمودي إلى الاعتقال الإداري
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام حوّلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الخميس، الصحافي الفلسطيني علي السمودي من جنين، شمالي الضفة الغربية،...

“موت ودمار لا يمكن تصوره”.. منظمة دولية تطلق نداءً لوقف النار في غزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت "منظمة أوكسفام الدولية"، نداءً مفتوحًا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، محذّرة من استمرار الكارثة...

شهيد وإصابات برصاص الاحتلال في البلدة القديمة بنابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شاب، متأثرا بإصابته برصاص الاحتلال الإسرائيلي، خلال اقتحام البلدة القديمة من مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية...