الجمعة 09/مايو/2025

هل الخلاف بين فتح وحماس على كلمة؟

هل الخلاف بين فتح وحماس على كلمة؟

صحيفة الشرق القطرية 19/3/2009

تعثرت الحوارات في القاهرة عند بند البرنامج السياسي للحكومة المتوافق عليها.. حماس مستعدة لاحترام الاتفاقات التي عقدتها منظمة التحرير واحترام القرارات الدولية ذات العلاقة.. في حين تطالبها حركة فتح بالالتزام الصريح بهذه الاتفاقات والقرارات وليس احترامها فقط.. البعض يظن أن الفارق بين الموقفين هو الفارق اللغوي الإملائي فقط بين كلمتي (احترام والتزام) وربما يستدعى البعض من السيرة مشهد صلح الحديبية إذ رفض سهيل بن عمرو مفاوض قريش وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه نبي وهو موقف رفضه الصحابة الكرام ولكنه صلى الله عليه وسلم مسح العبارة وأنهى المشكلة من طرف واحد فانعقد الصلح.. ويقولون إن ما تطلبه حركة فتح لا يزيد على تغيير كلمة ولا يتعدى تغيير حرفين منها فلتفعلها حماس ولتفرح شعبها بالصلح ولتخرجه من الأزمة ولتفك بذلك عنه الحصار.

وأقول: لو كان الأمر إلى هذا الحد من التبسيط فإن المنطقي ألا تقف عنده حركة فتح وبالمثل نقول فلتفعلها فتح (وما تكبر راسها) والحقيقة أن القضية أكبر من ذلك.. ولكن سبب هذا التبسيط والتسخيف هو جهل البعض بماهية تلك الالتزامات والانحشارات، ثم نسيان فوارق ما تمثله فتح وحماس في الحالة الفلسطينية وفوارق ما بين ظروف ومقومات موقف كل منهما.. ما يستدعي إلقاء ضوء على هذه الاتفاقات والتذكير ببعض الفوارق التي لا يجوز تجاهلها..

إن جميع الالتزامات التي ترفضها حماس يؤخذ عليها ثلاثة مآخذ أولها أنها جميعاً جعلت السلطة أداة في يد المحتل ولصالحه وضد المشروع الوطني الفلسطيني قبل أي اعتبار آخر، وثانياً أنها فرضت على الشعب الفلسطيني فرضاً ودون استمزاج رأيه أو مراعاة مصالحه وإنجازاته، وثالثاً: أن الشعب الفلسطيني صار بإمكانه اليوم الفكاك منها وأن يعيد الأمور إلى نصابها..

لا خلاف على أن خطة خارطة الطريق التي أعلنتها الخارجية الأمريكية عام 2003 واعتبرتها السبيل الوحيد لحل النزاع ووافقت عليها السلطة وترعاها الرباعية الدولية.. وهي بالفعل – بعد التصفح والاطلاع – خلاصة كل الاتفاقات والالتزامات السابقة.. فلنلق نظرة عليها ولنحدد بمنطق علمي وتحليلي ما إذا كانت مصلحة الشعب الفلسطيني أن يعيد منتجتها وتسويقها وما إذا كان على حماس أن تقبلها وأن تلتزم بها وأن تعد خارجة عن الصف الوطني إذا رفضتها.. هذا إذا كان الهدف هو إعطاء حكم عادل وجاد تجاه موقف الحركتين وإذا كنا نريد التحديد بشكل قاطع وموضوعي ووطني صميم من الذي يجب أن يتنازل للآخر ويجب أن يتراجع عن إصراراته وتزمتاته ليفرح الشعب الفلسطيني بالاتفاق والتوقيع..

فيما يتعلق بالأمن والعلاقة بين السلطة والمقاومة جاء في الخطة (*يعلن الفلسطينيون وقفاً لا يقبل التأويل للعنف والإرهاب ويقومون بجهود ملموسة على الأرض لاعتقال وعرقلة وتوقيف الأشخاص والجماعات التي تشن وتخطط لهجمات عنيفة ضد الإسرائيليين *يشمل هذا بدء جمع الأسلحة غير المشروعة *أجهزة الأمن الفلسطينية المعاد بناؤها وتدريبها ونظراؤها في جيش الدفاع الإسرائيلي يستأنفون التنسيق الأمني بشكل سريع *تقطع الدول العربية التمويل العام والخاص وكافة أشكال الدعم الأخرى للجماعات التي تدعم وتشارك بالعنف والإرهاب) وفيما يتعلق بالاعتراف ب(إسرائيل) والتطبيع معها الذي تصر حركة فتح أنها لم تقع فيه وأنها لا تطالب حماس به؛ تقول الخطة (*تصدر القيادة الفلسطينية بياناً لا يقبل التأويل يعيد تأكيد حق إسرائيل بالعيش بسلام وأمن *إعادة الروابط العربية مع إسرائيل التي كانت قائمة قبل الانتفاضة – المكاتب التجارية.. الخ -) وفيما يتعلق بنوعية الدولة وماهيتها (*إطلاق عملية تؤدي لإنشاء دولة فلسطينية بحدود مؤقتة) وفيما يتعلق بقضية المبعدين والمهجرين الذين أسمتهم لاجئين تقول (*تسوية تشمل حلاً واقعياً وعادلاً وشاملاً ومتفقاً عليه لموضوع اللاجئين) وفيما يتعلق بالقدس التي طالما صرحوا بأنها ستكون العاصمة للدولة الفلسطينية المتفاوض عليها؛ تقول الخطة (*وحلاً متفاوضاً عليه حول وضع القدس، يأخذ بعين الاعتبار مصالح كلا الطرفين السياسية والدينية ويحمي المصالح الدينية لليهود والمسيحيين والمسلمين في العالم).

يعترض البعض على هذه القراءة لطبيعة الالتزامات ومضامينها ومآلاتها باعتراضات فيقولون: هذه الالتزامات هي الموقف العالمي الذي لا نستطيع تجاهله لمجرد أننا لا نرغب به ونحن لسنا في جزيرة معزولة عن العالم، وهذه الالتزامات حققت السلطة مقابلها إنجازات وطنية كبيرة كدخول الثورة إلى داخل فلسطين وعودة عشرات الألوف من المبعدين والمهجرين، ويقولون أيضاً: ما الحل البديل؟ وهل بيدنا أن نعلن حرباً على (إسرائيل) وهي تقضم القضية كل يوم؟

وأقول: ابتداء ما يتعلق بكونها التزامات يريدها العالم.. فأين ما يريده الشعب الفلسطيني وليس ما يريده العالم؟ وأين القرار الوطني المستقل؟ وأين حق تقرير المصير الذي أشبعونا كلاماً عنه؟ ثم من قال إن العالم لم يتغير؟ وإنه اليوم كما كان يوم انطلقت مفاوضات مدريد قبل عشرين سنة أو يوم فرض علينا اتفاق أوسلو قبل ست عشرة سنة أو حتى كما كان قبل ثلاثة أشهر عشية الاعتداء على غزة؟ ولماذا يتجاهل البعض أن أمريكا اليوم تعاني مشكلات اقتصادية وأمنية وثقافية جعلتها تغير الكثير في اتجاهات سياستها الخارجية وجعلتها توعز لحلفائها أن يتواصلوا مع حماس وحزب الله وهي نفسها تحاول التوصل لحوار أو تقاسم مع إيران ما قد ينتهي بتبديل مرتكزات سياستها في المنطقة (ثمة تحليلات ليس الموضح لشرحها تتوقع أن تصبح إيران هي بيضة قبان المنطقة على حساب حلفاء تاريخيين لأمريكا في المنطقة وقد برزت مظاهر هذا التحول في أحداث بعينها) وإذن هناك تحولات في الموقف الدولي من حماس وتحولات إقليمية تستدعي الاستفادة من ممانعات حماس واستثمارها كرافعة للقضية ككل.. والقضية لم تعد مجرد نظرية فهذه قوافل الغرب التي تحاول مواجهة الحصار وفكه وهذه وفود علنية وأخرى سرية ورسمية وأخرى أهلية.. تتواصل مع المقاومة وتصرح بمواقف أعلى بكثير من مستوى مواقف وتصريحات المهزومين والبكّائين لدينا.. هذه التحولات يفترض أنها تدفع لإعادة النظر في تلك الالتزامات بمنطق التصويب والتعديل والرفض وليس التسليم والخضوع وإعادة المنتجة والاجترار والتسويق.. أما فيما يتعلق بالثمن المقبوض من هذه الالتزامات وأن السلطة حققت إنجازات.. فأقول: إن دخول الثورة إلى داخل فلسطين كان الطامة عليها والصاخة على شعبها والقارعة على مشروع التحرر الوطني لأن هذا الدخول جاء في سياق احتواء الثورة وحبسها في مسموحات العدو وممنوعاته ومصالحه وأجنداته ما أفرغ يد عرفات من كثير من قدرته على المناورة والإفلات (وانتهى ذلك لتصفيته بعد فرض حقائق الحصار عليه والانقلاب عليه) ثم كم حجم هذه الإنجازات في المنظور الاستراتيجي إذا كان مشروع الشعب الفلسطيني مشروع تحرر لا مجرد نزاع حدودي أو اختلاف مصالح أو تحصيل مكتسبات وامتيازات لأشخاص أو لفصيل بعينه؟ وما قيمة أي إنجاز حتى لو كان كبيراً – وهو ليس كذلك – إذا جاء في سياق التوظيف ضد الشعب الفلسطيني وإبقاء الذين في المنافي والإبعاد تحت وطأة واقعية ظروفهم البئيسة وعجز قيادة السلطة عن عقد اتفاق متوازن بحقهم؟ وما قيمة إنجازات تؤخذ القدس في مقابلها إلى التدويل ويتساوى فيها حق أهلها الشرعيين بحق الغاصبين المعتدين؟ وما هذا الإنجاز الذي تسمى فيه دولة بحدود مؤقتة وتكون أجهزتها ومؤسساتها كلها عدوة لشعبها وعميلة لأعدائه ثم تكون مهمتها الأساسية في البعدين العربي والإسلامي هي الترويج للتطبيع وفك العزلة عن العدو؟ وهل يريد الشعب الفلسطيني عودة من هذا القبيل أو دولة بهذا المعنى؟ وأما فيما يتعلق بالحل البديل في مواجهة التهويد وقضم الأراضي.. فأقول: لا بد من الاعتراف بداية أن الافتراق الفلسطيني بين فح وحماس هو الهامش الذي يشتت الغطاء والرعاية العالمية والإسلامية والعربية عن قضيتنا ويجعل إمكانات الضغط على العدو محدودة واستفراده بالمقاومة ميسوراً.. وبالتالي فلا يجوز صناعة الضعف والإصرار عليه ثم التذرع والتبرير به!! ثم إن الثورات في العادة لا تحسب الإمكانات بالتساوي مع إمكانات العدو ولكن بالتقابل والتناقض معها ثم بمدى الإصرار والعزيمة عليها.. وإذا انتقلنا من التنظير إلى الوقائع على الأرض فهذه المقاومة قد حققت ما لم تحققه دول وأنظمة رسمية وجيوش معدة ومعددة..

آخر القول: الخلاف بين فتح وحماس أكبر من أن يكون على كلمة أو عبارة، وهو ليس مجرد مماحكات تفاوضية كما يتوهم البعض! ولكنه خلاف على شكل ومضمون المشروع الوطني وعلى الفارق بين معنى الوطنية والعمالة وعلى نوع وشكل ووظيفة الحكومة المتحاور حولها، وعلى ماهية ونوعية استقلال الدولة المتفاوض عليها، وعلى كيفية قراءة المشروع الوطني ورؤية واقعه وصنع مستقبله.. وبالتالي فلا يسخّف أحد الخلاف ولا يضعه في غير محله..

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة في الأقصى

عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة في الأقصى

القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام أدى عشرات آلاف الفلسطينيين صلاة الجمعة، في المسجد الأقصى المبارك وباحاته، وسط تشديدات وإجراءات مكثفة فرضتها...

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام وثق مركز معلومات فلسطين "معطي" استشهاد 1000 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر...