الوفاق الفلسطيني وفرصته التاريخية ومعوقاته

صحيفة الخليج الإماراتية
يمكن القول إنه على مدى تاريخ الصراع العربي – الصهيوني لم تتوفر للشعب العربي الفلسطيني الفرصة الأكثر ملاءمة لتوصل نخبه السياسية وفصائله لتوافق وطني ملتزم بالثوابت القومية، كما هي متوفرة اليوم، سواء على الصعيدين الدولي والإقليمي، أو على الصعيد العربي العام والفلسطيني منه الخاص. كما يستدل على ذلك من استعراض معطيات واقع مختلف القوى المؤثرة في الصراع الذي فجرته إقامة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني على التراب العربي في فلسطين.
فالقوى الدولية راعية المشروع الصهيوني كانت على الدوام شديدة الحرص على منع تكامل القوى الفلسطينية، تحسباً من تداعيات ذلك على الكيان الصهيوني ودوره في خدمة مصالحها في الإقليم العربي. غير أن هذه القوى، الممثلة الآن بالإدارة الأمريكية، وإن هي لما تزل القوة الدولية الأعظم، إلا أن لها من مأزقها في العراق وأفغانستان، وتداعيات الأزمة المالية على السلام الاجتماعي الأمريكي ودورها القيادي، ما يجعلها أقرب إلى قبول تهدئة في الإقليم العربي تتيح لها فرصة التركيز على مشكلاتها الخاصة. فضلاً عن أنها فقدت الكثير من فعاليتها وقدرتها على فرض رؤاها، إن هي جوبهت بإرادة عصية على الاستلاب، وتغليب الحوار على التصعيد مع إيران مؤشر على ذلك.
ولا يختلف واقع الاتحاد الأوروبي كيفياً عن الواقع الأمريكي، سواء من حيث آثار التورط في العدوان على العراق وأفغانستان، أو الانشغال بتداعيات الأزمة المالية، والحرص بالتالي على التهدئة في جواره الجنوبي الشرقي. ثم إن صناع قراره أكثر من نظرائهم الأمريكيين إدراكاً بأنه لم يعد بالمستطاع تجاوز “حماس” واستمرار الانغلاق دونها. فضلاً عن توالي التحول في موقف الرأي العام الأوروبي تجاه كل من “إسرائيل” والمقاومة الفلسطينية. كما تعكس ذلك قافلة دعم قطاع غزة بقيادة النائب البريطاني السابق جورج غالوي، وزيارة الوفد البرلماني الأوروبي، برئاسة الوزيرة البريطانية السابقة كلير شورت، لدمشق ولقائه خالد مشعل وأحمد جبريل.
ولأن التجمع الاستيطاني الصهيوني بات يواجه تنامي الشعور بانسداد آفاق المستقبل، ازداد انغلاقاً على الذات وتشدداً في مواقفه العنصرية. وذلك ما عكسته الانتخابات الأخيرة. فضلاً عن اتساع دائرة القائلين باللاءات الخمسة: لا للتخلي عن القدس الموحدة عاصمة أبدية، ولا لعودة اللاجئين، ولا لتفكيك المستوطنات، ولا للانسحاب لحدود 1967، ولا لدولة في الضفة والقطاع المحتلين. الأمر الذي يعني رفض “المبادرة” العربية، وبالتبعية تبدد أوهام ما يسمى “عملية السلام”.
ولم يعد خافياً أن الانتفاضة الشعبية ما بين المحيط والخليج، انتصاراً للمقاومة واستنكاراً للتواطؤ الدولي والإقليمي عليها، قد أحدثت انعكاسها لدى صناع القرار الرسمي العربي، فضلاً عن بعض تأثير الانتخابات “الإسرائيلية”. ومما له دلالته في هذا السياق اختلاف التعاطي المصري الراهن مع حوار الفصائل الفلسطينية عما كان قبلاً، وكذلك ما ذكر من أن السعودية وسوريا وقطر ترفض شروط الرباعية.
ولا شك في أن مكانة “حماس”، فلسطينياً وعربياً وحتى دولياً، بعد فشل المحرقة الصهيونية غير ما كانت عليه قبلها، إلا أنها بقدر ما نمت مكانة واعتباراً بمقدار ما عظمت مسؤوليتها الوطنية، خصوصاً تجاه معاناة الصامدين في القطاع ومتطلبات إعماره، والانفتاح على بقية ألوان الطيف السياسي والفكري الفلسطيني. الأمر الذي بات يتطلب مرونة في حوار الفصائل الأخرى، وإدارة الخلاف مع السلطة الفلسطينية، بما فيه تعظيم ما هو مشترك وتحجيم الآثار السلبية للتناقضات مهما عظمت. وذلك بتقديم المصلحة الوطنية على المصالح الفصائلية والذاتية، في حدود عدم التفريط في الثوابت وإرادة المقاومة.
وعلى الرغم من الدعم الدولي والرسمي العربي للسلطة الفلسطينية، الذي تجلى في مؤتمر شرم الشيخ مؤخراً، إلا أن الفشل في تحقيق أي إنجاز وطني خلال سنوات التفاوض الخمس عشرة الماضية، وما حفلت به من تنازلات مجانية، ناهيك عن تواصل الإصرار على رفض المقاومة في مواجهة كيان محتل للأرض، ومغتصب للحقوق، وممعن في إجراءاته التعسفية. كل ذلك متفاعلاً لم يضعف دور فتح في الحراك الوطني فقط، وإنما أيضاً هدد في الصميم وحدتها التنظيمية. فضلاً عن أنه لم يعد باستطاعة الفريق القائد لفتح تجاهل “حماس” وفصائل المقاومة الأخرى. مما اضطره للدخول في حوار معها من موقف تكتيكي وليس استراتيجياً.
ولقد انعكست معطيات واقع مختلف القوى على حوار الفصائل الجاري في القاهرة، بحيث غلبت على المتحاورين الروح الرفاقية، والشعور بضرورة التوصل للاتفاق الذي يضع حداً للانقسام، والتقدم على طريق الوحدة الوطنية. ولقد أنجزت معظم اللجان ما كلفت به. غير أنها إنجازات تظل مرهونة بالاتفاق حول الحكومة وما تلتزم به. والتباين يصل حد التناقض بين مطالبة “حماس” بحكومة وحدة وطنية بمشاركة الفصائل ملتزمة بالثوابت الوطنية، وإصرار محمود عباس على حكومة توافق غير فصائلية تلتزم بالتزامات المنظمة لتكون قادرة على فك الحصار. أي قابلة بشروط الرباعية، مما يعني في التحليل الأخير إلزام “حماس” وفصائل المقاومة بما لم تستطع تحقيقه المحرقة الصهيونية.
وتواجه الباحث أمام هذه الإشكالية المهددة كل إنجازات الحوار، وبالتبعية إجهاض الفرصة التاريخية للوفاق الوطني، التساؤلات التالية: إذا كان ليس في تاريخ الصراع موقف واحد لما يسمى “المجتمع الدولي” منصف لشعب فلسطين، فلمصلحة من المطالبة بقبول شروط الرباعية؟ وإذا كانت “إسرائيل” لم تف بأي مما نص عليه اتفاق أوسلو، فأي مصلحة وطنية في تنفيذ ما ابرم من التزامات باسم منظمة التحرير الفلسطينية؟ وإذا كان التجمع الاستيطاني الصهيوني لم يعترف بأي حق فلسطيني مشروع فما مبرر مطالبة المحتلة أرضهم والمنكرة حقوقهم بالاعتراف للغزاة بحق الوجود الآمن في الأرض العربية المغتصبة؟ وهل لو تضامنت السلطة الفلسطينية مع شعبها في رفض الحصار وعدم الالتزام به، أما كان ذلك يسقط الاحتجاج بموقف السلطة على مواصلة الحصار؟ وهل لو كان قرار فريق أوسلو مستقلاً وجدت الإدارة الأمريكية من يصر على الالتزام بشروط الرباعية؟
تساؤلات مطروحة ليس فقط على ممثلي السلطة في حوارات القاهرة، ولا على قادة وكوادر فتح ومناصريها فحسب، وإنما أيضاً على النخب الفلسطينية الساكتة عن مواقف من يقفون مع مخطط منع الوفاق الوطني الفلسطيني بقرار دولي.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة في الأقصى
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام أدى عشرات آلاف الفلسطينيين صلاة الجمعة، في المسجد الأقصى المبارك وباحاته، وسط تشديدات وإجراءات مكثفة فرضتها...

الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم لليوم الـ103
طولكرم – المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة طولكرم ومخيميها لليوم الـ103 على التوالي، ولليوم الـ90 على مخيم...

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام وثق مركز معلومات فلسطين "معطي" استشهاد 1000 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر...

استطلاع: نتنياهو يحصل على 48 مقعدًا والمعارضة 62
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام كشف استطلاع رأي نشرته صحيفة معاريف، اليوم الجمعة، أن ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيحصل على 48 مقعدًا في...

الاحتلال يعترف بمقتل جنديين في اشتباكات رفح ويكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام نشرت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم الجمعة، تفاصيل ثقيلة لخسائر صفوف جنوده خلال اشتباكات وقعت يوم أمس في...

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل
الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الجمعة، 4 فلسطينيين خلال اقتحامات متفرقة في مدينة الخليل جنوبي الضفة...

صدمات نفسية تحول دون التحاق الاحتياط بجيش الاحتلال
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت دراسة إسرائيلية، أن نحو 12 بالمئة من جنود الاحتياط بالجيش الإسرائيلي، الذين شاركوا بحرب الإبادة في...