الأحد 11/مايو/2025

تجميد المستوطنات.. الخدعة الثانية

تجميد المستوطنات.. الخدعة الثانية

صحيفة الوطن العمانية

بينما يستمر مؤيدو حل الدولتينِ في الإصرار على أن تجمد “إسرائيل” إنشاء المستوطنات في الضفة الغربية، فإن هناك شيئاً مذهلاً ومحيراً تماماً بشأن هذا المشروع برمته.

لقد دعت الولايات المتحدة “إسرائيل” لوقف بناء المستوطنات لأكثر من ثلاثة عقود من الزمان إلى الآن. وفي ست مناسبات على الأقل، بدت “إسرائيل” أنها تقبل وتذعن لهذه المطالب. ومع ذلك، تستمر المستوطنات في توسيع نطاقها مثل مرض خبيث، آكلةً لمزيدٍ من الأراضي الفلسطينية، حيث أشار تقرير صحفي إسرائيلي حديث إلى أن 15.000 وحدة استيطانية جديدة تم الترخيص بها، مع وجود 58.000 وحدة أخرى تحت الإنشاء. وإذا اكتملت، فإن هذا سيضاعف تقريباً من عدد الإسرائيليين الذين يعيشون في الضفة الغربية!

إنها قصة قديمة..

عندما وقعت حكومة “الليكود” على اتفاقات “كامب ديفيد” مع مصر في عام 1978، ضمن الرئيس الأميركي كارتر (أو هكذا اعتقد) التزاماً من رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها مناحم بيجين بوقف إنشاء المستوطنات. ووقتها قضى المستشار القانوني بوزارة الخارجية الأميركية بأن المستوطنات في الأراضي المحتلة غير قانونية، ومتعارضة مع القانون الدولي الذي يمنع قوة الاحتلال من نقل سكانها إلى الأراضي التي يحتلها جيشها.

وفي ذاك الوقت، كان هناك حوالي 6.500 مستوطن يعيشون في الضفة الغربية، مع وجود 40.000 آخرين يعيشون في المستوطنات في المناطق المحتلة حول القدس. وكانت مستوطنات الضفة الغربية بالأساس على طول “الخط الأخضر” وفي وادي الأردن، قد تم تأسيسها من قبل حكومة حزب “العمل” السابقة – والتي زعمت أنها كانت “لأغراضٍ أمنية”.

وغيرت حكومة “الليكود” كل ذلك. فقد بادرت بجهودٍ لتنفيذ ما كان يُسمى وقتها “خطة دروبلز”. ووفقاً لهذه الخطة، فإن الغرض هو “تحقيق وتوكيد حقنا في إسرائيل” بإنشاء ليس فقط “مستوطنات وطرق حول مستوطنات الأقليات (أي الفلسطينيين) ولكن أيضاً بينها” لكي ـ كما قالها وكتبها محلل إسرائيلي في مجلة “تايم” الأميركية ذات مرة ـ “يتم تقطيع أوصال الضفة الغربية بشبكة من الطرق والمستوطنات التي لا تجعل هناك وجود لدولة فلسطينية مستقلة أبداً”.

وهكذا، وعلى امتداد الثمانينيات من القرن الماضي، استمرت المستوطنات والطرق في البناء، مع وصول سكان الضفة الغربية من المستوطنين إلى 90.000 بحلول عام 1991، وزاد العدد في منطقة القدس إلى أكثر من 137.000. وفي تلك السنة، كان هناك “تجميد للاستيطان” آخر متفق عليه! وفي التمهيد إلى مؤتمر سلام مدريد، أقنع وزير الخارجية الأميركي وقتها جيمس بيكر، الساعي إلى تبادل لإجراءات بناء الثقة، أقنع الدول العربية بتعليق مقاطعتها الثانوية ل”إسرائيل” وبالمشاركة في مؤتمر سلام دولي في مقابل موافقة “إسرائيل” على تجميد المستوطنات.

وبتوقيع اتفاقات “أوسلو” في عام 1993، وافقت “إسرائيل” والفلسطينيون على الإحجام عن أي أفعال قد “تؤثر على النتيجة النهائية” – وفُهم أنه التزام آخر من قبل “إسرائيل” بوقف بناء المستوطنات والطرق على امتداد الأراضي المحتلة. وبالرغم من هذا، إلا أن معظم الإنشاء والتوسع السريع لكليهما (المستوطنات والطرق) حدث خلال “سنوات السلام” في التسعينيات من القرن الماضي. وبنهاية ذلك العقد الزمني، تضاعف سكان المستوطنات وقُطعت أوصال الضفة الغربية أكثر بشبكة “طرق سريعة” معززة للأمن “لليهود فقط” تربط المستوطنات ببعضها بعضاً وب”إسرائيل”.

كانت هناك جهود أخرى لوقف المستوطنات. فقد أعلن الرئيس جورج بوش الأب -في محاولة لوضع ثمن على عدم انصياع “إسرائيل”- عن أنه في كل عام سيخصم من ضمانات القروض التي كانت توفرها الولايات المتحدة ل”إسرائيل” – سيخصم كمية مساوية لما أنفقته “إسرائيل” على الإنشاء الاستيطاني. وهذا الإجراء واصله الرئيس كلينتون. كما حاولت إدارة كلينتون أيضاً أن تضع كوابح أمام جهود رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها نتنياهو لإنشاء مستوطنة جديدة بالقرب من بيت لحم. وبعد توقف قصير، استمرت الخطط. واليوم، تؤوي مستوطنة “حار حوما”، كما تُسمى، 19.000 مستوطن. وحتى الرئيس جورج بوش الابن انتقد النمو الاستيطاني وأصر على أنه بموجب “خارطة الطريق” فإن “إسرائيل” مجبرة وملزمة بتجميد المستوطنات.

وهناك اليوم ما يقرب من نصف مليون مستوطن يعيشون في الأراضي المحتلة (بمن فيهم أولئك الذين في مناطق محتلة حول القدس). وهناك المزيد في الطريق.

إن الدعاوى المستمرة لتجميد المستوطنات وتجاهل “إسرائيل” لهذه الدعاوى يذكرني بالأب الذي يطلب من طفله “وقف” عمل شيء ما ويقف متفرجاً بينما يستمر الطفل في عمله. إن إدراك أنه ليس هناك عواقب على السلوك السيئ إنما يشجع ويجرئ “إسرائيل”، مسبباً إحساساً بالتفويض والقبول. ولجعل الأمور تزداد سوءاً، حتى بينما يتم الدعوة إلى تجميدٍ للمستوطنات في أبريل عام 2004، أرسل الرئيس بوش رسالة سيئة السمعة إلى أرييل شارون اعترفت فيها الولايات المتحدة بما تسميها الرسالة “حقائق” على الأرض.. الكتلة الاستيطانية الكبرى المحمية وراء “جدار الفصل”. وبعبارة أخرى، فإن ما كان غير قانوني، “العقبات أمام السلام” و”الخروقات والانتهاكات” لاتفاقات أوسلو “وخارطة الطريق” هو الآن “حقائق” يجب أن يقبلها الفلسطينيون.

ومع عيش نصف مليون مستوطن في حوالي 170 مستوطنة مُقامة استراتيجياً على امتداد الضفة الغربية وتحيط بالقدس، ومع وجود 100 موقع استيطاني متقدم، و600 نقطة تفتيش، وأميال من الطرق وجدار فصل عنصري يتعمق في قلب الأراضي الفلسطينية – فإن حلم “دروبلز” يتم تحقيقه الآن.

وفي هذه النقطة، من المهم والحاسم إدراك أنه إذا ما أُريد تحقق حل الدولتينِ، فإن دعاوى “تجميد المستوطنات” ليست كافية. فهي ليست فقط فارغة من المضمون ومُتجاهلة) ولكن أيضاً تتجاهل حقيقة أنه لا يمكن أن تكون هناك دولة فلسطينية متواصلة قابلة للحياة مع وجود مستوطنات مقتحمة تقطع في أوصال الأراضي الفلسطينية، مُصممة ومُقامة كما هي بنية محددة وهي جعل مثل تلك الدولة مستحيلة.

إن أولئك الذين يريدون أن يروا حل الدولتين لا يمكن أن يستمروا في قبول – ومكأفاة – هذا السلوك السيئ.. وإذا كنا جادين بشأن الدولتين (والبعض قد لا يكون كذلك)، فقد حان الوقت للدعوة ليس إلى تجميد جديد للاستيطان، ولكن إلى إزالة المستوطنات.

رئيس المعهد العربي الأميركي

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....