الأحد 11/مايو/2025

هل التكيّف العربي مع أوباما ونتانياهو كافٍ؟

هل التكيّف العربي مع أوباما ونتانياهو كافٍ؟

صحيفة الوطن القطرية

تنعقد بعد أيام في الدوحة قمة عربية بنصاب كامل هي الأولى بعد حرب “إسرائيل” الوحشية على غزة. وفيما كان القادة الفلسطينيون يحاولون في القاهرة جاهدين ترميم وفاقهم الوطني لتذليل عقبتي الحكومة والانتخابات، حاول في الرياض قادة عرب، أربعة منهم على وجه الخصوص، إيجاد آلية لمعالجة الخلافات بغية الحؤول دون تطورها إلى خصومات، والتوصل إلى مصالحة عامة قبل القمة المنتظرة أواخر الشهر الجاري.

هذا ما أوحى به ظاهر الحال. لكن باطنه وشى بأمر آخر أكثر أهمية. إنه محاولة القادة جميعاً، فلسطينيين وعرباً، التهيؤ والتكيّف لمواجهة تحوّلين بالغي الأهمية إقليمياً وعالمياً: اضطلاع باراك أوباما بقيادة الولايات المتحدة وبنيامين نتانياهو بقيادة “إسرائيل” وتأثيرهما المرتقب في قضايا المنطقة.

كان الفلسطينيون قد عانوا، طيلة ثماني سنوات، من انحياز إدارة جورج دبليو بوش السافر والمخرّب إلى “إسرائيل” في عدوانها الصارخ على فلسطين، شعباً وأرضاً وحقوقاً ومصيراً. كما عانوا من سكوت بعض النظم السياسية العربية عن سياسة أميركا المنحازة والمعادية وانحياز بعضها الآخر إليها لدرجة بدا معها أن قضيتها المركزية ليست فلسطين ومواجهة “إسرائيل” بل إيران ومنعها من تنفيذ برنامجها النووي.

في اجتماعات القاهرة حاول المسؤولون المصريون التوفيق بين القادة الفلسطينيين على أساس سياسة بثلاثة مرتكزات: التسليم برئاسة محمود عباس للسلطة والاتفاقات التي جرى إبرامها مع “إسرائيل”، تأليف حكومة وفاق وطني من المستقلين والخبراء لمواجهة أولوية إعمار غزة، والإعداد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في مطلع العام القادم.

في قمة الرياض الرباعية دخل المسؤولون المصريون على خط المصالحة السعودية – السورية وحاولوا انتزاع دمشق من جو قمة الدوحة، التي انعقدت خلال الحرب الوحشية على غزة، وتأهيلها لمصالحة الولايات المتحدة بعدما آلت قيادتها إلى أوباما الواعد بالتغيير وبمقاربة تفاوضية أكثر فعالية للصراع العربي – الإسرائيلي.

الرئيس السوري لم ينجرف في السياسة المصرية. اكتفى بتأكيد انفتاحه على إدارة أوباما واستعداده لمفاوضة “إسرائيل” من اجل استخلاص الجولان المحتل من قبضتها مع عدم المساس بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة قابلة للحياة يقررون هم شكلها ومضمونها وكل ما يتعلق بها.

هل تكفي المصالحات بين القادة العرب التي كرّستها قمة الرياض لإنجاح قمة الدوحة ؟ ماذا عن فوز اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة نتانياهو ورفضه حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، ورفضه التفاوض حول القدس ووقف الاستيطان وعودة اللاجئين؟ ماذا لو رفضت واشنطن التعاطي مع حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية ما لم تعترف «حماس» و«الجهاد الإسلامي» ب”إسرائيل” وتنبذا العنف؟ ماذا عن الموقف المراد اتخاذه من البرنامج النووي الإيراني في ضوء رفض واشنطن استمرار طهران في تخصيب اليورانيوم؟ باختصار، هل «تأهيل» الفلسطينيين والسوريين للتكيّف مع إدارة أوباما وسياستها الواعدة بالتغيير كافٍ لحماية الفلسطينيين والمقاومة وسوريا ودعمهما في وجه “إسرائيل” اليمينية العنصرية بقيادة نتانياهو؟

يبدو أن قيادة مصر التي تجد في أدائها الحالي لياقةً سياسية كافية لإحياء دورها القيادي الإقليمي، لا تريد من الفلسطينيين والسوريين وسائر أهل الممانعة والمقاومة إلاّ التزام سياسة الحد الأدنى إزاء القضايا الساخنة والمعلّقة. فهي تريد اعترافاً من أوباما بالعرب المتصالحين في قمة الدوحة كي تباشر إدارته مهمة الضغط على “إسرائيل” من أجل فتح المعابر، والبدء بإعمار غزة، ومن ثم معاودة المفاوضات وفق «خريطة الطريق» المؤدية، نظرياً، إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة.

ماذا لو رفضت حكومة نتانياهو سلوك هذه الطريق؟

الجواب المصري (الضمني) هو: فلتفعل. ذلك يؤدي إلى صدام بينها وبين أميركا.

لنفترض أن صداماً سيقع بين “إسرائيل” وحاضنتها التاريخية، هل يضمن الفلسطينيون والسوريون أن يكسبوا شيئاً منه ؟

المصريون لا يستطيعون التبرع بجواب عن هذا السؤال، ليس لأنهم متشككون أصلاً في حصول صدام بين الأم الحاضنة والابنة المدللة فحسب بل لأن المكاسب المنتظرة ستكون أيضاً هزيلة لدرجة لا تستأهل المجازفة بجواب.

هذا الخط من التفكير السياسي التقليدي والسطحي جرى تجريبه من قبل ولم يجدِ فتيلاً. ذلك أنه يتجاهل حقيقة نافرة هي العلاقة العضوية الاستراتيجية القائمة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”. فلا “إسرائيل” في وارد التخلي، في ظل موازين القوى الراهنة، عن مشروعها الاستيطاني التوسعي الزاحف، ولا أميركا في ظل عمارة مصالحها الاقتصادية في المنطقة، ولا سيما بعد بروز إيران كقوة إقليمية ذات مطامح نووية ماثلة، في وارد الاصطدام ب”إسرائيل” وإضعاف أمنها القومي.

ثم، ما ضمانة الرهان أصلاً على أوباما ووعده بمقاربة مغايرة للصراع العربي – الإسرائيلي؟

باتريك سيل، الصحفي البريطاني المرموق والخبير في قضايا الشرق الأوسط، كشف قبل يومين النتيجة السلبية التي توصل إليها مؤتمر دولي رفيع المستوى كان عقد في كلية الدفاع التابعة لحلف شمال الأطلسي في روما في 4 و5 الشهر الجاري بحضور مشاركين من الشرق الأوسط وأميركا وأوروبا. يقول سيل، بعد المناقشة التي دارت بين هؤلاء جميعاً، أنه «فيما يبدو العرب منتظرين الكثير مـن أوباما، يعتبر معظم الإسرائيليين والأميركيين أن «الوقائع على الأرض» قد تحدّ مما يقدر الرئيس الأميركي على تحقيقه. وتوصل الجميع إلى خلاصة متشائمة مفادها أنه من غير المرجح أن يكون أوباما قادراً على فرض السلام».

مراقبون متتبعون للمشهد السياسي الإسرائيلي يشاطرون المشاركين في مؤتمر روما الآنف الذكر رسمَ لوحةٍ قاتمة لما سيكون عليه الوضع في المنطقة في المستقبل المنظور:

ـ يقولون إن نتانياهو لن يوافق على الانخراط مجدداً في «مفاوضات الوضع النهائي» مع الفلسطينيين ولا في مفاوضات حول الانسحاب من الجولان مع السوريين.

ـ يؤكدون أن أقصى ما سيقدمه نتانياهو في هذه الآونة للفلسطينيين «شراكة اقتصادية لتنمية الضفة الغربية» بالتعاون مع السلطة التي يرأسها محمود عباس، وللسوريين انسحاباً محدوداً من القطاع الجبلي الشمالي للجولان حيث لا وجود لمستوطنات صهيونية، مع إمكانية عقد اتفاق عدم اعتداء مع دمشق.

ـ يتخوفون من أن تقدم حكومة نتانياهو على توجيه ضربة خاطفة لمنشآت إيران النووية، الأمر الذي لم يستبعده أيضاً قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري، مقدراً أنها في حال حصولها ستكون «ضربة مباغتة أو صاروخية».

بصرف النظر عن مدى نجاح حكومة نتانياهو أو اخفاقها في اتخاذ الخطوات الثلاث المار ذكرها، فإن أسئلة ملحاحة تنهض للتو في هذا السياق: هل يعقل أن يوافق الفلسطينيون على «تقديمات» هزيلة كالتي يعتزم نتانياهو عرضها عليهم بعد كل التضحيات والخسائر التي تكبدوها في الحرب على غزة؟ وهل يعقل أن يفك السوريون تفاهمهم الإستراتيجي مع إيران لقاء استرداد بضعة كيلومترات من الجولان لم تستطع “إسرائيل” إخضاع أهلها، ولم تتمكن تالياً من بنـاء مستوطنـة واحـدة فيها؟ وهل يعقل أن تنجو “إسرائيل” من ضربة ثأرية إيرانية إذا ما ضربت منشآت طهران النووية؟ وهل تبقى موازين القوى الإقليمية على حالها في حال نشوب مواجهة صاروخية ضارية بين “إسرائيل” من جهـة وإيران، وربما حلفائها، من جهة أخرى؟

الحقيقة أن خط التفكير السياسي الذي يسلكه «العرب المعتدلون» لا يوصل إلى أي مكسب سياسي أو عسكري، ولا هو يوفر لهم دوراً إقليمياً يخدم قضاياهم، ولا هو يحمي المقاومة ولا يصون سوريا ولا يدعم قضية تحرير الجولان.

آن الأوان ليدرك العرب جميعاً، معتدلين ومتشددين، أن الولايات المتحدة في انحدار بسبب اندحارها المتسارع في العراق وأفغانستان، ونتيجة الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بها وبحليفاتها في أوروبا وآسيا ما يجعلها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها السياسية والدفاعية في العالم عموما وفي غرب آسيا خصوصاً.

ما ينطبق على أميركا عموما، ينطبق أيضاً على “إسرائيل”. فالكيان الصهيوني سيتأذى كثيراً من تراجع أميركا سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وسينعكس ذلك عليه سلباً في الحاضر والمستقبل المنظور، هذا ناهيك عن الأذى الفادح الذي أصيب به في حربه العدوانية على لبنان سنة 2006 وحربه الوحشية على غزة أخيراً ما أدى إلى هتك هيبته الردعية بفضل صمود المقاومة في كلا الحربين.

إن القوى الحية في الأمة مدعوة إلى استخلاص دروس الحروب والتطورات السياسية والاقتصادية المتلاحقة من أجل النهوض إلى مواجهة التحديات الماثلة في أفق جديد ومن خلال استراتيجية متقدمة للممانعة والمقاومة.

أجل، المطلوب من العرب، كل العرب، في قمة الدوحة العتيدة ليس إعادة تأهيل أنفسهم للتكيّف مع أوباما بل استكمال لياقتهم السياسية والاقتصادية والعسكرية لوقف التراجع، وترسيخ الصمود، ومضاعفة البناء الذاتي، والتخطيط الإستراتيجي في ضوء المتغيرات الحاصلة من أجل الانتقال التدريجي بقوى المقاومة من موقع الدفاع إلى موقـع الهجوم، ولا سيما حيث ظروف المكان والزمان وموازين القوى وإرادة القتال تسمح بالمواجهة وبصنع النصر. 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....