الثلاثاء 13/مايو/2025

مأساة مخيم التنف للفلسطينيين الفارين من العراق

مأساة مخيم التنف للفلسطينيين الفارين من العراق

صحيفة الدستور الأردنية

لم تكن مأساة مخيم رويشد للاجئين الفلسطينيين الفارين من العراق، التي اختتمت فصولها العام الماضي هي الوحيدة (ختمت بتوزيع اللاجئين على دول أجنبية مثل البرازيل والتشيلي والهند، مع قليل منهم إلى السودان)، فهناك مخيمات أخرى ما زالت موجودة، يئن سكانها تحت وطأة البؤس والمعاناة، وهي: مخيم الوليد، داخل الحدود العراقية، وعلى مقربة من الحدود السورية، ويضم حوالي 1800 شخص، مخيم الهول قرب منطقة الحسكة السورية، ويضم 350 شخصاً، مخيم التنف على الحدود السورية العراقية، ويضم 880 شخصاً. والآن مخيم آخر في قطاع غزة (غير المخيمات المعروفة، أعني ممن هدمت بيوتهم في الحرب).

مخيم التنف الذي زارته وتزوره وفود من نقابة المهندسين الأردنيين والاتحاد العام للأطباء العرب، بينما تتواصل مع أهله بعض قوى المقاومة الموجودة في دمشق هو نموذج لما عليه المخيمات الثلاثة من بؤس، إذ يشبه إلى حد كبير سجون الخيام، هو الذي يتحرك أهله في مساحة لا تتعدى 750 متراً مربعاً، ينتظرون الفرج من الله، وبعد ذلك من اللجان الدولية التي تسعى للحصول على لجوء لهم في بعض الدول.

منذ أيار 2006 وجد هذا المخيم، كما هو حال المخيمين الآخرين، وبالطبع بعد أن فرّ سكانه من جحيم الموت والقتل والطائفي الذي ساد الساحة العراقية، واستهدف فيما استهدف الفلسطينيين المقيمين في العراق بدعوى مساندتهم لنظام الرئيس السابق صدام حسين، مع أنهم موجودون في البلد قبل نظامه بكثير.

لم يكن أمام هذه الأسر المنكوبة، والتي فقدت الكثير من أبنائها ورجالها، بينما تعرض آخرون منهم للخطف والتعذيب سوى الفرار طلباً للنجاة، وقد فعلوا ذلك على أمل أن يجدوا لهم مأوى في هذا العالم العربي الممتد من المحيط إلى الخليج، لكنه غص بهم وتركهم في هذه الحالة البائسة دون شفقة أو رحمة.

أسر بكاملها، من بينها أرامل وأيتام ومرضى وشيوخ وعجزة يعيشون في تلك المخيمات، يعانون برد الشتاء وحرّ الصيف وزواحف الأرض السامة، بينما تتفضل عليهم بعض الجهات الدولية بما يقيم الأود في خيام بائسة تبدو أسوأ من تلك التي عرفها الفلسطينيون في أيام لجوئهم الأولى (لعلها أفضل من خيام غزة الجديدة).

من المؤكد أن هؤلاء لم يخرجوا من العراق طلباً للرفاه، ولم يكن يخطر ببالهم أنهم سينتظرون الرحيل إلى البرازيل وتشيلي أو السويد واستراليا، بل توقعوا أن تحتضنهم أمتهم، وهم الذين لن يؤثروا شيئاً في التركيبة السكانية لأي بلد من بلدانها.

أي عار تحتمله هذه الأمة حين توزع هذه الثلة البسيطة العدد من أبنائها المنكوبين بفعل الاحتلال الأمريكي ومن جاؤوا على دبابته، حين توزعهم على دول بعيدة سيكون من الصعب على أبنائهم المحافظة على هويتهم فيها، فضلاً عما ينطوي عليه الموقف من بؤس بالنسبة لكبار السن الذين لن يتأقلموا بسهولة مع الحياة هناك؟

ومع أننا لا نملك غير شكر تلك الدول التي تتفضل بين حين وآخر باستيعاب العشرات أو المئات من هؤلاء كي تخلصهم من البؤس الذي يعيشون فيه، فإن من الطبيعي أن يتملكنا القهر من دول عربية ترفض استقبالهم بدعاوى سخيفة لا تمت إلى العروبة ولا الدين بصلة.

هم لا يملكون غير الصبر، وهم يصبرون ويصابرون بالفعل، وهم يعلمون أبناءهم بما تيسر من أدوات، وقبل شهور تزوج شاب من فتاة في مخيم التنف، في إصرار على إرادة الحياة رغم بشاعة الظروف وقسوة قلوب الأشقاء.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات