«الدولة اليهودية».. ماذا وراء المشروع؟

صحيفة الوطن القطرية
أفضت الانتخابات البرلمانية التي جرت في “إسرائيل” إلى فوز «اليمين المتطرف» بأغلبية مقاعد الكنيست الإسرائيلي، وقد كلف رئيس الدولة العبرية زعيم حزب الليكود بنيامين نتانياهو مهمة تشكيل الحكومة المقبلة على مقاس برنامجه الداخلي «الترانسفيري» وجدول أعماله الإقليمي «الحربجي».
الأمر الذي جاء متناقضاً إلى حد بعيد، مع استحقاقات حدثين كبيرين من الوزن الثقيل كانا قد حصلا، داخل المنطقة وخارجها، عشية تلك الانتخابات، الحدث الأول هو وصول الرئيس أوباما رسمياً إلى البيت الأبيض بإدارته الجديدة وبرنامجه «السلمي» الموعود، والحدث الثاني هو العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، فالمشهود في التاريخ هو أن قطار الحوار حول مسائل التهدئة والتسوية، أو السلام، سرعان ما كان ينطلق في اللحظة التي تصمت فيها مدافع المتحاربين وبنادق المتقاتلين.
والأكثر دلالة على خطورة الأمر هنا هو حقيقة أن الخطاب السياسي العريض الذي تعهدت العمل به، جدياً وغداة تشكيل الحكومة «العتيدة»، أحزاب اليمين الإسرائيلي، وقد استقطبت من خلاله أغلبية الرأي العام الساحقة هناك، هو خطاب «الدولة اليهودية»، التي يصفها صحفيو الجناح المتطرف في “إسرائيل” بـ «الدولة النظيفة غير العابرة للطوائف والأديان»، في إشارة واضحة من جانب هؤلاء إلى أحاديتها الدينية وعنصريتها الطائفية، والسؤال العجب الذي يسوق إليه، منطقياً، الخطاب الإسرائيلي «الجديد»، هو: كيف يمكن الجمع بين الطائفية والديمقراطية في مسمى «الدولة اليهودية»، سيما وأن “إسرائيل”، منذ نشأتها قبل واحد وستين عاما ما انفكت يوما تطرح نفسها على أنها واحة الديمقراطية وصورتها المثالية التي ينبغي أن تعم المنطقة وتسود العالم برمته؟! ذلك أن الدول الثيوقراطية «الدينية» تعود إلى العصور السابقة على عصر الحضارة والمدنية الرأسمالية في حين إن الدولة الديمقراطية هي من مواليد هذا العصر، فالعلمانية هي حجر الزاوية في مبنى الديمقراطية التي بدونها تنقلب على نفسها لتغدو ضدها، أي دكتاتورية بامتياز.
والحق، إن خارطة الدولة اليهودية، بالتضاريس السياسية التي يرسمها صقور اليمين الإسرائيلي المتطرف، هي بمثابة «وعد بلفور ثان»، أكثر خطورة من سابقه «وعد بلفور1917» لما يحمله من مضامين ودلالات سياسية جد خطيرة على حاضر المنطقة ومستقبلها ولعل أبرز دلالات أو حقائق «الدولة اليهودية» وأخطر استحقاقات شروع “إسرائيل” بمشروع «الدولة وحيدة القطب الدينية» هي التالية:
أولاً: تكشف أطروحة «الدولة اليهودية» عن زيف وخواء الديمقراطية المزعومة في “إسرائيل” فالدعوة إلى إقامة دولة دينية أو ديننة الدولة القائمة تنسف العلمانية التي هي شروط الديمقراطية ومفادها القبول بالحامل الاجتماعي للوعي الديني الآخر والاعتراف به داخل المجتمع الواحد أو عبر المجتمعات المتعددة مدخلاً للعمل بمبدأ الفصل بين الدين والدولة كمبدأ رئيسي من مبادئ الدولة العلمانية التي تقوم على أسس وضعية غير ثيوقراطية شريطة الوعي بحقيقة أن فصل الدين عن الدولة هنا لا يتعدى في معناه ومبناه حدود إسناد سلطات الدولة المعنية لأفراد أو جماعات المجتمع المعني على أسس أخرى غير دينية.
ثانياً: وتشير أطروحة «الدولة اليهودية» كذلك إلى رفض “إسرائيل” بصورة قاطعة الالتزام بالقرار الدولي رقم 194 وغيره من القرارات الدولية الأخرى ذات الصلة وبالتالي إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين في مناطق الشتات كحق أول ورئيس لهؤلاء وقد احتل مكانة الأولوية في المواثيق الدولية وكافة الشرائع الأخلاقية على اعتبار أن الوطن في قاموس علم الاجتماع السياسي وكما هو في الحقيقة شعب كذلك وليس مجرد تراب.
ثالثاً: ويلح الخطاب الإسرائيلي المتطرف على النظر إلى فلسطينيي 1948 بصفتهم مستوطنين أجانب ينبغي تهجيرهم بإبعادهم خارج الحدود الطائفية للدولة العبرية وبالفعل هذا ما عبر عنه ويؤكد عليه صباحاً جهاراً رؤساء الأحزاب اليمينية التي فازت بنتيجة الانتخابات النيابية في “إسرائيل” وقد شكل مفردة عريضة من مفردات حملاتهم الانتخابية الأخيرة ويبدو واضحاً اليوم أن دعوة السلطات الإسرائيلية سكان حي البستان الفلسطيني جنوب المسجد الأقصى في القدس إلى مغادرة منازلهم تمهيداً لهدمها تحت حجج واهية ومختلفة تندرج في إطار هذا الاستحقاق العنصري من استحقاقات مشروع الدولة اليهودية الصهيوني.
رابعاً: ولطالما كانت “إسرائيل” دولة دينية ـ طائفية على هذا النحو الخطير فإن خطاب «الدولة اليهودية» الجديد هو بمثابة دعوة صهيونية لاستقطاب كافة يهود المعمورة وتوطينهم على كامل أرض فلسطين التاريخية ذلك هو السر البنيوي والقيمي الخبيث الذي يكمن وراء ظاهرة استقدام “إسرائيل” تباعاً لطوابير ممتدة بأعداد كبيرة من اليهود الأفارقة (الفلاشا) وأولئك القادمين من كل حدب وصوب في العالم الكبير.
خامساً: ومخطط الدولة اليهودية المطروحة «كرسم هندسي» لبناء دولة الطائفة اليهودية المنتشرة في بقاع الأرض وأرجائها المترامية هو مشروع «دولة كونية» لا نظير لها مطابقاً في تاريخ المجتمعات البشرية ولأنها كذلك فهي في منطق أصحابها ومنطوق أنصارها، داخل “إسرائيل” وخارجها، ذات حدود آمنة بالمفهوم الواسع للأمن (السياسي والعسكري والثقافي والاجتماعي والديمغرافي والاقتصادي الغذائي والمائي وإلخ)..
وأما الحدود الآمنة في العقل الإيديولوجي والفعل السياسي لدى هؤلاء، فهي حدود مفتوحة ومتحركة، بصورة دائمة. بمعنى أن توسيع دائرة العدوان على البلدان العربية المحيطة والاستيلاء على أرض أخرى جديدة، استجابة لحاجة «المواطنين» اليهود الوافدين، تباعاً، للعمل والإقامة في «الوطن الأم الموعود»، هما استحقاق كبير وخطير من استحقاقات بناء الدولة اليهودية في وسط وقلب المنطقة العربية. ذلك هو، مرة أخرى، السبب الخبيث الذي يفسر واقعة عزوف “إسرائيل” عن وضع دستور لها يرسم حدودها ويقيس مساحتها. الواقعة التي أشار إليها، ضمناً، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بن غوريون، بقوله ذات مرة: حدود إسرائيل هي هناك حيث يمكن للجندي الإسرائيلي أن يصل ممتطياً صهوة دبابته».
سادساً: وتطرح “إسرائيل” نفسها، عبر خطاب «الدولة اليهودية»، كنموذج مثالي أو مثال نموذجي للدولة «المشرقية» الدينية الطائفية التي ينبغي على دول المنطقة العربية، بالإقناع أو الإكراه، التزام تقليده والقياس عليه، وصولاً إلى إنتاج دول أو دويلات أخرى جديدة على ركام الدول القائمة وعلى أسس طائفية ومذهبية وعشائرية، وربما إثنية، بحيث تغدو “إسرائيل”، في نهاية المطاف، أوسع دول المنطقة المستنسخة مساحة جغرافية وأكبرها عمراً وسناً تاريخية، ظناً لدى الإسرائيليين أو واقع المنطقة الجديد، إن تحقق وارتسم على مثال الدولة اليهودية المزعومة، سوف يمنح “إسرائيل” «الجديدة» المشروعية التاريخية والمصداقية المنطقية التي طالما افتقدتهما منذ قيامها بقرار دولي، وليس بعملية توالد تاريخي، عام (1984) وإلى اليوم.
تلك هي حقائق الدولة اليهودية المزعومة واستحقاقاتها السياسية المسمومة، مما يرشحها، منطقياً على الأقل، لأن تكون مفردة بارزة على جدول أعمال القمة العربية المزمع انعقادها أواخر شهر مارس الحالي في العاصمة القطرية. فهل تستفيق الأنظمة وتستيقظ الشعوب العربية على وقع وهدير خطر الدولة اليهودية القادمة؟
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

1500 مواطن فقدوا بصرهم جراء الإبادة في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت وزارة الصحة الفلسطينية أن نحو 1500 مواطن فقدوا البصر جراء حرب الإبادة، و 4000 آخرون مهددون بفقدانه؛ مع نقص...

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، حملة دهم واعتقالات في عدة مناطق في الضفة الغربية المحتلة، تخللها...

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...