الأحد 11/مايو/2025

لجان الحوار الفلسطينية.. هل تُشكل خطوة للأمام؟

لجان الحوار الفلسطينية.. هل تُشكل خطوة للأمام؟

صحيفة العرب القطرية

مع سرعة انفضاض اللقاء الأهم في مشهد اجتماعات القاهرة الفلسطينية – التي لم يستغرق إخراجها للعلن سوى بضعة ساعات- تكون الستارة قد أسدلت على الفصل الأول من مشاهد الحوار «المصالحة»، لتبدأ بعد أيام قليلة الفصول الأخرى التي توزعت نشاطاتها على لجان خمس، ستعكس خلال اجتماعاتها ومناقشاتها حرارة الملفات المطروحة، والتي تحسَّس سخونتها المتحاورون في اللقاءات الثنائية أو الجماعية، وفي ثنايا كلمة راعي اللقاء ومهندسه، مدير المخابرات العامة المصرية عمر سليمان.

ما حملته لغة البيان الختامي، وتصريحات قادة فتح وحماس، أعادا تسريع الخطوات لتحقيق «التهدئة الداخلية»، من خلال تنفيس أجواء الاحتقان الداخلي، إعلامياً على الأقل. فالإجراءات العملية التي لم يتوقف العمل بها خلال ساعات اللقاء، وأثناء تلاوة بيان الاتفاق، وحتى هذه اللحظات تدفع بنا جميعاً إلى عدم الإفراط في التفاؤل، والتعامل مع التطورات المباشرة بشكل واقعي، أقرب ما يكون إلى «التشاؤل»!

فأجهزة السلطة الأمنية في رام الله المحتلة بدأت في تصعيد ممارساتها القمعية الاستفزازية ضد حركة حماس قبل بدء المؤتمر بيومين. وحملة الاعتقالات لم تتوقف حتى الآن، إذ تم اعتقال 29 من أبناء وأنصار حماس، 15 منهم اعتقلوا في يوم انعقاد اللقاء الحواري، كما استدعي 67 عضواً ونصيراً للحركة للمراكز الأمنية. أما حديث الإفراج عن المعتقلين، فلا يعدو كونه محاولة لذر الرماد في العيون. فالأرقام متواضعة للغاية: 45 من بين أكثر من أربعمئة تحتجزهم السلطة في سجونها، ناهيك عن معتقلي القوى المقاتلة الأخرى التي تأتي حركة الجهاد الإسلامي في طليعتها. إن هذه الممارسات لا تكشف فقط عن نوايا البعض المعادي لأية جهود تصالحية، بل تعيدنا لقراءة الواقع الحقيقي للاتفاقات التي تلتزم بها سلطة رام الله المحتلة، سواء ما فرضه اتفاق أوسلو سيئ الصيت، أو التطبيقات العملية لبنود خارطة الطريق الكارثية.

التصريحات التي أدلى بها رئيس السلطة مؤخراً حول «طبيعة مهام حكومة الوحدة الوطنية أو حكومة الإجماع الوطني.. حكومة تلتزم بالتزاماتنا المعروفة وهي رؤية الدولتين.. هذه الالتزامات الموقعة، بحيث يكون كل شيء واضحاً أمام هذه الحكومة لتمارس عملها، لأننا لا نريد أن نعود مرة أخرى للحصار».. أشارت إلى وجود عقبات قديمة-جديدة تنتصب على طريق الحوار. والحديث عن «الالتزامات» يطرح جملة من القضايا التي لا بد من اعتراف أية حكومة توافقية قادمة بها: «رؤية الدولتين» التي تمثل اعترافاً بكيان العدو الإرهابي، وهو ما ترفضه بعض القوى. وقد دفع هذا التصريح أيمن طه، أحد قادة حماس، للقول: «إن تصريحات عباس تقوض فرص التوصل إلى حكومة وحدة.. والحركة ترفض أية شروط مسبقة لتشكيل حكومة الوحدة.. وإن حماس لن تقبل بأي حكومة وحدة تعترف بإسرائيل». لكن العديد من التصريحات والمواقف التي وردت في خطابات لقادة حماس في أكثر من مناسبة، أشارت إلى موافقة الحركة على «قيام دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلت عام 1967»، والعمل على «تهدئة تمتد لعشر سنوات وأكثر»، ترتبط بتوافقات -غير مباشرة- بين الطرفين على حزمة من القضايا.

ومع تجهيز الملفات لقضايا الحوار، ومع بدء اللقاءات والمداولات الاستباقية حول القضايا المطروحة على اللجان الخمس التي ستبدأ عملها في العاشر من الشهر الحالي، تكون القوى قد بدأت الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل! لكن اللافت لنظر المراقبين كان غياب قضية «التهدئة»، وتهويد ما تبقى من القدس، عن فقرات البيان. ومع ذلك فإن الثلاثة أسابيع المفتوحة لمعالجة تلك القضايا لن تكون كافية لقراءة هادئة غير متعجلة، لا تُستنزف عبر السباق مع الزمن من أجل التوافق حول تشخيص الأزمة، كضرورة للتوصل إلى وضع الحلول لها.

تحت عنوان كل ملف، يتجمع تاريخ طويل من الاختلافات والتناقضات بين أكثر من رؤية. فما بين لجان المصالحة والحكومة والأمن والانتخابات، تتسع دوائر الاختلافات بين رؤية وأخرى، وتشكيل وآخر فيما يخص الأجهزة واللجان الأمنية والأذرع المسلحة للقوى المقاتلة. كما أن ملف المنظمة المفتوح على «التطوير والتفعيل وإعادة البناء لمؤسساتها» تتقاذفه آراء ومضامين متعددة، سيعمل أصحاب الرؤى المتعارضة -لن نقول المتناقضة- على تثبيتها. فما بين إعادة البناء على بنود الميثاق، وتفعيل الدور الوظيفي-الكفاحي للمنظمة، كحاضنة لقوى وفعاليات النضال الوطني الفلسطيني، ورؤية البعض المهيمن عليها، كهيكل يحمل الاسم وهو مفرغ من المضمون النضالي، لكنه عند «اللحظة الحاسمة»، الخاتم الجاهز لمهر أي قرار، تتباعد مساحة اللقاء.

في مرحلة «ما بعد غزة» التي تحدث عنها الكثيرون، و «بَشََّرَ» بمفاعيلها المقاومون، توسمت الأمة في أن مرحلة جديدة ستبدأ، وأن «حكومات للمقاومة» والممانعة ستنشأ، وقيام «مرجعيات وهيئات ولجان» لتثوير الأطر، وتفعيل أدوات العمل، لكن ما حملته الأسابيع الأولى التي أعقبت وقف العدوان على غزة تشير إلى أن اللغة النمطية المتداولة، والعبارات الفضفاضة، عادت لتتسيد الخطاب اليومي، رغم برنامج «نتنياهو-ليبرمان» القادم، الأكثر عدوانية ودموية، وبناء عشرات الآلاف من الوحدات السكنية لاستقدام مستعمرين جدد لاحتلال الضفة الفلسطينية والقدس الشرقية، واشتراطات هيلاري كلينتون التعجيزية. يأتي كل هذا في نفس الوقت الذي تعلن فيه الدول المانحة في مؤتمر شرم الشيخ عن اعتماد المليارات لإعادة إعمار غزة -جيش الاحتلال يهدم ويدمر، والعالم «المتحضر» يعيد البناء!- ولا يعرف شعب غزة الصامد كم من الوقت سينتظر حتى تبدأ الورش عملها، بعد أن يتم رفع الحصار وفتح المعابر أمام حركة البشر والسيارات.

إن اللوحة الأخيرة في المشهد الاحتفالي كما أرادها المشرف على ترتيبات المؤتمر الصحافي، تضمنت ترتيباً وتوزيعاً مجحفاً لبعض ممثلي القوى. فلم تكن الأسماء التي جلست على كراسي المنصة تمثل الوزن الكفاحي الراهن في الحركة الوطنية الفلسطينية. كما أن وقوف البعض في خلفية المشهد -وهذه تقليعة جديدة في المؤتمرات- قد حملت من الاستخفاف بالمندوب و«فصيله» المشارك في الحوار الشيء الكثير، خاصة أن هذه المواقع «الخلفية» كان يشغلها المرافقون والحراسات الأمنية. إن مشاركة بعض القوى والشخصيات لم تكن تعكس حقيقة فعلها ودورها في معارك الدفاع عن الأرض والشعب، بل إن جلوسها على الكراسي فرضته حسابات واستحقاقات المرحلة وتحالفاتها.

إن أية جهود صادقة لتحقيق المصالحة يجب أن تنطلق من مسلمات أساسية، يأتي في مقدمتها أن معيار وطنية أي حوار يأتي من حقيقة مواقف الأطراف من قضية الصراع مع العدو الصهيوني- الاحتلالي – الإجلائي، وترسيخ مقاومته. إن أهمية وحدة الصف تنتج من طبيعة التوحد حول تحقيق أهداف النضال الوطني والقومي، وكل حديث عن المصالحة الفلسطينية سيظل مرتبطاً بقناعة القوى والفعاليات والكفاءات الفلسطينية بأن كل أشكال «السُلطات» في ظل الاحتلال، وتحت وصاية بنود اتفاق أوسلو، ستتحول إلى أنماط جديدة من الإدارات المدنية فقط، مما يجعل الرهان على دورها السياسي وهماً وهروباً إلى الأمام، بعيداً عن المقاومة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات