من سيتغيّب من دولنا عن مؤتمر مناهضة العنصرية؟

صحيفة الشرق القطرية
تنظم الأمم المتحدة مؤتمر دوربان الثاني حول العنصرية في الفترة من 20 إلى 24 أبريل القادم في قصر الأمم المتحدة بجنيف ليكون تكملة لمؤتمر دوربان الأول الذي عقد سنة 2001 في جنوب إفريقيا.. (إسرائيل) التي وصفها زعماء أمريكا وأوروبا في أكثر من مناسبة بالنموذج الديمقراطي والإنساني الوحيد اعتبرت مجرد عقد هذا المؤتمر وقبل أن تصدر عنه أية مقررات أو توصيات وفي أي اتجاه عداوة معلنة ضدها (على طريقة يكاد المريب أن يقول خذوني!) وتضافرت معها أمريكا التي قررت هي الأخرى – ألا تشارك في هذا المؤتمر. وإزاء هذا الخبر واحتمالات تطوره لموقف محوري يضم أكثر من دولة وبالأخص التابعة (للرايخ الصهيوني) لابد من تقرير ثلاث حقائق:
أولاً: هذا القرار الصهيوني من حيث هو ليس مفاجئاً والقرار الأمريكي كذلك وليس مفاجئاً ما تزعمانه لنفسيهما من أخلاقية ولا ما تشهد إحداهما به للأخرى وأمريكا ليست صديقة لنا ولسنا في حاجة لحشد شواهد العدوان الأمريكي الامبريالي على شعوبنا وديننا وثقافتنا واستغلاله واستغفاله شعوبنا ولكن اللافت هو أن أمريكا وهي تمارس كل هذه الشريرية والتآزر العنصري مع (إسرائيل) لا تزال تدعي أنها الراعية لحقوق الإنسان والداعية لإدانة الطغيان واللافت أيضاً أن منا من لا يزال يصدقها مهما كذبت أو فضحت.. يقول هؤلاء: يسوق هؤلاء شوارد الأخبار وأجزاء الأحداث ثم يقولون لا يجوز تجاهل أن أمريكا تقدم ملياراً ونصف المليار دولار لمصر (كل سنة مرة) وأنها حمت البوسنة والهرسك من الإبادة على أيدي الصرب وأنها ساعدت على استقلال كوسوفو وأنها هي التي كشفت فضائح سجن أبو غريب وأنها كانت قادرة على منع وتعطيل إصدار قرار محكمة لاهاي الاستشاري الذي حكم بعدم مشروعية بناء جدار الفصل العنصري الصهيوني وأنها وأنها.. إلى غير ذلك من هذه (الأنّهات!).. وأقول كل ذلك يجب النظر إليه من زاويتين؛ الأولى: مساسه المباشر بالمصلحة الأمريكية أو إمكانية تجييره وتعليقه بها وهي مصالح ليست بريئة ولا يمكن التبرير بها أو التقاطع معها.. وثانياً: لابد من جمع كل الصورة وألا ننظر للمسائل مفككة ومفرقة عن بعضها فلا ننظر إلى المليار والنصف المليار التي تقدمها لمصر بمعزل عن غاياتها السياسية والإلحاقية ولا ننظر لحماية البوسنة بمعزل عن التوقيت الذي جاء لصالح الصرب، كما يقول البوسنيون ولا بمعزل عن خصومتها مع روسيا ولا بمعزل عن احتلال العراق وأفغانستان وقصف المساجد والمدنيين المسالمين في الباكستان، ولا يجوز النظر إلى مشاركتها في مؤتمر إعمار غزة بمعزل عن تسييس هذا الدعم والأثمان الاستراتيجية التي تشرطها ولا بمعزل عن تصريحاتها التي تبرّئ الاحتلال من مسؤولية العدوان على غزة ولا بمعزل عن دعمها للإرهاب الصهيوني وأكثر من أربعين فيتو رفعتها في وجه القضية والحقوق والمظلومية الفلسطينية والعربية.. وأمريكا – للتذكير فقط – هي الدولة الوحيدة التي أعلنت بكل وقاحة أثناء العدوان الأخير على غزة أنها ستشحن آلاف الأطنان من المساعدات العسكرية لدولة الإرهاب الصهيوني.. حصيلة هذه الخلاصة أن على أمتنا ألا تعطي أمريكا فرصة غسل عفنها وأدرانها على حساب قضايانا.. أما القائمون على مؤتمر شرم الشيخ والمنتفعون منه فلو كانوا على قدر من الوقار النفسي والاستقلالية السياسية لأعلنوا الاستغناء عن هذه الملايين الـ900 غير المباركة وغير الكريمة وغير النزيهة التي جاءت بوعدها وزيرة خارجية أمريكا.. ولكن يبدو أن القيم العليا والرأي العام الشعبي في واد والحسابات الشخصية والسياسية لهؤلاء في واد آخر.
ثانياً: إن عقد هذا المؤتمر وقبل ذلك مجرد التفكير في عقده يدلان على أن في الغرب ثمة بداية انتباه للقيم الخلقية وبداية تحرر من النظرة الأحادية لمنطقتنا ومشكلاتها وبداية خروج عن ثقافة الصراع التي تصبغ تاريخهم معنا بالذات ومن دلائل ذلك استطلاعات الرأي الأخيرة في عدد من الدول الغربية الاستعمارية تاريخياً (كإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا وألمانيا واليونان..) التي أظهرت حجم الانفكاك الغربي عن الإرهاب الصهيوني والأمريكي وحجم الفرق في دعمه بين ما قبل احتلال العراق وبعده وبين ما قبل حصار غزة وبعده وبين ما قبل فوز حماس في الانتخابات ورفض النظم الغربية لهذا الفوز الديمقراطي وما بعده.. هذا التغير الإيجابي له مظاهر واعدة أخرى كالتأثير على الأنظمة التي شاركت في غزو العراق لتنسحب منه والتأثير على حجم وسرعة دعم أمريكا في أفغانستان وتسيير الحملات الإنسانية لكسر الحصار على غزة.. ولنضع في طرف الصورة أن هذه التغييرات وصلت حتى داخل الرأي العام الأمريكي نفسه وكانت أحد أهم أسباب تراجع الجمهوريين وإسقاط بوش والمجيء بأوباما كعلامة فارقة في العقلية والثقافة والتاريخ الأمريكي وصولاً إلى قرار الانسحاب من العراق.. هنا لابد من ملاحظتين؛ الأولى: ألا نبالغ في الثقة بهذه التغيرات وتوهم أنها بذاتها – وبدون دفوع أخرى منا تحديداً – ستنتج مواقف عملية لسبب بسيط هو أن الديمقراطية الغربية بمنطقها الثقافي وفلسفتها وواقعها الذي تتحرك فيه لا تفرز بالضرورة ما تريده شعوب تلك الدول أو بتعبير آخر: هي أقل قدرة وتأثيراً على نتائج الانتخابات وتغيير الاستراتيجيات من رأس المال ومراكز الثقل واللوبيات.. الملاحظة الثانية أن الرأي العام الغربي ومهما كان لصالحنا أو تحول لصالحنا فلن ينوب عن موقفنا نحن من قضايانا وتبنينا لها.. وهو لا يزال أسير الرواية الصهيونية ومعزولاً عن الوصول الموضوعي للخبر، خاصة إذا تعلق بالصراع مع الإرهاب الصهيوني وهو ما يجعل التفاعل الإيجابي المأمول متعثراً ويفتقد للمنهجية والاستدامة ما يوجب استكمال هذا الجهد بفضائياتنا التي يفترض أن لها قضية أكبر من التلفيق العاطفي والإثارة الغريزية التي تروج لها.. والملاحظة الثالثة المتعلقة بالرأي العام الغربي الذي بدأ يتحول هي أنه صار بالإمكان تحريك الرأي العام العالمي وبالأخص الشعبي والأهلي منه تجاه قضايانا وفي هذا المقام لابد من التنويه إلى أن مصافحات قادة العروبة والإسلام وبالأخص الفلسطينيون منهم لزعماء الكيان الصهيوني واستقبالهم والتطبيع معهم ومجاملتهم لا تجعل سائغاً ولا منطقياً لأي من تلك الشعوب أن تطالب أنظمتها بتصويب العلاقة مع الكيان على أساس نسبته للعنصرية وهذا بالضبط ما تكسبه (إسرائيل) من إدامة عملية التفاوض وتحويلها إلى مظاهر وممارسات تطبيعية، وهو بالضبط ما يجب أخذه بعين الاعتبار عند تقويم عملية التسوية والنقاش حولها في إطار الحوار الفلسطيني الجاري في القاهرة..
ثالثاً: جاء في ذيل الخبر أن وزيرة خارجية العدو ووزير الشؤون الاجتماعية لديه، كلاهما طالب دولاً وصفاها بأنها تؤيد قيم دولة “إسرائيل”: (أن تحذو حذو الولايات المتحدة) وهنا علينا أن نتساءل من تلك الدول التي يقصدانها؟ التوقع الأغلب أنها بعض أنظمتنا!! (وبالأخص من تسمي نفسها دول الاعتدال)، التي صارت تمارس التواطؤ الأمني والسياسي والعسكري مع العدو بدون حياء ولا تردد حتى ضد الأشقاء والإخوة وأبناء البلد.. والتوقع أيضاً أن تكون سلطة رام الله منها بل على رأسها وأنها ستسجل على نفسها وشعبها موقفاً شائناً بذلك.. ربما ستتذرع بذريعة ما، وربما، وربما تتغيب بدون إبداء أسباب.. قد يقال هذا من سوء الظن وأقول إن سوء الظن من حسن الفطن وإن سابق التجربة تبرره وقد رأينا كيف ينعزل البعض ويقاطع مؤتمر الدوحة وهو الأكثر مساساً بالحالة الفلسطينية بحجة أن له وريدين لا ثالث لهما وأنه يخاف أن تذبحه (إسرائيل) إذا حضر وغيره تذرع بأنه لا يريد نهج الفرز والمحاور.. وما يدرينا فقد يسوقون نفس الذرائع لمقاطعة تضامنية مع أمريكا وتآزرية مع (إسرائيل) في كل الأحوال إن الغياب عن هذا المؤتمر الذي يناهض العنصرية هو من الناحية الدينية خيانة لله ورسوله والمؤمنين ومن الناحية الوطنية خيانة للدماء المظلومة ومئات آلاف الشهداء الفلسطينيين والعرب الذين راحوا ضحية العنصرية الصهيونية عبر عشرات السنين، أما سياسياً فالغياب عنه تفويت لفرصة تسجيل إدانة تاريخية على هذا النظام الفاجر المارق وأمريكا الأفجر منه والأكثر مروقاً وشريرية وتفويتاً لفرصة تبرئة الذات أمام التاريخ..
آخر القول: إن امتناع “إسرائيل” عن المشاركة في مؤتمر يناهض العنصرية قرار طبيعي ومتوقع وعادي بل عادي جداً لسبب بسيط هو أنها تمتلك تاريخاً قائماً على العنصرية والإرهاب والكذب والعدوان.. ولماذا يتوقع أحد أنها ستحضر مؤتمراً هو في الحد الأدنى يجفف نوازع العنصرية التي قامت عليها منذ زرعت في منطقتنا فكيف إذا كان المتوقع صدور إدانة تصريحية توصيفية تسميها باسمها وتنعتها بجرائمها؟ .. وتغيّب أمريكا كذلك مثل ذلك، ولكن الذي لا يمكن تفهمه ولا تقبله هو أن يصل التواطؤ ببعض دولنا أن تفعل ذلك.. فهل ستفعل؟ ومن ستكون؟
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...