الأحد 11/مايو/2025

منظمة العفو الدولية والمساواة بين الضحية والجلاد!

منظمة العفو الدولية والمساواة بين الضحية والجلاد!

صحيفة الشرق القطرية

في تقريرها عن العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة، دانت منظمة العفو الدولية كلاً من “إسرائيل” وحركة حماس بنفس المستوى، عندما ثبتت فيه بأن الطرفين ارتكبا جرائم حرب! وفي تفسيرها للموازاة في مستوى الإدانة، ذكرت المنظمة، أن الفلسطينيين أطلقوا صواريخ على المدنيين الإسرائيليين!.

ومع الاحترام الكبير للمنظمة الدولية، فإنها وفي تقريرها الآنف الذكر أخطأت كثيراً بتناسيها قصداً أو عن غير قصد، بأن “إسرائيل” هي التي تمارس احتلالاً بشعاً للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967 وحتى الآن، وهي التي تغتصب إرادة الفلسطينيين رغماً عنهم، وأنها ابتدأت العدوان الواسع على غزة، الذي كان بمثابة مجزرة بل الأدق تعبيراً: محرقة ضد الشعب الفلسطيني في القطاع، وشاهَدَ العالم من خلال القنوات الفضائية أشلاء الأطفال الفلسطينيين والمدنيين الآخرين الذي ذهبوا ضحية العدوان وهو يزيدون على الألف وخمسمائة شهيد وشهيدة، إضافة إلى الجرحى (ومن بينهم من أصيبوا بعاهات دائمة) وهم يتجاوزون الخمسة آلاف، وحجم التدمير الهائل في البنية التحتية وفي بيوت المدنيين!.

تجاهلت منظمة العفو الدولية، الأسلحة المحرمة دولياً، والأخرى التي تستعملها “إسرائيل” لأول مرّة، والأخرى التي لم يعرف الخبراء العسكريون نوعيتها، لما لها من حجم تدمير هائل وتأثير فتاك في البشر والحجر، وتجاهلت المنظمة أيضاً الحصار الخانق الذي تفرضه “إسرائيل” على القطاع منذ مدةٍ طويلة، الذي يعتبر أيضاً نوعاً من الحرب والإبادة الجماعية للفلسطينيين من خلال منع الغذاء والدواء والمستلزمات الحياتية الأخرى عنهم في ظل القصف المتكرر يومياً وصولاً إلى العدوان الواسع الذي استمر لما ينوف عن الشهر!.

اعتبرت المنظمة الدولية للأسف، الصواريخ البدائية التي يطلقها الفلسطينيون دفاعاً عن النفس، وهم الذين تُحتل أراضيهم من قبل “إسرائيل” وتُنتهك أبسط حقوقهم من قبل المحتلين الصهاينة، التي لم تؤذِ أحداً (باستثناء وفاة امرأة) وكل ما تثيره هو بعض الخوف في نفوس المستوطنين الإسرائيليين، اعتبرت هذه الصواريخ موازيةً للقنابل والصواريخ وقذائف المدفعية والبوارج الإسرائيلية وغارات الطائرات الحديثة، وكأنّ الطرفين ندّان متساويان في التسليح والقدرات العسكرية!.

ندرك تماماً حجم الضغوط التي ستتعرض لها منظمة العفو الدولية، فيما لو دانت “إسرائيل” وحدّها على جرائمها ضد الفلسطينيين، ولكن كان عليها الصمت بدلاً من المساواة بين الضحية والجلاد في تقريرها، وذلك حتى تبدو (منصفة) وحتى لا تتعرض لإدانة من “إسرائيل” وحلفائها، وعلى رأسهم: الولايات المتحدة الأمريكية، ومع ذلك دانت “إسرائيل” تقرير المنظمة.

منظمة العفو، هي منظمة دولية، ومن المفترض فيها أن تكون شاهد حق، لا شاهد زور في ما يرتكب من جرائم ضد الإنسانية، كان على منظمة العفو وقبل إصدارها لتقريرها المجحف بحق الفلسطينيين أن تُراجع المواثيق الدولية واتفاقيات جنيف والمعاهدات الدولية الأخرى المتعلقة بحقوق المواطنين تحت الاحتلال، والاتفاقيات الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان عموماً، وعلى ضوئها واعتماداً على بنودها ستدرك تماماً المدى الفظيع لخروقات “إسرائيل” المستمرة لتلك البنود!.

للأسف، ليست المنظمة الدولية وحدها من وقعت في خطأ المساواة بين الجلاد والضحية، بل منظمات ودول كثيرة ومن بينها بعض الدول العربية التي كانت تنادي بمقولات خاطئة مثل: وقف إطلاق النار بين الجانبين، ودعوة الجانبين إلى ضبط النفس، وتخلي الجانبين عن العنف.. إلى آخر هذه الأسطوانة المقيتة، وكأن القتال بين دولتين متحاربتين على قضية ثانوية! ناسين أو متناسين كل أولئك فعل الاحتلال الصهيوني البغيض للأراضي الفلسطينية منذ ما يزيد على أربعة عقود، ناسين أو متناسين كل أولئك المجازر التي ترتكبها “إسرائيل” بحق الفلسطينيين يومياً وهدم البيوت ومصادرة الأراضي، وترحيل السكان من بيوتهم، كما يجري حالياً في المدينة المقدسة، ينسى أو يتناسى كل أولئك عذابات الفلسطينيين اليومية والاغتيالات والاعتقالات والموت على الحواجز وبناء المستوطنات وتوسيعها، وعمليات الإذلال والقهر اليومية للفلسطينيين جرّاء الاحتلال ينسى أو يتناسى كل أولئك أن الأمم المتحدة وفي قرارها (3034)، الذي أصدرته بتاريخ 18 يناير 1972، أجازت وأعطت للشعوب الرازحة تحت الاحتلال الحق في مقاومة المحتلين وفق منظومة أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقرارات هيئاتها بهذا الشأن، كما أنها ومن خلال قرارها الصادر رقم (3314) في 14 فبراير 1974 (أجازت للشعوب المحتلة وأعطتها حق مقاومة محتليها بكل الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح من أجل حريتها واستقلالها)، ينسى أو يتناسى كل أولئك قرار الأمم المتحدة رقم (3379) الصادر في 10 نوفمبر 1975، الذي يقضي (باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري)، ومعروفة هي الأوضاع الدولية التي أدت إلى إلغاء هذا القرار.

ما نود قوله: إنه إذا جاز قسراً لهذه الدولة أو تلك المساواة بين الضحية والجلاد، فهو لا يجوز لمنظمة دولية تدّعي الحيادية والحرص على الإنسان وحقوقه، وبخاصة منظمة العفو الدولية!.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات