نحو وحدة وطنية فلسطينية لإفشال المشروع الصهيوني

صحيفة الخليج الإماراتية
شهد هذا الأسبوع حدثين مهمين في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ومواجهة تداعيات العدوان الصهيوني على قطاع غزة. كان الحدث الأول هو اجتماع الفصائل الفلسطينية بالقاهرة، في حوار وطني، تحت رعاية الحكومة المصرية بهدف تحقيق المصالحة، والاتفاق على التهدئة. والثاني هو انعقاد المؤتمر الدولي لدعم الاقتصاد الفلسطيني وإعمار القطاع، بعد عمليات التدمير التي شملته في العدوان الصهيوني الأخير.
في ما يتعلق باجتماع الفصائل الفلسطينية بالقاهرة، فإن ما رشح من أخبار، حتى الآن يجعلنا نتفاءل بأن ثمة مخرجاً، في نهاية النفق للأزمة التي استعصت طويلاً على الحل، بين السلطة في الضفة الغربية، وحكومة حماس في القطاع. فقد أشير إلى أن الحكومة المصرية قدمت مشروعاً لتشكيل حكومة من خارج الفصائل، من شخصيات وطنية مستقلة، ملتزمة بالبرنامج الوطني لمنظمة التحرير، أو حكومة يشارك فيها سياسيون لكن ليس على أساس المحاصصة، بين التنظيمات الفلسطينية. وسيكون من مهام هذه الحكومة الانتقالية، تولي إعادة الإعمار في غزة، بالتنسيق مع الدول المانحة، والإشراف على الجانب الفلسطيني فيما يتعلق بالمعابر، والعمل على إنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة. وستتولى التحضير للانتخابات، وإعادة بناء أجهزة الأمن على أسس مهنية، وتوحيد أجهزة السلطة في الضفة والقطاع. وتنتهي فترة عمل هذه الحكومة في يناير/كانون الثاني عام 2010.
وقد وجد مراقبون في عودة القيادي بحركة حماس، موسى أبو مرزوق إلى غزة، عن طريق معبر رفح، لزيارة عائلته بعد غياب استمر أكثر من ثلاثين عاماً، مؤشراً إلى انفراج الأزمة، واقتناع الجميع بحتمية التوصل إلى حل يضمن استمرار التهدئة، وعودة مفاوضات الحل النهائي للانعقاد، على قاعدة خارطة الطريق والمبادرة العربية التي أجمع عليها القادة العرب.
والجديد في هذا السياق، أن الحوار الوطني بالقاهرة جرى على قاعدة موافقة حماس والجهاد الإسلامي على برنامج منظمة التحرير الفلسطينية القائم على حل الدولتين. ومع أن حركة الجهاد الإسلامي رفضت المشاركة في أية حكومة للسلطة الفلسطينية، سواء الآن أو مستقبلاً، ما دامت تستمد حضورها من اتفاقيات أوسلو، فإنها أعلنت التزامها بأي خطوات يتفق عليها، يكون من شأنها إنهاء الانقسام، وأنها ستضطلع بدورها كاملاً في هذا السياق.
ومن أجل تنفيذ هذه الخطوات، تم تشكيل خمس لجان، تقودها لجنة تنسيق سادسة، للإعداد لتشكيل الحكومة، وحل المشاكل المعلقة، بنهاية شهر مارس/آذار 2009. وتشرف الحكومة المصرية على هذه اللجان وتشارك فيها، بأعضاء، لمراقبة سرعة خطوات تنفيذ الآليات التي وضعت لعمل اللجان.
أما الحدث الثاني، انعقاد المؤتمر الدولي لدعم الاقتصاد الفلسطيني، وإعادة إعمار غزة، فقد شارك فيه 75 دولة، و16 منظمة إقليمية ودولية إلى جانب بعض مؤسسات التمويل الدولية، في شرم الشيخ المصرية. وضمن من شاركوا في هذا المؤتمر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
وقد عرضت جامعة الدول العربية خلال جلسات المؤتمر تقريراً حول نتائج لجنة “تقصي الحقائق” والتي ضمت ممثلين عن عدد من المنظمات العربية المتخصصة قاموا بزيارة قطاع غزة للاطلاع على طبيعة وحجم الدمار الذي خلفه الاحتلال “الإسرائيلي”. وسعى الرئيس الفلسطيني للحصول على 2.8 مليار دولار أمريكي كمساعدات من الدول المانحة خلال المؤتمر. وأعادت السعودية تأكيدها الالتزام بتقديم مليار دولار للمساعدة على إعادة إعمار غزة، ومن جانبه دعا البنك الدولي الدول المانحة المشاركة في المؤتمر إلى تقديم دعمها المالي لتطوير الاقتصاد في القطاع، عبر التبرع مباشرة للسلطة الفلسطينية وبعض الجهات المستقلة.
ومن الجدير بالذكر أن خسائر الحرب “الإسرائيلية” على قطاع غزة والتي جاءت بعد حصار شديد وخانق عليه منذ يونيو من عام 2007 وصلت بحسب التقديرات الدولية إلى أكثر من 15 مليار دولار بنهاية العام 2005، ما أوصل الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي إلى أسوأ حالاته. وهو رقم أعلى بكثير مما نقلته وكالة “معاً” الإخبارية الفلسطينية عن وزارة الاقتصاد في الحكومة الفلسطينية المقالة التي تديرها “حماس” والتي أكدت أن إجمالي خسائر قطاع غزة المباشرة وغير المباشرة جراء العدوان الأخير يقدر بمليارين و734 مليون دولار.
أهمية الحدثين، إن تمكنت مختلف الأطراف من الوفاء بالتزاماتها فيهما، أنها تعيد توجيه البوصلة إلى اتجاهها الصحيح، وتسد الأبواب على المشروع الصهيوني، الهادف إلى منع الفلسطينيين من تحقيق وحدتهم، وإبقاء قطاع غزة معزولاً عن الضفة، إلى حين إيجاد حل يضمن تصفية القضية الفلسطينية برمتها، وإعادة القطاع إلى الإدارة المصرية، كما كان قبل حرب يونيو/حزيران عام 1967، وهو ما عبر عنه المندوب الأمريكي السابق في الأمم المتحدة جون بولتون، وتسيبي ليفني زعيمة كاديما.
إن وجود كيانين فلسطينيين على الأراضي التي احتلها الكيان الصهيوني في عدوانه عام 1967، سيحول من غير شك، دون قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وسيفتح الباب واسعاً أمام فكرة الوطن البديل من جهة، ومن جهة أخرى فإن من شأن ذلك أن يطيل أمد الحصار الوحشي المفروض على الشعب الفلسطيني، واستمرار القطاع معزولاً عن بقية العالم.
لكن ومع الإدراك للأهمية الاستراتيجية لوحدة النضال الفلسطيني في إفشال المشروع الصهيوني، فإن من البديهي التأكيد على رفض استخدام ورقة الإعمار، لأغراض سياسية لا تتسق مع برامج الفلسطينيين وتطلعاتهم إلى التحرير وطرد الاحتلال.
ومن جهة أخرى، فإن ضمان نجاح الحوار الذي يستكمل الآن، هو في استقلالية أطرافه، وعدم خضوعهم للأجندات الإقليمية أو الدولية. وفي هذا السياق، نذكر بالمخاطر التي قد تحيق بالعملية برمتها، بفعل التدخل الأمريكي السافر، الذي أفصحت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون. لقد أعلنت كلينتون رفض الإدارة الأمريكية التعامل مع أي حكومة فلسطينية قادمة تكون حماس جزءاً منها، ورفضها أيضاً تحويل أموال إعمار غزة إلى أي حكومة تشارك فيها حماس، ما لم تعترف بالكيان الغاصب.
لا شك أن تصريحات كلينتون تشكل تدخلاً سافراً في القرار الفلسطيني، يحجب عنه استقلاليته وقدرته على الفعل. ولن نذهب بعيداً إذا قلنا إنه يهدف، بشكل فاضح لتخريب الجهود التي بذلت على مختلف الأصعدة، لجمع الأطراف الفلسطينية على طاولة الحوار، وينبغي أن يواجه برفض فلسطيني حازم وقوي.
إن تشكيل الحكومة الانتقالية الفلسطينية ينبغي أن يكون نتاج حوار الفلسطينيين أنفسهم، وليس من خلال ضغوط خارجية. وبالمثل، فإن البرنامج الذي ستتعهد الحكومة الجديدة بتنفيذه هو حاصل تفاعل خلاق تضطلع به كافة مكونات صنع القرار الفلسطيني، وليس إملاء من خارج هذه الدائرة. ومن البديهي أن حركة حماس بما لها من ثقل نضالي وكفاحي على الساحة، سيكون لها قول يعتد به في ذلك. ومن هنا فإن الحرص على وحدة الفلسطينيين، ونجاح الحوار الدائر الآن يقتضي رفضاً جلياً، لتصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية، من قبل مختلف الفصائل الفلسطينية، والحكومة المصرية باعتبارها راعية الحوار.
إن الوحدة الكفاحية الفلسطينية هي التي تجعل رفض الدول المانحة التعامل في مسائل الإعمار مع حماس، واقتصاره على السلطة، غير ذات معنى، لأن تحقيق الوحدة سيؤدي في النهاية إلى تأسيس العمل الفلسطيني على قواعد جديدة، وراسخة، تمنع الاختراق الإقليمي، وتضمن ضخ أموال إعادة البناء بمكانها الصحيح.
على أن الأمر ينبغي ألا يتوقف عند حدود إعادة الإعمار، فالأساس في كل الأحوال هو أن يجتمع الفلسطينيون على قاعدة الكفاح لطرد الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.
إن بقاء الضفة الغربية وقطاع غزة، بكيانين متصارعين، يشكل دون جدال إسفيناً في وحدة النضال الفلسطيني. والمطلوب أن تقف الأطراف المتصارعة وقفة بطولية وشجاعة، تتخطى مغاليق الجرح، وتعبر إلى ضفة الوحدة، باعتبارها الطريق الوحيد الذي لا مناص منه، لصيانة الدم الفلسطيني والكرامة الفلسطينية، والوحدة الفلسطينية. إن أي انتصار للفئوية على الوحدة، لن يكون غير طعن للقضية الفلسطينية وقدسية نضالها، وتعطيل لمشروع التحرير. ولذلك فلا مناص من تغليب شعار منطق الوحدة الوطنية، والعودة إلى بنود اتفاق مكة.. فذلك هو السبيل للتعالي فوق الجراح وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في طرد الاحتلال ونيل الحرية وتقرير المصير.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...