الأحد 11/مايو/2025

مبعوث الوقت الضائع

مبعوث الوقت الضائع

صحيفة الوطن العمانية

أخيراً قام توني بلير، مبعوث الرباعية الدولية، بزيارة لقطاع غزة قبل توجهه إلى مؤتمر إعادة إعمار غزة في شرم الشيخ بساعات. ومنذ تعيينه مبعوثاً للرباعية (التي تضم أميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) قبل نحو عامين، لم يقم رئيس الوزراء البريطاني السابق بأي مهمة ذات معنى ولم ينجز شيئاً على الإطلاق في منصبه الذي يكلف مئات الآلاف من الدولارات تنفق على زياراته للقدس وإقامته مع مرافقيه وحراسه في أفخم الفنادق. ولأن الرجل غير متفرغ للمهمة، وسط محاضراته التي يقبض في الواحدة منها ما يقارب ربع مليون دولار ومهامه كمستشار لواحد من أكبر بنوك الاستثمار العالمية، فلم يكن لديه الوقت ليخفف القيود على حاجز واحد في الضفة الغربية.

ولأن وقته الضائع الذي يعمل فيه مبعوثاً للشرق الأوسط خسارة، فقد أسس بلير شركة جديدة هي “توني بلير أسوشييتس” لتقديم المشورة والنصح للحكام. وحصل بلير على أول عقد لشركته من الكويت ليضيف الملايين إلى نحو 20 مليون دولار جمعها بالفعل منذ تركه منصبه. المثير للسخرية أن شركة بلير الجديدة تنصح عملائها بشأن الحكم السليم وحسن الإدارة، في الوقت الذي شهدت فيه فترة حكم بلير في بريطانيا أسوأ ممارسات في الحكم انتهت به لينفرد بالسلطة تقريباً مع مجموعة من المستشارين متجاهلاً الحكومة والحزب حتى وصفه الإعلام “الرئيس بلير” لطريقته في الحكم المطلق.

وهكذا استنفد بلير معظم وقته الضائع، لكنه يظل مبعوث الرباعية لذا قرر في حركة مسرحية إعلامية أن يقوم بزيارة غزة قبل مشاركته في مؤتمر شرم الشيخ. وحظيت الزيارة بتغطية إعلامية واسعة، ونقلت وسائل الإعلام عن مبعوث الوقت الضائع تصريحات خطيرة أعرب فيها عن أن غزة عانت من دمار كبير وتحتاج إلى دعم لإعادة الإعمار (أرأيتم حجم إبداع المبعوث والقيمة المضافة التي توفرها وظيفته!!!). وبالطبع كان الإعلام الغربي، والبريطاني تحديداً، أكثر توسعاً في نشر أخبار المبعوث. ومن هنا اهتمامي به، ولأنه أيضاً ظل نحو عقد من الزمان رئيساً للحكومة ندمت على التصويت له مرة في انتخابات عامة.

القصد من تذكر توني بلير هو الإشارة إلى أن ما يسمى “الرباعية” والجهود العالمية كافة لا تختلف كثيراً عن هذا الرجل وسلوكه خلال عامين من مهمته: انحياز كامل ل”إسرائيل” وتصريحات لفظية “خيرية” تجاه الفلسطينيين والعرب. صحيح أن غزة بحاجة للمساعدات العاجلة للحد من آثار الدمار الذي خلفته المحرقة الصهيونية، وأن أي جهد للمساهمة في ذلك محمود ومشكور. لكن المشكلة أن موقف أطراف الرباعية من هذا الجهد الإنساني هو سياسي أولاً وأخيراً، وكل هدفه هو تأمين انصياع الفلسطينيين والعرب للمتطلبات السياسية والأمنية الإسرائيلية في حال التفاوض على تسوية.

وهنا يمكن اعتبار بلير نموذجاً، فالرباعية التي تبنت “خريطة طريق” أميركية وتعهدت بالعمل على تخفيف معاناة الفلسطينيين لم تكلف نفسها حتى إحصاء وعد انتهاكات الاحتلال الصهيوني في الضفة الغربية وقطاع غزة. فالاستيطان لم يتوقف وهدم منازل الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم وعمليات القتل والاعتقال والطرد والتشريد لا تتوقف يومياً. وجدار الفصل العنصري يتواصل تمدده في أراضي الفلسطينيين، بل وأحياناً في قلب بيوتهم بينما الرباعية ومبعوثها ومعها كافة الأطراف الأخرى مشغولون بتصريحات وبيانات قوية من قبيل “الصحراء بها كميات كبيرة من الرمال” كما تمخض بلير فقال في غزة.

وإذا كان ذلك حال الرباعية في ظل حكومة إسرائيلية سابقة فلا توجد صعوبة في توقع مواقفها في ظل حكومة يمينية متطرفة أكثر عنصرية وإرهاباً في “إسرائيل”. بالطبع ستتخلى الرباعية عن الخمول وعدم الفعل لتقوم بدور نشط في الضغط على الفلسطينيين والعرب كي يزيدوا من تنازلاتهم حتى يمكن جمعهم مع المتشددين الجدد في “إسرائيل” ضمن مفاوضات تسوية. وقد بدا ذلك واضحاً بعد ساعات من تمكن مصر من إنجاح مفاوضات المصالحة الداخلية الفلسطينية، إذ بدأ الأمريكيون والأوروبيون يقومون بمهام صهيونية لإفشال المصالحة باشتراط أن يلبي أي توافق متطلبات “إسرائيل” من اعتراف بها وقبول بتلقي تعليماتها فيما تسمى المفاوضات معها ووقف أي تسليح أو مقاومة أو حتى اعتراض على القتل والحصار والتجويع والإذلال. وفي مقابل ماذا: لا شيء سوى المزيد من الإرهاب الصهيوني المغلف بالموافقة على الجلوس مع الفلسطينيين في اجتماعات احتفالية لا تسهل مرور فلاح فلسطيني من بيته إلى أرضه عابر حاجز للاحتلال.

وتجد شروط الرباعية استجابة عربية طوعية، إذ أن العرب اختاروا طريق السلام والتفاوض مع العدو مهما كان تشدده ومهما كانت شروطه. ومن هنا فهم يقبلون بإعفاء الاحتلال الصهيوني من جرمه في غزة وعدم تحميله أي أعباء تعويضات (عن الدمار المادي، وليس أرواح الشهداء التي لا تقدر بكل ما تملك “إسرائيل” وكل أطراف الرباعية) بل وإعادة بناء ما يمكنه تدميره مستقبلاً في محرقة أخرى لغزة إذا لم تركع. وسيقبل العرب بتقديم المزيد من التنازلات (لست أدري ماذا بقى لديهم للتنازل عنه) حتى تتمكن الرباعية من إقناع حكومة نتنياهو بتخفيف تشددها.

وهنا تبرز بركات الشيخ بلير، الذي أمضى عامين مبعوثاً لدى “إسرائيل” يتشاور معها وربما ينصح الرئيس عباس في رام الله أحياناً. ونصحه هو على طريقة شركته الجديدة التي ستحصل على عملاء جدد من بعض الحكومات العربية التي ستدفع الملايين لتسمع من الناصح بلير كيف يمكنها أن تكسب ود “إسرائيل” وأميركا عن طريق “تنازلات بسيطة”.

* كاتب صحفي عربي مقيم ببريطانيا

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....