الجزرة التي تقنع حماس بتطوير موقفها

صحيفة الوطن القطرية
لا تبدو مهمة الحوار الفلسطيني الذي تم الاتفاق على انطلاقته بالقاهرة على أن ينتهي أواخر مارس الحالي وقبل انعقاد القمة العربية بالدوحة سهلة، ليس فقط لأنه مطلوب منها أن تتوصل إلى حل لمشاكل مثل الحكومة الواحدة، أيا كان شكل الاتفاق على صياغتها أو الانتخابات الرئاسية والتشريعية أو تسيير الأوضاع الأمنية في الضفة وغزة أو المصالحة الوطنية للوفاء بحقوق الأفراد الذين تضررواً من الأزمة بين فتح وحماس، وكلها مشاكل عسيرة، وإنما لأنها ستحسم الخلاف الفكري والسياسي داخل الصف الفلسطيني كله فيما يتعلق بأدوات النضال مع “إسرائيل” وفي مقدمتها المقاومة وهي بدورها قضية بالغة الصعوبة والتعقيد. ولكن الزخم الجديد الذي أحاط بالحوار الفلسطيني مجدداً يلقي إشارة واضحة على أن الطريق إلى حل كل هذه المشاكل بما فيها دور المقاومة مفتوح وقابل للنقاش وأن هناك ميلاً لدى الفصائل للتنازل هنا أو هناك، سعياً إلى التوصل لاتفاق أو حتى توافق على الاستراتيجية السياسية للفلسطينيين جميعا دون تمييز بين فصيل وآخر في المستقبل المنظور.
فالمعروف أن هناك 5 لجان لهذا الحوار تبدأ عملها وفقاً لما هو متوافر من أفراد بخصوص موضوع كل منها، هي لجنة الحكومة وحولها خلاف إما بأن تكون حكومة وحدة وطنية أو تكنوقراط أو انتقالية، ولجنة الانتخابات وتختص بالإعداد لانتخابات الرئاسة والبرلمان في وقت واحد بنهاية عام 2009 أو يناير 2010، ولجنة الأمن وتختص بعلاقات الميليشيات المسلحة وقوات الأمن على الأرض وعلاقة كل هؤلاء بوزارة الخارجية الفلسطينية، واللجنة المعنية بمنظمة التحرير الفلسطينية وتهدف إلى إعادة تشكيل المنظمة وتهيئة أوضاعها بما يسمح بضم حماس إليها، وهي اللجنة الأصعب بكل تأكيد لأنها ستكون معنية بإعادة النظر في شروط الانضمام للمنظمة وفي المنطلقات السياسية التي تعمل بمقتضاها والجارية منذ تغيير ميثاق المنظمة ليتضمن مسار السلام مع “إسرائيل” بدلاً من الكفاح المسلح، ولجنة المصالحة الفلسطينية المعنية بحل المشاكل الإنسانية التي ترتبت على أحداث غزة الشهيرة في صيف 2007» وهناك لجنة سادسة إضافية يحل دورها قرب موعد انتهاء جولات الحوار يطلق عليها لجنة التسيير ومعنية بالإشراف على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في الجولات الخمس، وقد يشارك في أعمالها الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى.
وما يهمنا في هذا المقام هو اللجنة المعنية بمنظمة التحرير الفلسطينية حيث هناك علاقة وثيقة بينها وبين اللجان الأخرى، فما يمكن الاتفاق عليه في مسائل الحكومة والانتخابات والأمن والمصالحة الوطنية يسهل على حد كبير الموقف على المتفاوضين في هذه اللجنة لأنه يوفر أجواء من الثقة ويعمل على تليين تشدد كل طرف فيما يراه مناسباً للصيغة التي تنتهي إليها منظمة التحرير. وبالمقابل فان أي تقدم داخل هذه اللجنة سيحدث أثره فيما يتعلق بفرص النجاح والفشل في اللجان الخمس الأخرى، باعتبار أن قضيتها حاكمة إلى حد كبير في إحراز التوافق السياسي بين فتح وحماس.
ولو نظرنا إلى المشهد الفلسطيني في الأسابيع الأخيرة فإنه يمكن رصد عدد من المعطيات التي ترجح الانطباع بأن هناك حلحلة في الموقف الفلسطيني فيما يتعلق بالاستراتيجية السياسية للفلسطينيين سواء كانوا من فتح أو حماس تعكس توافقاً مسبقاً على موقف جديداً مازال يتشكل بخصوص منظمة التحرير الفلسطينية، وجوهر هذه الحلحلة هو التحول إلى إدماج حماس في السلطة والعملية السياسية ككل على عكس ما كان سابقاً من محاولات صريحة لإقصائها من هاتين المسألتين. فمن جانبها قالت السلطة الفلسطينية أو بالأحرى فتح على لسان محمود عباس إنها ذاهبة إلى حوار القاهرة بقلب مفتوح، وعلى عكس ما كان سابقاً تخلت عن شرطها القديم الذي كان يربط أي محاولة للتهدئة مع الحركة بضرورة أن تعود الأوضاع في غزة من جانب حماس إلى ما كانت عليه قبل صيف 2007، ولم تعد وسائل الإعلام تشير إلى عبارات الانقلاب المسلح وإنهائه، كما كانت السلطة تصر على تكراره طوال الشهور العديدة التي تلت أحداث غزة وحتى وقوع العدوان الإسرائيلي أواخر العام الماضي. وبالمقابل فإن حماس أسقطت من خطابها الإعلامي أوصاف الخيانة والعمالة التي كانت توجهها لقادة من فتح، كما لوحظ بوضوح أن حديثها المتكرر في السابق عن عدم شرعية محمود عباس باعتبار أن موعد 9 يناير الذي هو آخر يوم في رئاسته قد تم تجاوزه ولم يعد أحد من كوادر حماس البارزة يتحدث عن هذا الموعد أو عن عدم شرعية حكم أبو مازن.
ولاشك أن ذهاب الفصائل الثلاثة عشر إلى الحوار تم النظر إليه على أنه انعكاس لتوافر إرادة ورغبة في اتمامه من الأصل، وهذه الرغبة ما كانت تتحقق لولا أن الكواليس شهدت توافقاً بين الجميع على ضرورة أن يتراجع كل طرف عن شروطه ويقبل بوجهة نظر الآخر وأن هناك إمكانية للتلاقي في نهاية المطاف على عكس ما كان سائداً سابقاً بأن هناك خلافاً جوهرياً بين الطرفين الرئيسيين فتح وحماس يمنع إمكان الحوار وهو في الحقيقة يتعلق بالاستراتيجية السياسية الفلسطينية.
ولكن كل مؤشرات التقارب في المواقف ظاهرياً ما هي إلا بمثابة إبداء حسن النية وتشجيع الأطراف الدولية المؤثرة في عملية السلام بالشرق الأوسط، وتحديداً الجانبين الأميركي والأوروبي لتغيير موقفهما من حماس بما يجعلها شريكاً في السلطة والعملية السياسية عند انطلاقها مجدداً. وبالإمكان فهم الأسباب التي دفعت فتح أو السلطة الفلسطينية إلى فتح المجال مع حماس بالشكل الذي دفع إلى التفاؤل على مدى الأسابيع الماضية، وقد يكون فيها الاقتناع بعدم جدوى المراهنة على سقوط حماس سياسياً، وجهود أطراف عربية عديدة مؤثرة للضغط على السلطة لفتح الحوار الفلسطيني مجدداً على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، أو لفشل السلطة في إحراز أي نتائج من مفاوضاتها مع الحكومة الإسرائيلية والشعور بالقلق من عودة اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة نتانياهو بما لا يبشر بإمكانية إحراز أي تقدم إذا ما قدر للمفاوضات أن تستأنف مجدداً. وبالإمكان أيضاً فهم الأسباب التي دفعت حماس للتعامل بنفس الأريحية الايجابية وقد يكون منها اقتناعها بأن تحمل الحصار في غزة له حدود، وكذلك المواجهة المسلحة مع قوات الاحتلال وأن الثمن الذي يدفعه الشعب يكون باهظاً في كل حال، أو أنها لا تريد أن تراهن على لعبة المحاور العربية ولا تريد أن تكون جزءاً من الإخلال بالأمن القومي لأي دولة عربية كما قال محمود الزهار القيادي في الحركة منذ أيام عقب لقائه مع رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة.
وهناك دعا أيضاً إلى تسخير كل الجهود الفلسطينية لخدمة الشعب الفلسطيني حيث قال «نحن في أشد الحاجة للدعم على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بعد العدوان الإسرائيلي» ومن المهم الإشارة أيضاً إلى أن المناخ العربي أصبح أفضل بالنسبة لحماس بعد هذا العدوان مما أكد وجود توافق عربي عام على إدماج حماس في أي تحركات سياسية سواء فلسطينياً أو عربياً أو دولياً، وهو تطور مهم للغاية لم يكن قائماً في السابق مما أعطى قدراً كبيراً من الطمأنينة لحماس وجعلها تلين من مواقفها المتشددة السابقة.
إلا أن الموقف الدولي (أميركا وأوروبا) يظل حاكماً في هذه التحولات داخل المشهد الفلسطيني الراهن. وحسب ما توافر من معلومات فإن أطرافاً عربية مؤثرة في المنطقة طلبت من الإدارة الأميركية الجديدة والاتحاد الأوروبي إعادة النظر في مواقفهما من حماس، فقد قيل للأوروبيين إنهم قاطعوا حماس بعد فوزها في الانتخابات وأيدوا حصار “إسرائيل” لها في غزة مما دفعها إلى التشدد، وإذا كانت هناك فرصة الآن لإطلاق عملية السلام فإنه يتعين أولاً حل إشكالية حماس بالدرجة الأولى سواء صدقت هذه المعلومات بأن أطرافاً عربية هي التي بادرت بهذا التحرك أم أن الطرفين الأميركي والأوروبي أصبحا مقتنعين بأهميته، فإن النتيجة هي أن تحولاً مهماً بالفعل قد تحقق في موقف هذين الطرفين من حماس، وقد جاءت زيارة السيناتور جون كيري رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، المفاجئة إلى غزة شاهداً على هذا التحول.
ومن الصحيح أنه لم يلتق مع أي قيادة من حماس، لكن زيارته لغزة التي يعلم هو جيداً أنها تقع تحت سيطرة الحركة تحمل دلالة مهمة هي الاعتراف بوجودها من ناحية، وإبلاغ “إسرائيل” بأن الإدارة الأميركية الجديدة مثلما هي معنية بأمن “إسرائيل” فإنها معنية أيضاً بالعدالة للفلسطينيين من ناحية أخرى. وفي هذه الزيارة تسلم جون كيري رسالة من الحكومة الفلسطينية المقالة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، ومع أنه لم يتم الكشف عن مضمون هذه الرسالة، فإن ما يترشح من معلومات حول مضمون الجهود المبذولة لإقناع أميركا وأوروبا بتعديل موقفهما من حماس يساعد في توضيح الموقف. فمن المعروف أن هذين الطرفين يقاطعان حماس بدعوى رفضها الاعتراف ب”إسرائيل”، وعدم نبذ العنف، والالتزام باتفاقيات السلام المبرمة مع تل أبيب وهي شروط الرباعية الدولية التي رفضتها حماس من قبل. وبناء عليه فإن الجهد يتركز حالياً على إقناع الطرفين الأميركي والأوروبي بإعادة صياغة هذه الشروط وليس إلغاءها بما يجعل حماس تشعر بأنها حصلت على الجزرة التي تغريها بتطوير موقفها من التحرك السياسي تجاه “إسرائيل” وعلى ملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وهناك ما يؤكد نجاح هذا الجهد حيث تم رصد استعداد الجانب الأوروبي للاستماع إلى هذا المطلب فضلاً عن توافر إرادة أميركية ترغب في التعامل مع الحركة.
وفي حالة إتمام هذا التحول من الجانبين الأميركي والأوروبي فإنه سينعكس ايجابياً على مفاوضات لجنة منظمة التحرير الفلسطينية بأن يتم الاتفاق على إشراك حماس فيها لتظل المنظمة مرجعية تاريخية تحافظ على شعار المقاومة دون أن تصبح مرجعية سياسية لحين إتمام تحرير الأرض والوفاء بالحقوق الفلسطينية، وأن تنتقل هذه المرجعية إلى السلطة السياسية الجديدة المنتخبة بأجهزتها المختلفة والتي تشمل في هذه الحالة حماس.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

إصابة جنود إسرائيليين بصاروخ مضاد للدروع في حي الشجاعية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم السبت، بإصابة عدد من جنود جيش الاحتلال في قطاع غزة نيران المقاومة الفلسطينية. وقال...

جامعة كولومبيا تعلّق دراسة 65 طالبا احجوا ضد الإبادة في غزة
واشنطن - المركز الفسطيني للإعلام علقت جامعة كولومبيا دراسة 65 طالبا من "مؤيدي فلسطين" لمشاركتهم في احتجاج داخل المكتبة الرئيسية للجامعة يوم الأربعاء...

باكستان تطلق عملية “البنيان المرصوص” ضد الهند
إسلام أباد - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت باكستان فجر اليوم السبت، عملية عسكرية مضادة للهجمات العدوانية الهندية على أراضيها ومنشآتها العسكرية تحت...

لجنة أممية تحذر من خطر المجاعة والمرض على الفئات الهشة بغزة
جنيف - المركز الفلسطيني للإعلام قالت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري إن نفاد الغذاء في قطاع غزة، إلى جانب الدمار الواسع...

إصابتان برصاص الاحتلال وهجمات للمستوطنين في الضفة
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب شاب فلسطيني برصاص الاحتلال في بلدة تقوع جنوب شرق بيت لحم، فجر السبت، في الضفة الغربية المحتلة، إثر اقتحام...

“الجهاد الإسلامي” تنعى القائد بسرايا القدس الشهيد نور البيطاوي
جنين - المركز الفلسطيني للإعلام نعت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الشهيد نور عبد الكريم البيطاوي، القائد في "كتيبة جنين" التابعة لسرايا القدس،...

حماس: اغتيال المقاومين في الضفة لن يزيد شبابها الثائر إلا مزيداً من الإصرار على المواجهة
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس أن سياسة الاحتلال الصهيوني باغتيال المقاومين وتصعيد استهدافه لأبناء شعبنا في الضفة الغربية؛...