هل يتحول نتانياهو إلى السلام؟

صحيفة الاتحاد الإماراتية
تماماً كما حدث عام 1996، عندما فاز نتانياهو بأغلبية واحد في المئة من مجموع الناخبين، برئاسة الحكومة، سألني بعض الصحفيين: هل يمكن في عام 2009 أن يتحول هذا السياسي “اليميني” المتطرف إلى طريق السلام كما تحول أستاذه مناحم بيجين مؤسس حزب “الليكود” عام 1979 عندما وقّع معاهدة السلام مع مصر؟
أعتقد أن الإجابة عن السؤال يجب أن تمر بسياقين: الأول هو سياق الساحة السياسية والأيديولوجية في “إسرائيل”، والثاني هو سياق الفعل العربي والدولي المؤثر على “إسرائيل”. في عام 1979 كانت هناك قوتان عظميان، الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وكان خروج مصر من نطاق التحالف مع السوفييت إلى التحالف مع الولايات المتحدة الأميركية هدفاً أميركياً مهماً يستحق الضغط على “إسرائيل” لتقبل بسحب أطماعها التوسعية وقواتها بعيداً عن سيناء. أما على الساحة الداخلية الإسرائيلية، فقد كانت حرب أكتوبر 1973 قد رسخت انطباعاً عميقاً لدى القادة والمفكرين والشارع، بأن اتقاء خطر مصر أمر يستحق التخلي عن أفكار “إسرائيل” الكاملة التي أطلقها بيجين نفسه، عندما أعلن أنه سيتخذ من سيناء مرقده الأبدي فور وقوعها تحت الاحتلال عام 1967.
إذن، نحن أمام مؤثرين ساهما في تحويل بيجين الدموي التوسعي، تلميذ “جابوتنسكي”، إلى السلام مع مصر، أولهما ضغط أميركي لا يمكن مقاومته نتيجة لوجود مصلحة عليا أميركية. وثانيهما حرب عربية تركت آثارها العميقة في الوعي الجمعي الإسرائيلي بالخطر. إذا أخذنا نموذجاً ثانياً وهو نموذج الجنرال اسحق رابين أحد زعماء حزب “العمل”، والذي تحول عن التطرف ووقع اتفاقيات أوسلو عام 1993، وأدخل منظمة التحرير إلى الأراضي المحتلة وسلمها بعض المدن وسمح لها بشرطة مسلحة، فإننا سنلاحظ أن تاريخه السابق كان متسماً أيضاً بالتطرف. لقد حظي بلقب محرر القدس لأنه كان رئيس أركان الجيش عام 1967، وكان صاحب شعار “حطموا عظام الفلسطينيين” خلال الانتفاضة الأولى، والذي ترجم فعلياً بقيام الجنود الإسرائيليين بتحطيم أذرع وسيقان الشبان المتظاهرين بالأحجار الثقيلة بعد الإمساك بهم.
ترى لماذا هذا التحول نحو منطق السلام الذي كلفه حياته عندما جرى اغتياله عام 1995، بعد موجة تحريض عنيفة قادها نتانياهو وحاخامات التطرف، متهمين رابين بالكفر والخيانة والتفريط في “أرض إسرائيل وأمنها”؟ لقد وقع هذا التحول بعد ضغط أميركي عنيف على حكومة “الليكود” بقيادة شامير بعد مؤتمر مدريد للسلام، لدرجة حرمان “إسرائيل” من ضمانات قروض بمبلغ مليارات الدولارات لعدم تجاوب شامير مع رغبة واشنطن في إرضاء الوضع العربي.
إذن، جاء رابين إلى الحكم والضغط الأميركي ماثل أمام الجمهور الإسرائيلي، وكذلك جاء بعد الانتفاضة الأولى التي أنهكت قوى الأمن الإسرائيلية.
إن النموذج الثالث لهذا التحول جاء بعد انتفاضة الأقصى عام 2000 وفوز شارون برئاسة الوزارة بكل تاريخه الدموي وحصاره الضاري لعرفات وضغوطه العسكرية على الشعب الفلسطيني، أي أن فعلاً عربياً على الأرض قد أثر على الأمن الإسرائيلي، لكن تحول شارون إلى قبول فكرة الدولة الفلسطينية لم يحدث إلا بعد أن طرح بوش رؤيته للحل القائم على إنشاء دولتين، وضغط على “إسرائيل” في هذا الاتجاه لقبول الرؤية ثم خريطة الطريق عام 2003.
لقد ناقشت قضية تحول القادة الإسرائيليين إلى السلام مع طلابي في قسم الدراسات العبرية لإشراكهم في خبرة تحليل السياسات الإسرائيلية، ولقد وافقوا معي على هذين العنصرين الملازمين للتحول من جنون التطرف الأيديولوجي الصهيوني والاتجاه الدموي إلى منهج التفكير السلمي، وهما الضغط الأميركي والتأثير العربي العسكري داخل الساحة الإسرائيلية. ومع ذلك فقد أضفت عنصراً يبدو لي بشرياً، وهو عنصر التقدم في السن، فالقادة الثلاثة المذكورين مناحم بيجين واسحق رابين وأرييل شارون، لم يتحولوا عن التطرف والدموية إلا بعد أن عبروا الستين بسنوات. وهنا قلت لطلابي كما قلت من قبل للصحفيين أصحاب السؤال، إن العنصر الرئيسي هنا هو اكتشاف هؤلاء القادة الذين تربوا على فكرة طرد العرب وتفريغ الأرض منهم لإقامة الحلم الصهيوني، استحالة تحقيق الهدف مع تقدمهم في العمر، فالشعب الفلسطيني ما زال يضرب نموذجاً فريداً وعبقرياً في الثبات والصمود تحت أعتى الضغوط، ويتزايد في أحلك الظروف، ولا يتناقص كما يريد الصهاينة، وهو الأمر الذي يجهد القادة الصهاينة ويحملهم في النهاية على التفكير في حل التعايش السلمي. ترى هل تمثل حرب غزة العنصر الضاغط العربي على نتانياهو؟ وهل يمارس أوباما ضغطاً حقيقياً عليه؟ وهل بلغ نتانياهو سن الحكمة؟
دعونا نراقب ونحكم على أساس هذه المعايير دون نسيان أن أغلبية الكنيست من “اليمين”.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...