السبت 10/مايو/2025

لماذا… لماذا شاليط… وماذا عن أسرانا!

لماذا… لماذا شاليط… وماذا عن أسرانا!

صحيفة الشرق القطرية

لماذا كانت حمى الإثارات الإعلامية والسياسية وما تزال ساخنة جداً للمطالبة بتحرير جلعاد شاليط جندي سلاح المدرعات في جيش الدفاع الإسرائيلي بعد أن أسرته قوة من ثمانية مسلحين من كتائب القسام إذ هاجمت مفرزة إسرائيلية على حدود قطاع غزة فقتلت جنديين وجرحت خمسة وكان شاليط قد أصيب داخل الدبابة ثم نقل إلى القطاع وذلك في 25 يوليو 2005م، وكانت مصر قد توسطت بين اليهود وحماس لكن المفاوضات تعرقلت مرات وخاصة بعد تولي الحركة الحكومة في غزة عام 2007 مما أدى إلى إغلاق مصر الحدود مع القطاع، حيث إن حماس كانت قد عرضت إطلاق 450 معتقلاً من كوادرها مقابل شاليط غير أن القائمة رفضت طبقاً لبلاغ الوسيط المصري فأخفقت المباحثات كما أخفقت “إسرائيل” في ردها العسكري على عملية جلعاد داخل غزة ولم تتمكن من العثور عليه البتة، ولماذا لم يفتأ الساسة الإسرائيليون يطالبون بالجندي الأسير الذي لم يكن ضابطاً ولا شخصية مميزة في الجيش حتى كرر رئيس أمريكا السابق بوش الإسراع بإطلاق سراحه دون شرط، كما أكدت المطالبة به وزيرة خارجيته الفائتة كونداليزا رايس في جولاتها ولقاءاتها وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أول المبشرين بحل مشكلته منتقداً حماس ألا تفكه من الأسر، ولكن طبعاً على طريقة التقارب وليس ضمن خطة يكون الضحية فيها منتصفاً من جلاده المحتل، كما أن مسؤولين أتراكاً كانوا قد زاروا دمشق للتوسط مع حماس بشأن شاليط، ولكنه بعد الجحيم الأليم الذي صب على غزة، وبعد أن انسحب العدو دون شروط، وقطعت بعد الحرب محادثات التهدئة مع حماس عن طريق الوسيط المصري أشواطاً، ومع اقتراب التوقيع لفتح المعابر وفك الحصار، اجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر وربط تحقيق هذه التهدئة والهدنة باطلاق شاليط، وخصص أولمرت طاقماً مفرداً لذلك رافضاً العدد الذي طلبته حماس والذي يقدر بالألف أو يزيد من الأسرى الفلسطينيين مقابل شاليط، بينما رفضت حماس بدورها الربط بين التهدئة وشروطها وبين مسألة الأسير رداً على سياسة “إسرائيل” المضطربة المناورة الضاربة بجهود مصر ومندوبها عاموس جلعاد للمفاوضات عرض الحائط مما اضطره إلى الاستقالة.

ونحن أمام هذا الأمر الشائك في مسألة الأسير والتبادل به حتى لو ربط أمره بالتهدئة لنا رأي مع الاحترام الكامل للإخوة في حماس فهم أهل الميدان الأدرى وأهل مكة أدرى بشعابها وأهل الدار أعلم بمن فيها والفتوى تقدر أيضاً بحسب الزمان والمكان والشخص والظروف والحال -وهو ضرورة التذكر أن تأخير فك الأسرى والأسيرات مع التحقق من الأذى والمعاناة التي يعاقبون بها في المعتقلات، ومع وجود بعض الاستطاعة لذلك، خاصة بعد نصر حماس في غزة، فيما نحسب ونجتهد ليس دقيقاً مع ثقتنا بحرص الحركة وإشفاقها على الأسرى خاصة أن لهم في حكومتها وزيراً متخصصاً بهم، ولكن المؤمن مرآة أخيه فالذي تفيدنا إياه نصوص الشرع هو المبادرة والمسارعة بتحرير الأسرى على وجه الإيجاب، من قبل أولي الأمر أو عموم المسلمين بالتبادل أو الفداء بالمال أو غيره.

وهل يعقل أن تلح “إسرائيل” بشأن أسير واحد لقيمته عندهم وأسرانا بالألوف والعملية في إطلاقهم ما تزال تراوح مع التأكيد أن السلطة الفلسطينية هي أول من يسأل عن أحوالهم. والرسول صلى الله عليه وسلم – كما في حديث البخاري – الفتح 6 – 167، يحدثنا بالأمر “فكوا العاني” أي الأسير وإنما قيل له ذلك لأنه يعنو أي: يخضع لمن أسره ويقع في الذلة وفكه واجب على المسلمين بأي طريقة حتى لو كان ذمياً لإطلاق النص، وبالنسبة للأسيرة فقد جاء في صحيح مسلم بشرح النووي 7/384 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بامرأة أسيرة حسناء إلى أهل مكة ففدى بها ناساً من المسلمين أسروا بمكة. وفي شرح النووي لمسلم أيضاً برقم 1641 حديث الرجل الذي أسره الصحابة وهو من بني عقيل ففدى به رسول الله رجلين كانت ثقيف قد أسرتهما وعلى هذا يقول فقهاء الحنفية كما في السير الكبير 4/1587 وهو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة: إن تخليص أسراء المسلمين واجب لمنفعة المسلمين أقول: وفي هذا اعتناء كبير بمقاصد الشريعة التي جاءت لحفظ الأنفس وهو ما كان يفعله السلطان نور الدين زنكي وتلميذه صلاح الدين الأيوبي حيث إنه بتحريرهم تطلق قوة إسلامية كانت حبيسة في معسكر العدو وهو تخليص لهم من الأذى والفتنة وواجب من أعمال البر والتقوى، حتى كان صلاح الدين يرسل الأمراء لتحرير الأسرى وافتدائهم بالمال الكثير حتى قال سبط ابن الجوزي: إن أموال الإمارة قد استنفدتها الصدقات وقد عدوا أسرى المسلمين الذين حرروا 60 ألفا من نير الصليبيين كما في كتاب الجيش الأيوبي ص226 فما هو حال حكام فلسطين والعرب والمسلمين بشأن الأسرى والأسيرات في فلسطين اليوم وما دور العلماء والفقهاء في التحريض لهذا الأمر الجلل، وإذا كان الرسول قد أمر بالرفق حتى بأسراء بني قريظة من اليهود بعدما احترق النهار في يوم صائف فوجه: أحسنوا أسارهم وقيلوهم أي أريحوهم بالقيلولة واسقوهم كما في إمتاع الأسماع 1/248 فكيف بأسرانا الذين يعانون أصناف التعذيب الحسي والمعنوي!

مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحين الفرصة المناسبة لتخليص الأسرى- ونكرر أن إخواننا في حماس ربما اجتهدوا لما هو أصلح لهم-ولكن نذكر أيضاً أن عمر بن الخطاب قال: لأن استنقذ رجلاً من المسلمين من الكفار أحب إلي من جزيرة العرب، كما خرجه ابن أبي شيبة في المصنف 12/418 وقال العلماء في فك الأسير كما في المغني 10/498: لأن ما يخاف من تعذيبه أعظم في الضرورة، وهو مذهب عمر بن عبدالعزيز القائل: والله لرجل من المسلمين أحب إلى بفك أسره من كل مشرك إنك إنما تشتري الإسلام وهو مذهب الحنابلة وزادوا بل أهل الذمة كما في الرسائل المفيدة لابن تيمية ص247 وانظر سنن سعيد بن منصور 2/293.

وجوهر القول المؤكد لذلك ما ذكره الإمام القرطبي المالكي في تفسيره 2/23 من انعقاد الإجماع على وجوب فك الأسير معبراً عن ألمه من إهمال المسلمين في عصره وكأنه يعيش معنا- تخليص الأسرى بسبب الصراع القائم بين هؤلاء المسلمين- كما هو حالنا- واستظهار البعض بالعدو الكافر ضد إخوانهم الآخرين- كما رأينا في استقواء البعض باليهود أنفسهم وحلفائهم ضد حماس، قال: تظاهر بعضنا على بعض ليت بالمسلمين بل بالكافرين حتى تركنا إخواننا الأسرى صاغرين يجري عليهم حكم المشركين فلا حول ولا قوة إلا بالله، أقول: ما أشبه الليلة بالبارحة والتاريخ يعيد نفسه ولكن هل من معتبر راجياً الله تعالى أن يوفق إخواننا في حماس للتعامل مع الأحداث وهم المتقون- بكل شفافية شرعية آملاً الموازنة بين أحوال الأسرى مقابل شاليط ضمن فقه المقاصد ونحن لن نخاف إذا أعطينا القوس باريها ولكن لنا حق الرأي والتذكير مع علمنا أن الإمام مقيد بمصلحة الجماعة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات