إلى أي مدى يعيق نتنياهو سياسات أوباما في المنطقة؟

صحيفة العرب القطرية
سلسلة خطوات اتخذها الرئيس الأميركي باراك أوباما تعبّر عن قطيعة مع سياسة سلفه جورج بوش وفريق المحافظين الجدد. من هذه الخطوات إغلاق معتقل غوانتنامو، ووقف استخدام الأساليب القاسية في استجواب المشتبه بصلاتهم بـ «الإرهاب»، وإرسال المبعوث الجديد للشرق الأوسط جورج ميتشل، والتواصل مع العالمين العربي والإسلامي وخفض حدّة الخطاب السياسي لكسب تأييد المعتدلين.
هذه الخطوات استوقفت انتباه المؤرخ الأميركي ديفيد جرينبرج خبير الاتصالات الرئاسية، فهذه الخطوات كانت حسب رأيه لقطع الطريق على الكثير من الانقسامات وعلى غياب الإجماع الأميركي في المرحلة السابقة.
إنما هذه الخطوات الأميركية للرئيس باراك أوباما لا تكوّن في حد ذاتها استراتيجية التوجّه الأميركي نحو الشرق الأوسط، فهي تندرج في سياق التراجع عن خطوات من دون أن تحدّد البديل منها. من هنا أتت النصائح لباراك أوباما من مستشاريه أن يتحرك بحذر شديد، فهو «لطَّف» موقفه بأن توقف عن وصف مكافحة الإرهاب بأنها حرب، وجرّد هذا التوصيف عن صلته بـ «الإسلام»، كما فعل مراراً سلفه، أو كما درجت العادة عند الكلام عن «حرب الحضارات».
والامتحان الحقيقي الآن للإدارة الأميركية الجديدة هو كيفية مقاربتها للوضع في المنطقة في ظلّ حكومة نتنياهو، الذي يبدو من الصعب عليه تشكيل «حكومة وحدة وطنية»، والذي سيجد نفسه أمام حكومة «يمين متطرف»، إذا بقيت تسيبي ليفني خارج الائتلاف الحكومي، وحيث من المرجح أن يكون المتطرف أفيغدور ليبرمان «حجر الزاوية». وهكذا ليس من قبيل المصادفة أن يستقرئ أوري نير المتحدث باسم «حركة السلام الآن» أن «عودة اليمين الإسرائيلي تهدد بتقويض الجهود الأميركية لإحياء مفاوضات السلام المتعثرة». فنتائج الانتخابات -حسب ما يذهب إليه- تشكل نبأ غير سار على الأمن والاستقرار في المنطقة، وأن إدارة أوباما ستواجه صعوبة في العثور على الحليف الإسرائيلي الذي هي بأمسّ الحاجة إليه من أجل دفع سياستها الجديدة قدماً في المنطقة.
لا شك أن وجود بنيامين نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية ليس عاملاً مريحاً لسياسات الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي يُغلِّب «الدبلوماسية الناعمة» على «دبلوماسية القوة»، والذي يُحدث مراجعة لكيفية حماية المصالح الأميركية، ليس على قاعدة تطابقها والمصالح الإسرائيلية، وإنما بالأخذ بالاعتبار لمصالح الآخرين أيضاً. وبهذا المعنى فإن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تتذكر بالتأكيد كيف أن زوجها بيل كلينتون رئيس الولايات المتحدة الأميركية في التسعينيات أصيب بخيبة أمل، عندما كان نتنياهو رئيساً للوزراء. وهكذا تفتقر الإدارة الأميركية إلى «الشريك الإسرائيلي» حالياً في عملية السلام، كما أن الخيارات الفلسطينية مع «حكومة يمين إسرائيلي متطرف» ضيقة جداً وتحديداً خيار المفاوضات، فهو الخيار الأكثر كلفة على الفلسطينيين في ظل الانقسام الحاد بين السلطة الفلسطينية وحماس. فأي مفاوضات فلسطينية الآن تضعف السلطة الفلسطينية وتعزّز قدرة “إسرائيل” على فرض إملاءاتها الاستيطانية، وتوسّع الهوة بين الضفة الغربية وغزة، وأما خيار «حل السلطة الفلسطينية» فإنه ينهي الوظيفة التفاوضية، ويستتبع خياراً آخر هو المقاومة الشعبية في وجه الاحتلال.
وفي كل الأحوال عندما يطرح نتنياهو «تحسين الوضع الاقتصادي» بديلاً من حل الدولتين، فإن ذلك يعزّز على الأرض خيار الدولة الواحدة ثنائية القومية، وهذا في حد ذاته خيار يعيد فتح الصراع على مستقبل فلسطين.
إلى الآن لم تحسم الإدارة الأميركية ما إذا كانت تتجه إلى استيعاب «حماس» من خلال إجراء حوار معها، فهي ليست واثقة من مدى النجاح المحتمل للحوار للوصول إلى حل شامل للقضية الفلسطينية. كما أن ما يعيق أي تحرّك سريع للإدارة الأميركية، هو أن المستوطنين يعتبرون المستوطنات «منحة إلهية»، وبالتالي رفض التخلي عنها مقابل السلام. وهكذا هناك من ينصح الرئيس باراك أوباما بفتح الحوار فقط مع السلطة الفلسطينية، وبأنه بمقدور واشنطن إحلال السلام بين “إسرائيل” والفلسطينيين من دون حماس. ومن أصحاب هذه النظرية الباحث الأميركي في معهد الشرق الأوسط ريتشارد دبليو مورفي، فيما يرى الباحث ديفيد فروم أن على الإدارة الأميركية مفاوضة حماس، وأن تستكشف ما يفكر به المنتسبون إليها. فواشنطن فاوضت المتشددين في العراق كما أنها تفاوض حركة طالبان في أفغانستان، وهو ينصح بأن تعمل واشنطن على إعادة إعمار قطاع غزة، وأن تتعاون في هذا المجال مع جهات قريبة من «حماس».
من كل ذلك يستنتج المراقب السياسي بأن واشنطن لن تمارس ضغوطاً على نتنياهو، وإنما ستنصحه بألا يقطع مع المفاوضات، ومن هنا تضطر إلى أن تستكشف الأوضاع في المنطقة، وهذا ما يفسّر الحيرة التي وقع فيها البيت الأبيض بوصول نتنياهو إلى رئاسة الحكومة، فهي بإمكانها أن «تعترض» على نتائج الانتخابات، غير أنها تسلم بأن “إسرائيل” «دولة ديمقراطية» تعبّر عن خياراتها بالانتخابات حتى ولو كانت تقيم جداراً عنصرياً فاصلاً أو تهدّم مدارس الأونروا.
أخيراً مشكلة باراك أوباما مع نتنياهو أن هذا الأخير يعرف جيداً أن الإدارة الأميركية الجديدة تعتبر المستوطنات ونموّها وتوسّعها عائقاً حقيقياً أمام المعالجات الواقعية للعلاقة الفلسطينية-الإسرائيلية، وهو -أي نتنياهو- سيستمهل الرئيس الأميركي في موضوع المستوطنات باعتبار أن شركاءه في اليمين الإسرائيلي متصلبون، وأن أي تنازلات من جانبه تفترض أن تسارع الإدارة الأميركية إلى ضرورة معالجة الملف النووي الإيراني، باعتبار أن إيران تمثل «خطراً وجودياً على إسرائيل». وكل ذلك يستتبع أن شللاً كاملاً سيصيب عملية السلام خصوصاً أن الاستعصاءات الإسرائيلية تستفيد من كون الأزمة الاقتصادية المالية الأميركية ستصرف اهتمام الرئيس أوباما نحو الداخل الأميركي والخروج من المستنقع العراقي بأقل خسائر.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...