الخميس 08/مايو/2025

نتنياهو الثاني

نتنياهو الثاني

صحيفة العرب القطرية

بعودة نتنياهو إلى سدة القرار السياسي لـ «دولة إسرائيل» يكون المجتمع اليهودي الإسرائيلي قد اختار من جديد مواصلة العودة إلى الينابيع الأساسية المؤسسة لما يسمى في تاريخ الحركة الصهيونية بـ «الصهيونية التصحيحية» صاحبة عقيدة «أرض إسرائيل الكاملة» وأول مبتكر لفكرة «الستار الحديدي» إبان الانتداب البريطاني على فلسطين. فالليكود هو الذي يمثل الاستمرارية التاريخية «الوفية» للصهيونية التصحيحية، ولا شك أن هذه الاستمرارية تتم في شروط تاريخية مختلفة، فقد سقط حلم التوسع الاستعماري في «أرض إسرائيل الكاملة» بحسب التعابير الصهيونية نفسها، وخرج من ميراث الصهيونية التصحيحية نفسها تيار يعتبر وسطاً بالمقاييس الإسرائيلية الصهيونية ليس سوى «كاديما»، غير أن الجوهر الأساسي بقي يعاد إنتاجه سواء عند نتنياهو أو كاديما.

ولكن نتنياهو كان من أبرز من أعادوا إنتاجه في صيغة ما هو معروف عنه من «السلام مقابل السلام» مع سوريا، والسلام مقابل الحكم الذاتي وليس مقابل الأرض بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي لا يعترف اليمين الإسرائيلي أصلاً بأنه شعب، ولقد قيل بمناسبة تكليف نتنياهو إنه قد عاد إلى الحكم بعد عشر سنوات من سقوطه أمام باراك في عام 1999، لكن ما لا يتم استذكاره هو أن سقوط نتنياهو مرشح اليمين الإسرائيلي في عام 1999 قد تمّ بفارق 12.16% فقط لصالح باراك مرشح ما يسمى باليسار والوسط الصهيوني، وهو سقوط انتخابي وليس سقوطاً سياسياً، ولعب فيه الضغط الأميركي الذي قامت به إدارة كلينتون الديمقراطية دوراً كبيراً.

ويعني ذلك أن تغير نتائج العمليات الانتخابية في “إسرائيل” عكس على الدوام منذ فترة ليست قصيرة التقدم النسبي للاتجاهات وليس التقدم المطلق. والحال هنا في عام 2009 لا يختلف عن ذلك، فيستطيع نتنياهو أن يشكل حكومة تتأسس على قاعدته اليمينية واليمينية المتشددة المؤلفة من 65 من أصل 120 نائباً، ولكنه في ظل احتمال «تدخل» إدارة أوباما التي قد تعاود ممارسة ما فعلته إدارة كلينتون قد لا يستطيع الطيران بجناح واحد في ظل موازين القوى التي أفرزتها اللعبة السياسية الإسرائيلية إلا بشكل مهيض ليس له من مستقبل سوى سقوط الحكومة، أو قد يحاول تفادي ذلك السقوط المنتظر بعد حين في حالة الطيران بجناح واحد بمحاولة تقديم ترغيبات أكبر لليفني كاديما ولباراك العمل، في ائتلاف قد يتراوح بين شراكة ذات سقفٍ عالٍ، أو ربما من خلال التناوب.

هذه كلها لعبة داخلية إسرائيلية في مضمونها الجوهري تفرضها قواعد النظام السياسي الإسرائيلي، لكن ما لا يقوله كاديما والعمل بصراحة، وهو رفض «الدولتين» بإمكان نتنياهو أن يقوله بفم ملآن تمتزج فيه المراوغة البراغماتية مع الموقف الصهيوني التصحيحي الأصلي، وتسمح اتجاهات الماضي القريب إبان العقد المنصرم برؤية حدود الاتجاهات المستقبلية لنتنياهو في السنوات القادمة، و «التدخل» الأميركي ليس عاملاً جديداً بل هو من اتجاهات الماضي التي تندرج في استمرار الوضع الراهن، فنتنياهو البراغماتي يمكنه أن يتابع مسار المفاوضات، وهو يحتاج لهذا السبب إلى كاديما والعمل كي يكون في الحكومة للموازنة مع اليمين المتشدد، لكنه -وكما فعل في الماضي- يمكنه أن يجهض كل شيء، ومشكلة الخليل معروفة، فلقد أبقى الخليل وهي مدينة عربية خالصة تحت رحمة عدة مئات من المستوطنين -بالمناسبة كانت الصهيونية التصحيحية تطلق اسم المستعمرات على ما يسمى الآن تلطيفاً بالمستوطنات- وهو الذي أوصل مفاوضات «واي ريفر» إلى طريق مسدود، ولم يتردد في الانسحاب من حكومة شارون حين قرر الانسحاب الأحادي من غزة، ونتنياهو في اتجاهات الماضي كان يناور تحت «ملاط» (شعار) أنه يفاوض، ولا توجد مؤشرات جوهرية على أنه سيغير من هذا السلوك، وهو قد يعمل على تسريع العودة إلى المفاوضات، في شروط توجهات إدارة أوباما الراهنة لامتصاص ضغوطها، وامتصاص ضغوط الحملة العالمية المتوسعة ضد “إسرائيل” بعد عدوانها على غزة، وبروز حماس كقوة أكثر صلابة للاجئين الفلسطينيين في أراضي السلطة الذين يتمركز قسم كبير منهم في غزة، لكن مفاوضاته لن تكون على الأرجح أكثر من مناورة يحتاج فيها إلى كاديما، ولذلك فإن خطوط الانقسام على مستوى عملية السلام الحقيقية بين نتنياهو وكاديما والعمل شديدة الضيق، وتغدو في كثير من اللحظات عديمة المعنى، ماعدا ما يرشح منها من «زبدٍ» بلاغي يموّه الأشياء لا أكثر.

إن المؤشرات لا تدل على أن نتنياهو الثاني في السنوات القليلة القادمة سيكون مختلفاً كثيراً عن نتنياهو الأول، والدرس الذي يفترض أن العرب والفلسطينيين عرفوه بالتمام والكمال هو أن يراهنوا على قواهم وليس على تبدلات اللعبة الإسرائيلية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات