الثلاثاء 13/مايو/2025

الخوف من نتنياهو

الخوف من نتنياهو

صحيفة الوطن السعودية

كلف الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز زعيم حزب الليكود بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وبذلك سيكون رئيس الحكومة القادمة، ولو أننا لا نعرف أي حكومة سيشكل، رغم ما يظهر بأن هناك 65 عضو كنيست من اليمين واليمين المتطرف يؤيدونه ويشكلون ائتلافاً مستقراً، لكن هذا الائتلاف أكثر ما يخيف نتنياهو وسيحاول الهروب منه بأي ثمن.

نتنياهو يعرف أن ما يقوله في المعارضة لا يصلح في السلطة، لقد جرب ذلك في السابق وكان رئيساً للوزراء من العام 1996 إلى عام 1999. وبعد خوضه لتلك الانتخابات التي أوصلته إلى رئاسة الوزراء في المرة السابقة، رفع شعار “السلام مقابل السلام” بدلاً من شعار “الأرض مقابل السلام” الذي كان أساس مؤتمر مدريد الذي أطلق عملية المفاوضات بين “إسرائيل” والعرب في عام 1991. ولكن عندما جلس على كرسي رئاسة الوزراء بدأ سلوكه السياسي الفعلي يختلف عن تلك الشعارات التي أطلقها في فترة الحملة الانتخابية. وما جرى على الأرض كان مناقضاً للشعار السياسي الذي رفعه بـ”السلام مقابل السلام” وإذا عدنا لوقائع التاريخ التي جرت في فترة السنوات الثلاث التي قضاها اليمين بزعامة نتنياهو في سدة السلطة، يتأكد لنا ذلك.

كان هدف نتنياهو بعد وصوله إلى رئاسة الحكومة التراجع عن اتفاقات أوسلو التي وقعتها قبله حكومة إسحاق رابين زعيم حزب العمل، فقد رفض التنازل عن الأرض على اعتبار أنها “أرض إسرائيل الكبرى” ولأنه لا يمكن التنازل عنها، فقد كان شعاره البديل بـ”السلام مقابل السلام” أي أن تأخذ “إسرائيل” السلام من العرب مقابل لا شيء، وهذا ما كان نتنياهو يبنيه على أساس دعوته إلى “جدار حديدي” مع المنطقة، لأن “إسرائيل” لا تنتمي إليها، بقدر ما تشكل امتداداً للحضارة الغربية، كما كان يقول. بعد نجاحه في الانتخابات العام 1996، تراجع عن وعوده بالتنكر لاتفاقات أوسلو وإلغائها، على العكس استبدل ذلك بسياسة المقايضة مع الفلسطينيين، تلك السياسة التي صاغها وكان عنوانها “إذا أعطوا، فسيأخذون”. وهذا كان عملياً طريق نتنياهو للتعامل مع اتفاقات أوسلو دون القول إنه يؤيدها، بل أكثر من ذلك، فقد وقع اتفاقات باسمه في سياق تنفيذ اتفاقات أوسلو. وإذا عدنا إلى تلك الاتفاقات، نجد أن الاتفاقات التي وقعتها حكومة رابين ومن بعدها حكومة بيريز مع الفلسطينيين، قدمت للفلسطينيين أقل من 5% من مساحة الضفة الغربية، رغم أن هذه الاتفاقات كانت اتفاقاتهم وحازوا بفضلها جائزة نوبل للسلام. أما نتنياهو المعارض لهذه الاتفاقات، فقد وقع اتفاقين مع الفلسطينيين هما: اتفاق الخليل، واتفاق واي ريفر، حيث سلم الفلسطينيين ما مساحته 13.1% من أراضي الضفة الغربية أي ما يعادل ثلاثة أضعاف ما سلمته حكومات حزب العمل للسلطة الفلسطينية، وعشية الانتفاضة التي اندلعت في الأراضي الفلسطينية في عام 2000 في نهاية ولاية حكومة إيهود باراك كانت كل الأراضي التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية من أراضي الضفة الغربية حوالي 18% من مجمل مساحة الضفة الغربية، أي أن النسبة الكبرى من الأراضي التي سيطرت عليها السلطة الفلسطينية، سلمتها حكومة نتنياهو السابقة.

ولم تقف خيانة نتنياهو لشعاراته على المسار التفاوضي الفلسطيني فحسب، بل هو من رفع شعار، “لا يمكن النزول عن هضبة الجولان» لأن ذلك يضر بأمن “إسرائيل”. والجميع يعرف أنه أدار مفاوضات سرية مع سوريا في عهد الأسد الأب، للوصول إلى اتفاق سلام، عبر الوسيط رونالد لاودر، وقد تعهد بالاستعداد لإعادة الجولان كاملاً لسوريا في إطار اتفاق سلام وترتيبات أمنية مناسبة، ولم يختلف عرضه عن ذلك الذي قدمه إسحاق رابين إلى سوريا.

مسألة أخرى جرت في ظل حكومة نتنياهو السابقة، وهو ما عرف فلسطينياً بـ”انتفاضة النفق” في عام 1996، فقد اندلعت اشتباكات عنيفة مع الفلسطينيين بعد أن شقت “إسرائيل” نفقاً تحت المسجد الأقصى، كلف الطرفين عشرات القتلى، ولكن نتنياهو لم يحول تلك الأحداث إلى حمام دم على مدى سنوات، مثلما جرى بعد ذلك في ظل حكومة باراك في العام 2000 وتبعه في المهمة أرييل شارون. وكل ذلك لم يجعل حكومة نتنياهو اليمينية الضيقة مقبولة من العالم في ذلك الوقت.

لا نقصد من سوق هذه الأمثلة تسويق نتنياهو بوصفه حمامة سلام، فهذا آخر ما يمكن أن ينطبق عليه. ولكن ما تريد أن تقوله هذه المقالة، إن الكلام الانتخابي في “إسرائيل” شيء والجلوس في مقعد السلطة وإدارة العلاقات مع العالم شيء آخر. نتنياهو كزعيم للمعارضة يستطيع أن يقول أي شيء، ولكنه بوصفه رئيساً للوزراء عليه أن يقدم أفعالاً. وفي الكثير من الأحيان كان التناقض هو التوصيف الدقيق للحكومات الإسرائيلية، فحكومة إيهود أولمرت التي رفعت شعار «الدولتين» خاضت حربين، واحدة على لبنان وأخرى على قطاع غزة، بينما حكومة نتنياهو السابقة المتطرفة لم تدر أي حرب.

آخر إبداعات نتنياهو وهو في المعارضة، كان رفعه شعار “السلام الاقتصادي” ولا شك أن نتنياهو نفسه لا يصدق الكلام الذي يقوله، وهو يدرك أن السلام الاقتصادي لا يمكن أن يكون في ظل مئات الحواجز العسكرية الإسرائيلية الموجودة في الضفة الغربية، وهو ليس ضعيف الذاكرة، ليعرف أن المدن الصناعية التي أقيمت في الضفة الغربية من أجل تدعيم السلام اقتصادياً، هي اليوم خالية سوى من الرياح التي تعبث بها، وهو يعرف أن السلام الاقتصادي نفسه لا يمكن أن يكون في ظل هذا الحصار الإسرائيلي لكل شيء فلسطيني، وفي ظل الجدار العنصري المشاد في الضفة الغربية. والأهم من هذا وذاك يعرف، أن المشكلة الفلسطينية مع “إسرائيل” ليست لقمة العيش، بل هي الاحتلال، ولذلك يعرف نتنياهو أن “السلام الاقتصادي” الذي يدعو إليه هو آخر ما يصلح ليكون وصفة لإنجاز السلام في المنطقة. لذلك كل ما يريده نتنياهو اليوم هو أن يقيم حكومة تستند إلى ائتلاف يحميه من السياسات اليمينية، ولكن حكومة يمينية ضيقة بزعامة نتنياهو لن تكون أكثر عدوانية من حكومة أولمرت. ولا تستطيع حكومة إسرائيلية مهما كان ائتلافها الحكومي قوياً داخلياً، أن تصطدم مع العالم، وحكومة ضيقة ستدفع نتنياهو إلى هذا الصدام، لقد انتصر نتنياهو في الانتخابات، ولكن اليوم يتبين أنه نصر محرج في كل الأوضاع، لذلك لا خوف من نتنياهو، فهو سيطابق بين حقيقة “إسرائيل” وسياساتها.

* كاتبة فلسطينية  

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات