نتائج الانتخابات الإسرائيلية بددت أوهام الحلول

صحيفة القدس العربي اللندنية
ثمة حقيقة أساسية واضحة المعالم ميزت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي جرت قبل عشرة أيام، حقيقة مفادها أن غالبية الجمهور الإسرائيلي اتخذت نزعة يمينية. إذ لم يعد هناك جمهور إسرائيلي يؤمن بالسلام ولم يعد هناك وجود لحركات سلام “خجولة”، سواء كانت مستقلة أو متفرعة عن أحزاب أخرى. لم نعد نسمع شيئاً عن حركات مثل “السلام الآن” أو منظمة “ييش غفول” (يوجد حد) أو المجلس الإسرائيلي للسلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني”. بل إن هذه الحركات تراجعت وتكاد تكون قد اختفت لتحل محلها حركات يمينية شوفيينية عنصرية مثل “يسرائيل بيتينو” (إسرائيل بيتنا) بزعامة العنصري أفيغدور ليبرمان خليفة مئير كهانا الذي فضح الصهيونية بمجاهرته بعنصريته التي عكست جوهر الصهيونية التي تغلفها بشعارات براقة خالية من المضمون مثل “إسرائيل الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، ثم تقرر تصفية كهانا هذا. وجاء ليبرمان يرفع الشعارات نفسها وإنما تحت اسم مختلف.
أسباب التحول
لا يتسع المجال هنا لمعالجة أسباب هذا التحول في الرأي العام الإسرائيلي كما عكسته نتائج الانتخابات الأخيرة. ولكن يمكن الإشارة إلى 3 أو 4 عوامل ساهمت في هذا التحول:
1 ـ تردد أن ثلث أصوات حزب العمل ذهبت إلى كاديما من أجل كبح نتنياهو مفضلين زعامة ليفني عن زعامة إيهود باراك الذي تخلى عن “مبادئ” حزب العمل التقليدية لينقل الحركة العمالية إلى يسار اليمين إذا جاز القول.
2 ـ لعب العامل الديموغرافي دوراً مهما في حسم نتائج الانتخابات لجهة التطرف اليميني. الليكود بزعامة نتنياهو يستقطب 3 فئات من الجمهور الإسرائيلي: اليهود الشرقيين الذين تصوت أكثريتهم تقليدياً إلى الليكود. وهناك المتدينون الأصوليون مثل حزب شاس (11 مقعداً) ويهود التوراة. ثم اليهود الروس الذين صوت أغلبيتهم إلى الصهيوني الروسي أفيغدور ليبرمان (القادم من مولدوفا من أعمال الاتحاد السوفييتي سابقاً). والمعروف أن الصهيونية جلبت إلى “إسرائيل” في أوائل التسعينات نحو مليون مهاجر يهودي من روسيا نشأوا على تعاليم الصهيونية التي تدعو إلى كراهية العرب.
3 ـ ترعرع الجمهور الإسرائيلي، ولا سيما خلال العقود الثلاثة الأخيرة في حضن اليمين منذ أن تسلّم الحكم في سنة 1977 (“الانقلاب” على الأحزاب العمالية) بزعامة مناحم بيغن بعد إن ظل في المعارضة نحو 3 عقود. وقد استهل بيغن حكمه بالقضاء على سياسة” الجسور المفتوحة” بين المناطق المحتلة 1967 ومناطق 1948. ثم عمل على عزل مصر عن العالم العربي ثم شن الحرب على لبنان. ورويداً رويداً ترسخت أقدامه كتيار أيديولوجي وسياسي رئيسي ولا سيما بعد تحالفه مع اليمين الديني الأصولي، وخلال الانتخابات الأخيرة استكمل اليمين المتطرف انقلابه بتعزيز مكانة حزب ليبرمان على المسرح السياسي.. وهكذا زال التقسيم بين حمائم وصقور، إذ أن الجميع أصبحوا صقوراً ولم يعد هناك يمين معتدل ويمين متطرف، وما أطلق عليه “اليمين المعتدل” حرق أطفال غزة بالفوسفور عشية الانتخابات. واليمين المتطرف يزبد ويرعد ويهدد بعظائم الأمور.
4 ـ إن أجواء الحروب والاجتياحات العسكرية وآخرها العدوان على غزه وقبله الحرب على لبنان (2006) شحنت الجمهور الإسرائيلي بنزعات انتقامية وشحذت قناعته بأنه لم يعد هناك أي مجال للتفاهم مع العرب في ظل “حركات دينية متعصبة” (القصد حماس وحزب الله) التي لا تريد التفاهم مع “إسرائيل” إلا عبر الصواريخ، وحمل قطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي إلى النزول إلى الملاجئ الأمر الذي لم يكن معهوداً للجمهور الإسرائيلي “المدلل” الذي اعتاد على حروب “الترف” عندما كان يواجه جيوشاً عربية أعدت لتهزم.
وفي ظل هذه القناعات لدى الجمهور الإسرائيلي وفي ضوء فشل الحربين الأخيرتين في تحقيق أهدافهما تتعزز لدى هذا الجمهور نزعة نحو المزيد من الاتجاه العسكري إيماناً منه بمنح فرصة أخرى ليمين متطرف مثل ليفني وأكثر تطرفاً مثل نتنياهو..
تحديات جديدة أمام العرب
وإذا ما نظرنا إلى الخيارات القائمة أمام تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة مستقرة، نرى أن أية حكومة مهما كان تشكيلها وتناسخاتها ستكون يمينية متطرفة سيغيب السلام الحقيقي عن برنامجها وجدول أعمالها. إذ أنه على الرغم من أن حزب كاديما برئاسة تسيبي ليفني تفوق على غريمه الليكود بمقعد واحد (28 و27) إلا أن الإمكان العملي لتشكيل حكومة هو بتكليف بنيامين نتنياهو القادر على تشكيل حكومة يمينية متطرفة تضم الليكود وحزب ليبرمان (15) مقعداً) وشاس (11 مقعداً ويهود التوراة (4 مقاعد) وقد يكون في استطاعته حشد 65 مقعداً. ليتمكن من الحصول على أكثرية برلمانية. ولكن نتنياهو سيصطدم بعالم لن يتعامل مع عنصري مثل ليبرمان وإيلي يشاي زعيم شاس .
ولذا يبقى الخيار الآخر وهو تشكيل حكومة” وحدة وطنية” تضم الليكود وكاديما وحزب العمل (13 مقعداً) وشاس. وفي حال موافقة شاس على الانضواء تحت كنف حكومة تشكل كاديما (غريمه)، فإنه سيضع شروطاً تلتقي مع أهداف الليكود وليس كاديما.
فمن الواضح أن هذه النتائج لم تكن مفاجئة ولم تأت بأي جديد في جوهرها. بل إنها تساهم كثيراً في إزالة الغشاوة أمام أنظمة عربية وقادة عالميين ظنوا أنه يمكن التوصل إلى حل سلمي مع “إسرائيل” الصهيونية. ومهما كانت توليفة الحكومة الجديدة فإنها ستطرح تحديات جديدة أمام العرب الذين سيضطرون إلى التعامل مع واقع جديد قوامه أنه لن يكون هناك شريك لأي حل سلمي وأن جميع” المشاريع السلمية” الاستسلامية عفا عليها الدهر.
ومهما بدا الأمر غريباً فإن المصلحة العربية العليا تتطلب قيام حكومة “وحدة” تضم جميع أقطاب اليمين الصهيوني العنصري: نتنياهو وليبرمان وليفني وباراك وجميع قادة اليمين الديني الأصولي بزعامة الحاخام عوفيديا يوسف الذين يجاهرون بنواياهم الحقيقية من دون مواربة ويلتقون كلهم على برنامج صهيوني واحد أهم عناصره: لا لدولة فلسطينية، لا للعودة إلى حدود 1967، لا لإعادة القدس، لا لإزالة المستوطنات والجدار العنصري، لا لعودة اللاجئين، ولا لأي حوار حول سلام حقيقي، بل ستبقى الحروب العسكرية هي لغة الحوار الوحيدة. وعندها تتبدد أوهام الحلول ولن يبقى مجال لتبادل القبلات والعناق. وعندها سيدرك من راهنوا على أوهام الحلول إلى أي منزلق ينحدرون.
إن التحدي الصهيوني القديم ـ الجديد يفرض على العرب والفلسطينيين أن يعيدوا النظر في حساباتهم ورهاناتهم ليتوصلوا إلى قناعة أن السبيل الوحيد للتصدي للبرنامج الصهيوني ولجم العربدة الإسرائيلية هو وضع استراتيجية عربية موحدة تستخلص العبر والدروس من مغازلة الكيان الصهيوني الذي كلما تساهلت معه ازداد عنجهية واستخفافاً بالأمة العربية كلها، وهذا التحدي يفرض على الفلسطينيين أيضاً إعادة الوحدة إلى صفوفهم لوضع استراتيجية مقاومة فعالة تتجنب أخطاء الماضي وتلتف حولها جميع الفصائل الفلسطينية وتلقى قبولاً لدى الرأي العام العالمي كمقاومة شرعية ضد الاحتلال.
كاتب فلسطيني
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

10 شهداء على الأقل في قصف جديد لمدرسة وسط القطاع
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام ارتقى 10 شهداء على الأقل، وأصيب أكثر من 50 مواطنًا بجراح، إثر قصف إسرائيلي جديد، استهدف، مساء الثلاثاء، مدرسة أبو...

الإعلامي الحكومي: مجزرة البريج امتداد مباشر لجرائم الإبادة في غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي إن مجزرة مخيم البريج تُعد جريمة امتداد مباشر لجريمة الإبادة الجماعية التي يواصل جيش...

الهيئات الإسلامية: الاعتداء على ساحة الشهابي سياسة تهويدية لتطويق الأقصى
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام قالت الهيئات الإسلامية في القدس أن اعتداء سلطات الاحتلال الإسرائيلي على ساحة "الشهابي" التاريخية داخل البلدة...

حماس: مجزرة البريج جريمة حرب بشعة تضاف للسجل الأسود للاحتلال
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن مجزرة مدرسة أبو هميسة في مخيم البريج، والتي كانت تؤوي نازحين، جريمةٍ جديدةٍ...

بلدية جباليا تحذر من كارثة وشيكة لتراكم النفايات
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت بلدية جباليا النزلة، يوم الثلاثاء، من انتشار وتراكم كميات النفايات في مناطق نفوذها، مع عدم مقدرة طواقم العمل على...

الاحتلال يشرع بهدم منازل في مخيم نور شمس شمال الضفة
طولكرم – المركز الفلسطيني للإعلام شرعت جرافات الاحتلال الإسرائيلي، الثلاثاء، بهدم عدد من المباني السكنية في مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم شمال الضفة...

20 شهيدا وعشرات الجرحى بمجزرة مروعة وسط غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الثلاثاء، مجزرة مروعة بحق النازحين، عقب قصف الطيران الحربي لمدرسة تُؤوي...