الأربعاء 07/مايو/2025

غزة بين محورين متعاديين

غزة بين محورين متعاديين

صحيفة البيان الإماراتية

خلال وبعد الحرب الفسفورية الأخيرة على قطاع غزة تشكّل محوران. الأول عربي-إيراني-تركي يقف إلى جانب قطاع غزة بأشكال مختلفة أكثرها سطوعاً الشكل الإعلامي. المحور الثاني تقليدي يتكون من “إسرائيل” والولايات المتحدة ونوعاً ما الاتحاد الأوروبي ذو النزعة الإمبريالية تاريخياً.

دخلت إيران وتركيا على الموقف العربي بسبب الفراغ الحاصل بشكل مزمن في حالة التعاطي العربية مع مختلف القضايا. يتمثل الموقف العربي بقيادة الجامعة العربية المعروفة بمحدوديتها في التأثير مع ما يتبعها من أنظمة هي حقيقةً جزء من التركيبة السياسية الدولية الرسمية شبه الحيادية.

التدخل الإيراني محدود وشبه مرفوض بالإجماع من قبل القوى الدولية والإقليمية الرسمية الفاعلة. تقلص الدعم الإيراني إلى سفينة معونات غذائية ودوائية راوحت خط سير لها في المياه الدولية قبالة شواطئ غزة. أضافت إيران إلى محاولة التدخل الإنسانية هذه، بهدف مساعدة القطاع المنكوب.

أضافت حملة إعلامية تحريضية ملأت الأجواء حول “إسرائيل” والمنطقة زئيراً ووعيداً وتهديداً وتحريضاً. لا عجب في ذلك فطبيعة النظام الإيراني ثورية مؤيدة لأي شكل من أشكال المقاومة ضد الاحتلال والعدوان على الآخرين. لكن تدخلاً مباشراً عسكرياً أو سياسياً مطلوباً بحدة وجدية لم يدخل قيد التنفيذ.

ذلك لاعتبارات سياسية وجغرافية وعسكرية ميدانية مقبولة لدى طيف واسع من المراقبين والجماهير. بالذات إيران غير قادرة على مواجهة محور يتكون من مثلث أقطابه تتفوق كل منها على حدة على إيران عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وإعلامياً، وحتى تعبوياً جماهيرياً.

التدخل التركي فاجأ الكثيرين من المراقبين. تركيا دولة عضو في حلف شمال الأطلسي وتسعى جاهدة للالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي ذي الميول العلمانية الليبرالية. الإفراط في تطبيق العلمانية والليبرالية ومحاربة الإسلاميين هي شروط أوروبية متواضعة! لقبول تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي. تتمتع تركيا بعلاقات إستراتيجية عسكرية وسياسية شبه مصيرية مع “إسرائيل”. بين عشية وضحاها تتحول تركيا إلى دولة تجاهر “إسرائيل” الانتقاد، وحتى العداء.

رئيس وزراء تركيا يعلن أمام العالم أن القادة السياسيين والعسكريين في “إسرائيل” غارقون في جرائم إبادة جماعية عنصرية ضد أهالي قطاع غزة. يؤدي ذلك فيما بعد إلى إحداث شرخ وقطيعة أو شبه طلاق بين القيادتين في “إسرائيل” وتركيا. ذلك إثر تصريحات للقادة الإسرائيليين عن ماض «مشين» لتركيا في إبادة الأرمن واضطهاد الأكراد واحتلال جزء من جزيرة قبرص.

الرأس الثالث بل الأساسي في مثلث المحور المناصر لغزة هو الطرف العربي الذي عادة ما يتسم بالضعف ومحاولة ستر المواقف والأمور وتغطية العورات!. هذا إلى جانب الظهور الإعلامي الصاخب من بعض وسائل الإعلام العربية التي عادة ما تقدم دعماً معنوياً للمحاصَرين الذين هم عسكرياً في وضع لا يحسدون عليه. مالياً قدمت الدول العربية وفي مقدمتها العربية السعودية مساعدات مالية ضخمة، أو هكذا وعدت، لإعادة إعمار غزة.

على أرض الواقع فالسلطة الفلسطينية غارقة في معضلة مالية مزمنة لم تعد تنفع معها القروض والمساعدات والوعود قصيرة الأمد. آخر مظهر من مظاهر التقشف لدى هذه السلطة هو تأخير دفع الرواتب لموظفي السلطة وتأخير إعادة إعمار قطاع غزة الذي دمرته حرب فسفورية وتقليدية استمرت أكثر من ثلاثة أسابيع.

يقف في وجه المحور الإسلامي-العربي المترهل أعلاه محور “إسرائيل”-أوروبا الغربية-أميركا الفولاذي بامتياز. هذا المحور يمد العدوان بالأسلحة ويدعم الاقتصاد ويقدم الغطاء السياسي وحتى القانوني للأفعال والجرائم الإسرائيلية. بصورة خاصة فالفيتو الأميركي يقف بالمرصاد لأي تحرك عربي أو إسلامي يهدف للنيل من “إسرائيل” سياسياً وقانونياً وحتى تصرفات فاشيةً. كما أن التوجه الغربي يهدف إلى حرمان الفلسطينيين، والعرب والمسلمين، من جني أية فوائد من معاناة ويلات وكوارث الحرب الفسفورية على أهل غزة.

أكثر من ذلك فكلما حصل الفلسطينيون على دعم من دولة عربية أو إسلامية أرادت الحكومات الغربية التدخل للتأكد أن تلك المعونات لن تذهب إلى أيدي «الإرهابيين». ذلك مصطلح فضفاض مطاط يمكن أن يستغل لأغراض شريرة تخدم أهداف الحكومات الغربية في المنطقة. بعد الذي حصل في قطاع غزة لا يزال للبعض وجوه وأعين لتوجيه تهمة الإرهاب خارج الكيان الإسرائيلي!!.

بالرغم من حصول دعم أميركي قوي تقليدي ل”إسرائيل” في الحرب الأخيرة على غزة إلا أن الدعم والرأي العام الدولي كان صاخباً لمناصرة وتأييد القضية الفلسطينية. حقيقةً خسر المحور الثلاثي الإسرائيلي-الأوروبي-الأميركي ماء وجهه أمام بقية العالم عندما رأى الأخير الحمم الفسفورية تنهمر على بيوت الأطفال والشيوخ والنساء.

ذلك جزء مهم من الانتصار الفلسطيني السياسي والقانوني والأخلاقي والمعنوي في هذه الحرب العبثية الإسرائيلية على سكان مدنيين عزل محاصَرين. لم يبق على الأطراف العربية والإسلامية والفلسطينية إلا توحيد جهودها لمتابعة ذلك الانتصار الذي حقيقة سطره أهل غزة بأرواحهم وأجسادهم ودمائهم ومعاناتهم.

ما أن وضعت الحرب الفسفورية أوزارها حتى ظهرت في الأفق علامات حرب إعلامية بين الأطراف. بالذات هنالك حملات إعلامية بين إيران من جهة وبعض الدول العربية من جهة أخرى. مرة أخرى يلوم البعض الآخر على الحصار وتأثير الحصار والتلكؤ في دعم المحاصَرين وتأخير فتح المعابر.

بذلك يقف المحور العربي-الإسلامي في سجال وصراع مع نفسه حقيقةً ناجم عن الفشل في مقارعة أو مخاطبة الأمور. المعروف أن “إسرائيل” ومن خلفها الولايات المتحدة ونوعاً ما الاتحاد الأوربي مسئولة عن مأساة المعابر، ولا أحداً غير “إسرائيل”. ليس في مصلحة مصر الوطنية والقومية والأخلاقية والمعنوية فرض أي نوع من الحصار أو إغلاق المعابر على قطاع غزة.

مصر مرتبطة بمواثيق ومعاهدات واتفاقيات تجعل من التصرف بقضية المعابر أمراً غير ممكن. لوم مصر على مأساة المعابر يأتي من باب التجني على حقيقة ما يجري. كما أن دفع مصر باتجاه التصلب واتخاذ مواقف عسكرية ارتجالية قد يتسبب بحصول كوارث عسكرية وسياسية عانت مصر منها على مدى التاريخ الحديث.

جامعة الإمارات

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيد بقصف الاحتلال مركبة بصيدا جنوب لبنان

شهيد بقصف الاحتلال مركبة بصيدا جنوب لبنان

المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن لبناني، صباح اليوم الأربعاء، في قصف طائرات الاحتلال الحربية، مركبة في مدنية صيدا جنوب لبنان. وأفادت الوكالة...